أنا من ذلك الجيل الذي عاش مرارة هزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1967 الخاطفة، والتي بالفعل خطفت في حينه الأمل الكبير للأمة العربية بالمشروع القومي النهضوي العربي، والذي كان رمزه  في تلك المرحلة الزعيم المصري جمال عبد الناصر. بعد تلاشي الأمل، كانت الأمة العربية تشعر أنها تختنق وتعيش في عتمة الهزيمة الصعبة، والتي أطلق عليها العرب في حينه نكسة، لأن الهزائم عند الأمم العظيمة، القادرة على النهوض مجددًا، هي نكسات.

في ظل أجواء الهزيمة هذه جاءت مقولة ياسر عرفات الشهيرة "هم هزموا، ويقصد الأنظمة العربية، نحن لم نهزم، ويقصد الشعب الفلسطيني". من هنا اعتبرت فتح أن الثورة الفلسطينية قد انطلقت من جديد بعد حرب 1967. هذه الإرادة  الصلبة المحصنة بالوطنية الفلسطينية هي التي أخذت قرار الصمود ومواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي في معركة الكرامة وانتصرت على الجيش "الذي لا يقهر".

ومما أعطى معركة الكرامة أهميتها ورمزيتها هو بعدها القومي عبر هذا التلاحم الذي جرى على أرض المعركة بين الفدائيين الفلسطينيين، وجنود الجيش العربي الأردني. وهو التلاحم الذي أنتج وأبدع نصرًا على آلة الحرب الإسرائيلية. لقد نجح هذا النصر التكتيكي في إنارة شمعة في عتمة الهزيمة، وأمل للأمة بإمكانية النصر على إسرائيل، الأمر الذي قاد عبد الناصر إلى حرب الاستنزاف على جبهة قناة السويس عام 1969 ولاحقًا لحرب أكتوبر عام 1973.

أما على الصعيد الفلسطيني،  فقد التحق جيل كامل بالثورة بعد معركة الكرامة. فقد منح النصر وما رافقه من روح كفاحية وتضحية الأمل بإمكانية نيل الحرية. وأصبح حلم وهدف العودة قابلا للتحقيق. وبالفعل إنضم آلاف الشباب الفلسطيني والعربي للثورة، التي تحولت إلى أمل قومي ورأس حربة لتحرير فلسطين واستعادة  الكرامة.

لقد مثل هذا النصر الصغير نقطة تحول كبيرة  في تاريخ  الثورة الفلسطينية،  وحتى في تاريخ الأمة في تلك المرحلة. عندما قرر عبد الناصر وضع يده بيد ياسر عرفات وقيادة فتح في محاولة لمحو آثار نكسة حزيران 1967 والإعداد للحرب ولكن وبقدر ما شكلته معركة  الكرامة من نقطة ضوء ولحظة فارقة، فإنها بالمقابل فتحت عين إسرائيل والغرب الإمبريالي على الثورة، وبدأت مرحلة جديدة من الحروب المتواصلة للقضاء على من تجرأ على مواجهة الجيش الإسرائيلي.

 واليوم ونحن نحتفل بالذكرى 53 لهذه المعركة أشعر بخيبة أمل من بعدنا القومي، لأن بعضه  اختار التطبيع المجاني مع دولة الاحتلال، ومع المشروع الصهيوني التوسعي الذي لن يتوقف عن التوسع حتى تنصب إسرائيل الدولة المتحكمة في مستقبل الشرق الأوسط، والسؤال: هل بالفعل تريد الأمة العربية ذلك؟ إنه سؤال موجه إلى جماهير أمتنا العربية العظيمة التي رفضت عام 1967 الاستسلام للهزيمة.