هذا الحديثُ الشّريفُ هو اختزالٌ لمفهومِ حربِ الشّعبِ طويلةِ الأمدِ، فالمُنبتُّ هو الذي انقطعت به السبُلُ وتوقّفَ في منتصفِ الطّريقِ بعدَ أنْ أجهَدَ نفسَهَ وراحلَتَهُ بالسّيرِ المتواصلِ ظنًّا منهُ أنّهُ يختصرُ وقتَ الوصولِ إلى هدفِهِ، فإذا بهِ يجدُ نفسهُ مضطرًّا للتوقّفِ قبلَ وصولِ الهدفِ لأنّهُ "قطعَ" ظهرَ دابّتِهِ واستهلكَ قواها فلم تعُدْ قادرةً على حملِهِ لمواصلةِ رحلتِه.

 

لو كانَ لدى الشّعبِ ما يكفي من القوّةِ لتوجيهِ ضربةٍ قاضيةٍ لعدوّهِ لما لجأ إلى استخدامِ حربِ الشّعبِ طويلةِ الأمَدِ كوسيلةٍ لتحقيقِ أهدافِه. هذا يعني أنَّ ما يملكهُ الشّعبُ من عواملِ القوّةِ لا يمكنُ مقارنتُهُ بما لدى العدوِّ من مخزونِ البطشِ والجبروتِ القادرِ على حسمِ المواجهاتِ المُباشِرةِ لصالِحهِ. ولو كانَ الأمرُ غيرَ ذلكَ لما لجأ الشّعبُ إلى هذا الخيارِ الذي يحتاجُ إلى الجهدِ والوقتِ واستنهاضِ القوى ومواصلةِ الحفاظِ على وضوحِ الهَدفِ وقدرتِهِ على أنْ يظلَّ حافزًا يُجمعُ عليه التيّارُ الأعظمُ من الجماهير. وفي المقابلِ يلجأ العدوُّ بما يملكُهُ من عناصرِ القوّةِ إلى المواجهاتِ الخاطفةِ والمحدودةِ ويبذلُ كلَّ ما في وسعِهِ لإنهائها في أقصرِ وقتٍ وإلحاقِ أكبرِ كميّةٍ من الأذى في صفوفِ الجماهيرِ بغضِّ النّظرِ عن حجمِ مشاركتِها في العملِ المقاوم. هذه هي القاعدةُ الرئيسةُ التي تشكّلُ الإطارَ العمليَّ لحربِ الشّعبِ: العدوُّ على عجلةٍ من أمرهِ لأنّهُ يمتلكُ القوّةَ الكافيةَ للحسمِ السريعِ، بينما يتأنّى الشعبُ في استخدامِ ما لديهِ من مخزونِ القوةِ ويعملُ على تنميتِها وينتقي لحظاتِ استخدامِ كلٍّ منها دونَ أن يحيدَ عن الهدفِ النهائيِّ وهو تحقيقُ النّصر الكامل.

 

ليست المقاومةُ الشّعبيّةُ سوى أحدِ أشكالِ حربِ الشعبِ طويلةِ الأمدِ، وهي استكمالٌ لكلِّ ما سبقها أو يرافقُها من الأشكالِ الأخرى، وعندما تختارُ "فتح" هذا الشّكلَ من المواجهةِ مع المحتلّينَ والمستوطنينَ فإنّها تفعلُ ذلكَ انطلاقًا من فهمِها لطبيعةِ المرحلةِ التي نمرُّ بها، واحترامًا لمبدأ استخدامِ الوسائلِ التي تتناسبُ مع طاقةِ الشّعبِ من جهةٍ، ولا تعطي المحتلَّ فرصةَ استخدامِ جنوحِهِ الغريزيِّ نحو استخدامِ آلةِ القتلِ التي تضمنُ لهُ تفوّقًا لا جدالَ فيه. من هنا كانَ اللجوءُ إلى هذا الخيارِ ليكونَ ضمانةً لمشاركةِ أوسعِ قطاعاتٍ من شعبنا في المواجهةِ المستمرّةِ مع المحتلِّ بما يضمنُ استمراريّةَ المشاركةِ وحمايةَ الشّعبِ من بطشِ العدوّ. وقد أثبتت تجربةُ السنواتِ الأخيرةِ أنَّ المقاومةَ الشّعبيةَ قادرةٌ على التصدي للعدوِّ وإجبارِهِ على التّراجعِ عن مشاريعِهِ العدوانيّةِ، وقد رأينا شواهدَ على ذلكَ في القدسِ. وفي المقابلِ أثبتت تجربةُ المواجهةِ المسلحةِ مع العدوِّ في غزّةَ وحولَها أنَّ المرحلةَ التي نمرُّ بها والتفوّقَ الذي يمتلكهُ العدوُّ لا تخدمُ فكرةَ اللجوءِ إلى هذا الشكلِ من المواجهةِ، فالنتيجةُ العمليةُ لكلّ جولةٍ من جولاتِها هي إلحاقُ الخسائرِ الباهظةِ في صفوفِ شعبنا وممتلكاتِهِ وبشكلٍ لا يتناسبُ مع ما يلحقُ بالمحتلّينَ المعتدينَ من أضرار.

 

كانت المشاركةُ الشعبيّةُ في يوم الغضبِ الفلسطينيِّ ضدَّ القرارِ الأمريكيِّ الدّاعمِ للاستيطانِ يومَ أمس تعبيرًا عن وحدةِ الموقفِ الجماهيريِّ الدّاعمِ للقرارِ السياسيِّ برفضِ السياسةِ الأمريكيّةِ العدوانيّةِ ضدَّ شعبنا وحقوقِهِ الوطنيّة. وهذه المشاركةُ هي شكلٌ من أشكالِ المقاومةِ الشعبيةِ، ولا بدَّ من البناءِ عليها لتطويرِ الحراكِ الشعبيِّ وإتقانِ استخدامِهِ بشكلٍ يتلاءمُ مع التحدياتِ التي يتصدى شعبنا لها. وهنا يجبُ العودةُ إلى ما بدأنا بهِ الحديثَ، وهو الاقتصادُ في استخدامِ ما لدينا من عواملِ القوّةِ بما يضمنُ استمراريّةَ الحراكِ في معركةِ المواجهةِ مع الاحتلال. ليس من الضرورةِ أن تخرجَ المسيراتُ الشعبيةُ كلَّ يومين أو ثلاثةٍ وفي كل المدنِ والمناطقِ في آنٍ واحد، فواجبُنا هو الحفاظُ على زخمِ المواجهةِ دون الوقوعِ في شرَكِ التسرّعِ وإجهادِ النّاسِ في فعاليّاتٍ لا مردودَ لها.

 

*لا صوتَ يعلو اليومَ على صوتِ المواجهةِ الشعبيّةِ طويلةِ الأمد، ولا مكانَ للمُنبتّين بيننا.

 

 

٢٧-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان