اليوم وبعد 34 عامًا على إعلان الوثيقة نرى ضرورة ترسيخ بعض القضايا الأساسية المرتبطة بالإعلان وأولها: أن الوثيقة لم تحدد حدود دولة فلسطين التي أعلن المجلس الوطني عن قيامها على أرض فلسطين، ما يعني أن تركيز سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن في خطاباته على منبري الجمعية العامة للأمم المتحدة والقمة العربية في الجزائر على تنفيذ القرار الأممي 181 لسنة 1947 الخاص بتقسيم فلسطين، وعلى القرار 194 لسنة 1948 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وضمان حقوقهم، مرتكز نظاميًا وقانونيًا على نصوص وثيقة الاستقلال التي أرهصت أصلاً لاعتراف دول العالم بدولة فلسطين، ونعتقد في هذا السياق أن رئيس الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين التي ما زالت تحت الاحتلال، وقائد حركة تحرره الوطنية ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يؤكد عمليًا الالتزام التام بوثيقة (إعلان الاستقلال) الصادرة عن الإجماع الوطني منظمة التحرير الفلسطينية، في مؤتمر المجلس الوطني التاسع عشر في الجزائر عام 1988، ويتحدى بهذا الالتزام الصلب كل الدعايات المضادة حول تراجع القيادة السياسية الوطنية الفلسطينية عن إستراتيجية العمل الوطني. ما يعني أن إعلان وثيقة الاستقلال ستبقى معيارًا لقياس مدى الالتزام بمبادئ وأهداف منظمة التحرير، ذلك أن الإعلان مرتبط جوهريًا بنصوص الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت أقرت في مؤتمر مجلسها الوطني عام 1974 وفي الجزائر أيضًا على قيام سلطة وطنية فلسطينية على أي شبر يتم تحريره من أرض فلسطين.. مع ربط ذلك بحلقة أخرى وهي أن روح نص القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، الوليدة بقرار من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1993 استمدت من نص إعلان وثيقة الاستقلال.


وبالمناسبة لا بد من تركيز الضوء على مصطلح (قيام) المستخدم في الإعلان، وضرورة استخدامه حصرًا عند الحديث عن هدف دولة فلسطينية على أرض فلسطين نظرًا للخطأ الشائع في استخدام مصطلح "إقامة" نظرًا للفارق اللغوي بينهما.. علاوة على التركيز بأن الإعلان كان وما زال باسم الشعب العربي الفلسطيني.. أما أرض فلسطين فهي الحق التاريخي والطبيعي الأزلي للشعب الفلسطيني.


لقد كان إعلان وثيقة الاستقلال رؤية مستقبلية لطبيعة علاقة شعب فلسطين مع شعوب ودول وحكومات العالم بعد التحرير والاستقلال، بعثها ممثلو الشعب الفلسطيني في المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد خط حروفها معنويًا بدماء الشهداء والجرحى، وبصياغة عكست إرادة الشعب الفلسطيني، وتضحياته، وآماله وأهدافه، وكتبت بلغة وطنية فلسطينية إنسانية، وبأبجدية عربية رسم حروفها آدم الفلسطيني وذريته، عبر تاريخهم المتجذر في أرض فلسطين منذ آلاف السنين.


كتب الكثير عن إعلان وثيقة الاستقلال، وحُمِلَت تفسيرات وتأويلات إيجابية صائبة، وبذات الوقت عمل المتآمرون على مشروع الشعب الفلسطيني الوطني، ومعهم سراق قراره المستقل، على حرف المقاصد الحقيقية للإعلان وتفريغ معاني المصطلحات الأدبية والسياسية والثقافية من مضامينها، وهدفهم من ذلك إبقاء ورقة الحق التاريخي للشعب العربي الفلسطيني في أرض وطنه فلسطين، ورقة بيدهم لاستخدامها لخدمة مصالحهم الإقليمية، ولمساومة دول كبرى استعمارية أنشأت منظومة الاحتلال والاستيطان العنصري (إسرائيل) على النفوذ في الإقليم.


لقد أدركت قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية حتمية انعكاس المتغيرات الدولية على نضال الشعب الفلسطيني، وتأثير السياسات الدولية المستجدة عمومًا، والدول العظمى خصوصًا على الحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية) وكان واجبًا المبادرة بالفعل وليس الانتظار للخروج بردة الفعل، وهذا نهج يمكننا اتباعه دائمًا، فإعلان وثيقة الاستقلال حينها كان عملا فدائيًا سياسيًا فلسطينيًا وطنيًا بامتياز، أحدث تحولاً نوعيًا في مسار الكفاح الوطني الوحدوي، حيث تمكنت حركة التحرر الوطنية -عبر لغة عالية الدقة والتأثير- من الوصول إلى ضمائر وعقول دول وشعوب وحكومات العالم، فحصلت بالتدرج على اعتراف دولي أممي بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، في 14 تشرين الأول عام 1974.. وبعد 15 نوفمبر من العام 1988 حصلت على اعتراف حوالي مئة دولة بدولة فلسطين، وفي العام 2012 اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة بصفة مراقب مع تجديد التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد، وأن المجلس الوطني هو برلمان الشعب الفلسطيني وأن اللجنة التنفيذية هي حكومة الشعب الفلسطيني، صاحب الحق بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية على أرض فلسطين، واليوم وبعد 34 عامًا على إعلان وثيقة الاستقلال ما زلنا نناضل لانتزاع حقنا في تثبيت فلسطين كدولة كاملة العضوية في خريطة العالم السياسية.

 

المصدر: الحياة الجديدة