محافظة ومدينة خليل الرحمن تحتل أولوية في أجندة وأهداف عمليات التهويد والضم للاستعمار الصهيوني، وتأتي في المركز الثاني بعد العاصمة الأبدية القدس، ولهذا ركز قادة الدولة الإسرائيليون على تعميق عمليات المصادرة والتهويد والاستيطان فيها، وانتجوا آليات عمل تتوافق مع مخططهم الاستراتيجي عبر تعزيز ودعم قطعان المستعمرين ومنظماتهم بمختلف مسمياتها بقيادة مجلس الاستيطان في الضفة "يشع" لتحقيق أهداف التطهير العرقي من خلال تطويقها بسلسلة من المستعمرات، وتكريس وجودهم في مركز المدينة حيث أقاموا مستعمرة "كريات أربع" التي يقيم فيها الفاشي، ايتمار بن غفير، شريك نتنياهو في الحكومة السادسة، وفرضوا التقسيم الزماني والمكاني على الحرم الإبراهيمي الشريف، وزوروا وثائق للاستيلاء على عدد من المنازل، وأغلقوا شارع الشهداء، وشقوا الطرق الالتفافية، وسيطروا على مئات وآلاف الدونمات في مسافر يطا وغيرها باعتبارها مناطق عسكرية، ومناطق تدريب ورماية لجيش الحرب الإسرائيلي، وكل يوم يختلقون عناوين جديدة لمضاعفة السيطرة عليها.

ومن جرائمهم الجديدة أمس الأول، اقتحام عشرات آلاف من قطعان المستعمرين أسواق ومركز المدينة بقيادة خليفة الحاخام الإرهابي الفاشي، كهانا واعتدوا على المتاجر والبسطات والسيارات والمنازل وعلى أبناء الشعب الفلسطيني احتفاء بما يسمونه "سبت سارة"، وأصابوا العديد من السكان، وأطلق الجنود الرصاص على السكان الفلسطينيين لحماية العصابات الفاشية المقتحمة المدينة وأسواقها.

هذه الجريمة ليست جديدة بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن الجديد تمثل أولاً في أن بن غفير، شريك سموتيرتش في التكتل الثالث في الكنيست الحالي، والمفترض أن يتولى حقيبة مهمة في الحكومة السادسة، إضافة لبنود الصفقة التي أبرمها مع رئيس الحكومة المكلف نتنياهو، لتعميق عمليات التطهير العرقي في أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يضفي على عمليات الاقتحام الإجرامية الصفة الرسمية، وتشريع هذا النهج الاستعماري الإرهابي؛ ثانيًا تعميق وتوسيع الاستيطان الاستعماري في محافظة الخليل كلها؛ ثالثًا تأجيج عمليات العنف والفوضى والإرهاب ضد السكان أصحاب الأرض الفلسطينيين العرب؛ رابعًا دفع عملية الضم خطوة متقدمة للأمام؛ خامسًا التأكيد على أن نهج الحكومة القادمة إن قدر لها رؤية النور بزعامة نتنياهو تبديد آخر نقطة ضوء في نفق عملية السلام، وقطع الصلة معها نهائيًا؛ سادسًا والاقتحام بحد ذاته رد على مزاعم وادعاءات رئيس الوزراء المكلف، بأنه يرغب بـ "السلام".

ورغم أن جيش الموت الإسرائيلي قام بحماية اقتحام تلك العصابات الفاشية، إلا أنه لم يسلم من الاعتداء على جنوده، ما دفع وزير جيش الاحتلال، غانتس، ورئيس الأركان، كوخافي للتعليق على ذلك، باعتباره عملاً مخلاً بالأمن، ومرفوضًا من قبلهم وعندما اقتصر في البداية العدوان الإرهابي على الجماهير الفلسطينية لم ينبسوا ببنت شفة. وهو ما يكشف عنصريتهم وعدوانيتهم تجاه جماهير الشعب الفلسطيني.

وأعتقد أن زعيمة حزب "ميرتس" زهافا غالؤون من أبرز الشخصيات الصهيونية، التي علقت على الجريمة الجديدة، وأعلنت رفضها لها، وأدانتها، واعتبرتها شكلاً من أشكال التوتير وأعمال العنف والفوضى. في حين أن باقي الأصوات الصهيونية، التي تدعي أنها "يسارية" صمتت، أو كان صوتها خافتًا جدًا، الأمر الذي يكشف هزال قوى المعارضة الصهيونية.

النتيجة المستخلصة من الاقتحام الإجرامي لمدينة الخليل، المركز الاقتصادي والتجاري المهم والمتميز في فلسطين المحتلة أن المستقبل المنظور يحمل في طياته آفاقًا واسعة من فلتان الإرهاب الصهيوني من عقاله، ومضاعفة حالة السخط والغليان في أوساط الجماهير الفلسطينية، التي تعيش بالأساس وضعًا معقدًا، وعدم يقين من إمكانية وجود أفق للأمل بالمستقبل، وبالتالي دفعها للدفاع عن ذاتها ومصالحها وحقوقها الخاصة والعامة، من خلال التصدي للفاشيين الصهاينة بغض النظر عن المآلات التي يمكن أن تذهب إليها التطورات على الأرض.

والخطوة الإجرامية للفاشيين مجددًا تتطلب من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأشقاء العرب كل من موقعه إعادة النظر بسياساتهم تجاه الدولة الخارجة على القانون، واللجوء لفرض العقوبات المختلفة عليها، والتلويح لها بالعصا الغليظة لإلزامها باستحقاقات التسوية، إن بقي منها شيء يذكر. وعلى الشعب والقيادة والفصائل والحركات الفلسطينية الاندفاع نحو تجسير الهوة فيما بينهم لرص الصفوف وتكريس الوحدة الوطنية أولاً في الميدان، وثانيًا على المستوى السياسي والتنظيمي والقانوني؛ لأن ما جرى في الخليل يعتبر الإنذار الألف والخطير الذي يفرض على الجميع الإسراع في تنفيذ إعلان مبادرة الجزائر الشقيقة.

 

المصدر: الحياة الجديدة