شهدت الأيام الماضية نشاطًا ملحوظًا لعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ تمثل بإرسال عدد من الرسائل المتعاقبة بدءاً من يوم السبت الماضي ويوم الاثنين الموافق 15/ 3 موجهة لإدارة الرئيس جو بادين، ووزير خارجيته، انتوني بلينكن حول ملفات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تضمنت المطالبات الآتية: أولًا- الإلغاء الرسمي لصفقة القرن، التي أعلنها رسميًا الرئيس السابق، دونالد ترامب في 28/1/2020؛ ثانيًا- إدانة عمليات الهدم، التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلية بشكل صريح ودون غموض أو التباس؛ ثالثًا- دعم حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وصيانة كرامته؛ رابعًا- تأمين وتوزيع اللقاح على أبناء الشعب الفلسطيني.

وفي التفاصيل التي تضمنتها الرسائل، أكد الموقعون عليها، ضرورة شطب وتصفية صفقة القرن كليا، وإزالتها عن الطاولة، وعدم التعامل مع أي من مكوناتها، والحؤول دون ربطها بركائز عملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، واتخاذ خطوات دبلوماسية من شأنها وضع حد لسياسة الهدم. ليس هذا فحسب، بل طالبوا وزارة الخارجية بفتح تحقيق في إمكانية استخدام دولة الاستعمار الإسرائيلية معدات أميركية في عمليات الهدم في القدس وعموم الضفة الفلسطينية، ونبهوا لحقيقة جلية، أن سياسة الهدم جزء لا يتجزأ من عملية الضم للأراضي الفلسطينية في القدس والضفة، وهو ما يجب أن يتم وقفه فورًا. كما وأعربوا عن قلقهم من تخلي سلطات الاحتلال عن التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة بشأن توفر إجراءات السلامة الصحية للمواطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا يلزمها بتوفير لقاح للفلسطينيين كافة، الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، بمن في ذلك المليونا فلسطيني في قطاع غزة.

ورغم أن هذه الرسائل لم يزد عدد الموقعين عليها عن 17 نائبًا وعضو مجلس شيوخ، هم: رشيدة طليب، أندريه كارسون، مارك بوكان، بول غرولفا، هينري جونسون، بيتي ماكولن، جيمس ماكغوفرين، ماري نيومان، أليكساندرا أوكاسيو كورتيز، إلهان عمر، تشيلي بينغري إيانا بريسلي. أما اعضاء الشيوخ: بيرني ساندرز، إليزابيث وارن، توم كاربر، شيرود براون وجيف ميركلي. إلا أن رسائلهم ذات دلالة مهمة، تعكس عمق التوجه الجديد والنوعي المساند لحقوق الشعب الفلسطيني، والداعم لبناء جسور السلام الممكن والمقبول، وفي الوقت ذاته، ترفع الكرت الأحمر في وجه حكومة اليمين الصهيونية الفاشية برئاسة نتنياهو، وتذكرها بأن النظام الأميركي يعيش تغيرًا نسبيًا، حتى ولو كان بطيئًا، ولم يعد المشهد في بلاد العم سام لونًا واحدًا، لأن الغمامة السوداء أخذت تنزاح عن العيون ببطء شديد، مع اتساع في الرؤية للوحة الصراع، وباتت هناك عيون أميركية ترى الصورة بشكل أشمل وأعمق، ولم تعد الرواية الصهيونية تقنع الكل الأميركي سيما في أوساط أتباع الديانة اليهودية عمومًا والشباب خصوصًا.

وعلى قلة ومحدودية عدد الأصوات في المجلسين، إلا أن حكومة اليمين المتطرف الصهيونية تخشى تنامي الصوت الأميركي المتناقض مع مشروعها وروايتها وأكاذيبها. كما وتخشى من إدارة بايدن نفسها، لذا قام حزب الليكود بالتحريض عليها، ودعا أنصاره وقطعان المستعمرين للاستعداد للتصدي لخطواتها المتناقضة مع برنامجها، خاصة دعواتها المتكررة بوقف سياسة الضم، والتهويد والمصادرة للأراضي الفلسطينية، ومناداتها بوقف الهدم، وتاكيدها رفض الاعتراف بالاستيطان الاستعماري بكل مسمياته.

إذن، الصوت المحدود لأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، مع تأكيد إدارة بايدن على توجهاتها العامة بشأن السلام وخيار حل الدولتين، ورفض الانتهاكات الإسرائيلية أحادية الجانب يؤشر إلى أن نتنياهو وزمرة قطعان المستعمرين وقوى اليمين والحريديم المتطرفين يسرع بفتح مواجهة بينهما. لكن بمعايير الحلفاء الإستراتيجيين، وليست مواجهة بالمعنى الحقيقي للكلمة. بيد أنها أحد إشكاليات التباين بين القيادتين الأميركية والإسرائيلية. وهي بالضرورة تتسع وتتعمق، لأن نتنياهو وعصابته يصعدون خيارهم الاستيطاني الاستعماري، الأمر الذي يزيد من إحراج بايدن ونائبته هاريس ووزير خارجيته بلينكن وكل الصهاينة في الإدارة الجديدة. والمستقبل المنظور سيجلي الكثير من طابع الأزمة بين الإدارتين الاميركية والإسرائيلية.