16 و17 و18 أيلول 1982 أيام سوداء، تؤرَّخ في التاريخ، وتكتَب بالدم الأحمر القاتم، حيث ارتكبت إسرائيل والميليشيات المسيحية اليمينية اللبنانية أبشع مجزرة في تاريخ البشرية القديمة والمعاصرة بحق الفلسطينيين واللبنانيين المدنيين الأبرياء، واقتحمت هذه القوات التجمعات السكنية في منطقة الحرش وشاتيلا وصبرا وأمعنت قتلاً واغتصاباً، وتمثيلاً بالجثث وبقر بطون الحوامل من النساء، مجزرة شبيهة بتلك التي اقترفت بحق أهالي مخيم تل الزعتر في العام 1976.

ستة وثلاثون عاماً مضت والقتلة لا يزالون يسرحون ويمرحون بما رحبت بهم الأرض، وضحايا المجزرة تحت التراب، وعائلاتهم لا زالوا ينتظرون عدالة الأرض والسماء للاقتصاص من القتلة، والزمن بدأ يمحو معالم هذه الجريمة الشنعاء شيئاً فشيئاً، إلاّ أن الفلسطينيين واللبنانيين مع قوى التحرر العالمي وأهالي الضحايا يصرون على إحياء الذكرى، لتبقى وصمة عار على جبين مرتكبيها والمجتمع الدولي لعدم الاقتصاص من القتلة المجرمين.

وهذا العام شهد إحياء الذكرى الـ (36) لمجزرة صبرا وشاتيلا، وفود أجنبية كثيفة من الدول المشاركة في جمعية "كي لا ننسى"، بلغ (87) مشاركاً من الدول التالية: إيطاليا 36 وفنلندا11 وفرنسا 6 وإسبانيا 3 وبريطانيا 12 والنرويج 1 وسنغافورة 3 وأمريكا مشارك وماليزيا 4 واليابان 1.

وكالعادة في كل عام دعت بلدية الغبيري بالتعاون مع جمعية (كي لا ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا) للمشاركة في إحياء الذكرى بمهرجانٍ خطابيٍّ في قاعة المركز الثقافي لبلدية الغبيري (رسالات) صباح اليوم الجمعة 2018/9/21.

تقدم الحضور سعادة سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور، ورئيس بلدية الغبيري معن الخليل، وأمين سر حركة "فتح" وفصائل "م.ت.ف" في لبنان فتحي أبو العردات، وممثل حزب الله الحاج حسن حب الله، والنائب فادي علامة، والمستشار الثقافي في السفارة الإيرانية محمد مهدي شريعة دار.

بدأ الاحتفال بالنشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني، تلاه كلمة رئيس بلدية الغبيري معن خليل رحَّب فيها بالحضور والوفود الأجنبية المشاركة، شاكراً جميع من أحيى هذه الذِّكرى الأليمة، وانتقد في كلمته العدو الصهيوني وممارساته بحق الشّعب الفلسطيني، واصفاً الكيان الصهيوني بالأفعى.

واعتبر خليل أنَّ المجتمع الدولي منحاز إلى إسرائيل من خلال القرارات الدولية التي لم تنصف إلى اليوم شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، وأكّد أنّ صفقة القرن ستزول بسبب ثبات الشَّعب الفلسطيني على حق العودة وتحرير الأرض.

وختم خليل كلمته بدعوة الفعاليات والأحزاب الفاعلة في المنطقة إلى معالجة مسألة الأرض التي دفن فيها الشّهداء، مطالبًا بعمل نصب تذكاري دائم لهم.

ثمَّ كانت كلمة للسفير الفلسطيني أشرف دبور، اعتبر فيها أنّ إحياء ذكرى اليوم هي للتذكير بالمجزرة الهمجية التي شنَّها العدو الصهيوني ضد المدنيين والعزل، وأنّ العدالة للشّهداء الذين سقطوا في مجزرة صبرا وشاتيلا تكون من خلال تكريمهم والإبقاء على ذكراهم في ما هم وفي المنطقة التي دفنوا فيها.

وأكّد دبور أنَّ حق العودة لا بد أن يتحقق، لأنَّ الشّعب الفلسطيني موجود على هذه الأرض منذ آلاف السنين ومن غير الممكن اقتلاعه من الأرض والمنطقة، شاكرًا الدول التي وقفت إلى جانب الشَّعب الفلسطيني في المحافل في الدفاع عن حقه في العودة.

وشدد على أنَّ الممثل الشَّرعي والوحيد للشَّعب الفلسطيني هي منظمة التحرير الفلسطينية، معتبراً أنَّ محاولات التهويل بحق "م.ت.ف" ستفشل لأنَّ القيادة الفلسطينية ترفض التنازل عن حق شعبنا في العودة.

ورأى السفير دبور أنَّ صفقة القرن ستفشل لأنّ الشّعب الفلسطيني يرفض بيع أرضه ووطنه على الرغم من التهويل تارة والإغراءات المادية تارة أخرى، مؤكّداً التمسُّك بحق العودة لشعبنا ورفض التوطين.

وكانت كلمة لممثل حزب الله حسن حب الله، اعتبر فيها أنَّ العالم اليوم أمام مجزرة تمثِّل سياسة الكيان الصهيوني في التعامل مع محيطه من خلال التهجير المستمر للمدنيين العزل، وهو أمر مستنكر لا تقبله الشرائع والأعراف الدولية والإنسانية.

واستذكر السياسة الاستعمارية التي انتهجها العدو الصهيوني في محاولاته لتفريق الشّعوب العربية وبالأخص بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، ومحاولاته لضم لبنان إلى فلسطين المحتلة لكن المقاومة أسقطت هذا المشروع. ورأى أنَّ مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها المليشيات اليمينية ما كانت لتتم لولا مباركة العدو الصهيوني. مؤكداً أنَّ المجازر الصهيونية مستمرة لغاية يومنا هذا ولكن من خلال شطب حق العودة ومحاولة تذويب الفلسطيني في جميع المجتمعات لتتحول فلسطين المحتلة إلى دولة يهودية بحتة.
وأعرب حب الله عن تشاؤمه من أنَّ المنطقة العربية قد تشهد المزيد من التهجير وفي مقدمة هذه المجازر ستكون مجزرة التوطين، داعياً الجميع إلى الوحدة لمواجهة مخططات التوطين وتعزيز المقاومة لإفشال مخططات القرن.
وكانت كلمة للوفود الأجنبية المشاركة أعربت فيها عن امتنانها لاستضافتهم، وشكر الوفد باسم المتحدثة باسمه الدكتورة تيوا انغ الشَّعب اللبناني على استضافته للشّعب الفلسطيني.
واستذكرت الدكتورة تيوا انغ في كلمتها ما حصل معها في العام ١٩٨٢ عندما كانت تدعم إسرائيل، لكن بعد مجيئها إلى لبنان كطبيبة اكتشفت أنَّ الشّعب الفلسطيني هو شعب مقاوم وصادق ويسعى إلى تحرير أرضه بعدما طرد منها.
كما أعربت عن حزنها لما حدث للشَّعب الفلسطيني في هذه المجزرة على الرغم من محاولاتهم دعم الشَّعب الفلسطيني إلا أنَّ عدد الضحايا كان هائلاً، مؤكدةً أنّ الشّعب الفلسطيني بعد وقوفهم في وجه هذه المجزرة علَّم شعوب العالم معنى الصبر لأنهم لم يفقدوا الأمل في إعادة بناء مخيماتهم إلى حين عودتهم.
ورأت أنَّ القضية الفلسطينية تشهد تحديات كبيرة ومحاولات لتصفيتها، داعيةً كافة أطياف الشَّعب الفلسطيني إلى رفض التوطين والتمسك بحق العودة.
وكانت الكلمة الأخيرة لعوائل الشّهداء ألقتها الطالبة دينا أحمد حفيدة الشَّهيد موسى عايد، طالبت فيها بالعدالة للشّهداء من خلال محاكمة المجرمين والمشاركين والمحرضين على مجزرة القرن. وأعربت عن سعادتها من مشاركة الوفود الأوروبية هذا العام كما كل عام بإحياء ذكرى المجزرة.
وفي ختام المهرجان الخطابي وضع المشاركون أكاليل من الورد على النصب التذكاري لشهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، من بينها أكاليل باسم السيد الرئيس أبو مازن وحركة "فتح" و"م.ت.ف".

هذا وخلال وجودهم في لبنان قام أعضاء الوفد الأوروبي بعدة لقاءات وزيارات رسمية حيث التقوا النائب الدكتور أسامة سعد، ووضعوا إكليلاً من الورد على ضريح الشّهيد معروف سعد، كما التقوا سعادة سفير دولة فلسطين أشرف دبور، ورئيس بلدية الغبيري معن الخليل، ومنسق عام الحملة الأهلية لنصرة قضايا الأمة الأستاذ معن بشور، والأستاذ طلال سلمان، ومدير منطقة لبنان الوسطى "الأونروا" الأستاذ محمد خالد، وعدد كبير من الشخصيات السياسية والوطنية اللبنانية والفلسطينية.
كما كان للوفد زيارات للمخيمات الفلسطينية في بيروت والشَّمال والجنوب ولمقابر الشهداء ووضعوا أكاليلاً من الورد على أضرحة الشهداء، واطلعوا عن كثب على الحياة في المخيمات الفلسطينية، والتقوا بالمؤسسات الأهلية الفلسطينية، كما شملت زيارة الوفد الجنوب اللبناني عند مارون الراس وقلعة الشقيف.