ثمة حوارات عديدة تجري اليوم في ساحتنا الفلسطينية، بشأن الانتخابات وإشكالياتها التقنية، والفصائلية، والسياسية، وفي هذه الحوارات، ثمة مخاوف مشروعة ألا تكون مخرجات الانتخابات مثلما تتطلع إليها المصالح الوطنية العليا، في جوانبها التنظيمية، والنضالية، والسياسية، والاجتماعية، وبمعنى ألا تقود لتحقيق الوحدة الوطنية الفاعلة، بالشراكة العملية، دونما انقسام، ودون أي تحاصص وظيفي، للتصدي لقضايا الشأن الوطني الفلسطيني العام، التحررية، والاجتماعية، وتحمل مسؤولياتها بأجدى برامج العمل، وأكثرها حيوية واقعية .

مركزية فتح في اجتماعها يوم أمس الأول، وهي تساهم في تعزيز حوارات اليوم بشأن الانتخابات، بحثت في سبل معالجة هذه المخاوف، ومن ذلك أن اجتماعات القاهرة المقبلة بين فصائل العمل الوطني هي من سيقرر في المحصلة التصدي لهذه المخاوف، والبحث في سبل تبديدها، بتوضيح طبيعة الانتخابات، وغايتها السياسية والاجتماعية، وإقرار سبل إنجاحها بالتوافق، والاتفاق الوطني، وفتح لا تساوم على ذلك، وستسعى على الدوام لتحقيق هذا الاتفاق والتوافق الوطني، بحكم إيمانها بضرورة التعددية، وهي أساسًا من جعل الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، منذ غابة البنادق، وحتى باحات العمل السياسي، أيقونة القيم النضالية الوطنية، ومفهومها الذي لا يقبل أي التباس، وطريقها التي لا تقبل أي نكوص.

لكن ولعل بعض المخاوف صياغات لأهداف غير انتخابية، بل وبعضها لغايات إحباطية، ومنها مثلًا عن مدى جاهزية فتح لخوض الانتخابات، بزعم أن هناك تيارات متصارعة داخلها!!! ما قد يجعل انتخابات هذا العام، نسخة من انتخابات عام 2006 !! وكما يقال منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم، جرت في النهر مياه كثيرة، ومن لا يرى ذلك، لا يرى حقيقة المتغيرات الحاصلة، لا في الساحة الفلسطينية فقط، وإنما في الساحات العربية، والإقليمية، والدولية كذلك، بما لا يسمح للتاريخ أن يعود إلى الوراء، كما أنه لا يرى طبيعة اللحظة السياسية الراهنة، بأنها لحظة تمور باحتمالات التبدلات الدراماتيكية، على مستوى العالم بأسره بعد جائحة الكورونا، وبعد اتضاح فداحة العبث العنصري في السياسات الدولية والمحلية، والانتخابات الأميركية الأخيرة نموذجا. وربما الأمر بالنسبة لمن لا يرى، أو لا يريد أن يرى كل ذلك!! هو أمر الطعن بحكمة وشجاعة القيادة الفلسطينية، وبما حققت من إنجازات لفلسطين على الساحة الدولية، وعلى نحو خاص إحباطها لمشروع صفقة القرن التصفوي، وفِي ساحة، ومساحة ولاية السلطة الوطنية، ليس ثمة إمكانية لإنكار ما تحقق من مشاريع البناء والتطوير والتحديث التنموية، في مختلف قطاعاتها، ولا ما تحقق من تعزيز لسبل الحكم الرشيد.

لا تراجع عن الانتخابات، حتى لو تعاظمت نصوص المخاوف، وتعددت وأيا كانت غاياتها، وبالقطع فإن هذا القرار، هو قرار الجاهزية أن تكون على أكمل وجه، وعلى أجدى ما يكون، وفي تشديد الرئيس أبو مازن على ضرورة إنجاح الانتخابات بالكل الفلسطيني، على الصعيدين الفصائلي، والشعبي، لتحقيق أكبر قدر من نسبة في المشاركة، والتصويت، ما يوضح أن قرار الجاهزية، قرار حاسم، لتكون بأعلى درجاتها، وليس لفتح وحدها، وإنما للكل الفلسطيني بصفة عامة.

هل تكون الانتخابات امتحان الجدارة الوطنية، والديمقراطية، لا شك أنها كذلك، وهل سننجح في هذه الانتخابات لنستحق هذه الجدارة...؟ لا خيار أمامنا سوى النجاح، وبالمخرجات التي نصبو إليها، والتي تحقق لنا الوحدة، والشراكة الوطنية، بسلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح الشرعية الواحد، وبالقرار السياسي الواحد المستند إلى القرار الوطني المستقل، سلما ومقاومة.

يبقى أن نقول إن مخاوف اليوم البعيدة عن تلك الصياغات الملغومة، إنما هي في الواقع مخاوف الأمس، بعلاقاته المرتبكة بين قواه المختلفة، ومشهده الذي أحاله الانقسام البغيض، إلى أكثر المشاهد عتمة في الواقع الفلسطيني، طوال الأعوام الأربعة عشر الماضية، ولهذا تظل مخاوف مشروعة، ولابد من مجابهتها، لتبديدها بالحوار الديمقراطي، الملتزم بالثوابت المبدئية، والذي يؤمن في المحصلة الاتفاق والتوافق الوطني، الكفيل بتحقيق الانتخابات الناجحة في كل تفاصيلها ومخرجاتها.