الإرهاب التكفيري في الدول العربية ما زال فاعلا ويهدد مستقبلها، ولم تنته مهمته ووظفيته التفتيتية لوحدة النسيج الاجتماعي والوطني والثقافي في كل دولة على انفراد، وشعوب الأمة عموما، لأن المشروع التخريبي الأميركي الإسرائيلي لم يحقق كامل أهدافه، الأمر الذي يملي على القائمين عليه مواصلة وإعادة إنتاج الجماعات الإرهابية بأشكال وأسماء قديمة جديدة، واستخدامها كسيف مسلط على رقاب الأنظمة السياسية القائمة، وإرغامها على الاستجابة لدفع الفاتورة السياسية المطلوبة منها، أو مواصلة خلق المتاعب لها، وضعضعة الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني فيها.
وإذا توقفنا أمام ما جرى في الساحة الأردنية كنموذج، الذي تعرض يومي الجمعة والسبت الماضيين لعملية إرهابية أدت إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى من رجال الأمن الأردني في الفحيص والسلط، نلحظ أن الاستهداف لقوى الأمن لم يكن عابرا أو محض صدفة، إنما يعكس نوايا الجماعات التخريبية العاملة في الأردن الشقيق.
والعملية الإرهابية الجديدة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة خاصة وأن المئات من أتباع تنظيم الدولة "داعش" بدأوا بالتسلل من سوريا والعراق وغيرهما من الدول العربية والإسلامية إلى الأردن، بعد أن ضعف ثقلهم ووجودهم في أعقاب الهزائم، التي منيوا بها في الدول المذكورة. كما أن قاعدتهم وركيزتهم الإخوانية قوية في الأوساط الاجتماعية الأردنية، ما يسهل عليهم الاستقطاب والتنظيم للشباب البسيط، وغير المؤهل علميا ووطنيا، ودفعهم لارتكاب عمليات إرهابية ضد أبناء الشعب الأردني عموما، والمؤسسة الأمنية خصوصا باسم الدين، الذي هو براء منهم ومن جرائمهم الدونية التكفيرية. أضف إلى أن الأزمات والصعوبات الاقتصادية، التي يعاني منها الأردن تساعد في خلق المناخ الملائم لتعاظم نفوذ تلك الجماعات، يضاف لذلك نجاح ممثلي القوى الوطنية والقومية والديمقراطية في انتخابات النقابات، ما أثار حفيظة جماعة الاخوان المسلمين والقوى المحافظة المتواطئة معها، التي كانت متربعة على عرش النقابات لأكثر من عقدين من الزمان. وقد يكون من العوامل المساعدة لذلك، دعم تلك العصابات الإجرامية، ليس من قبل أميركا وإسرائيل فحسب، بل يمكن ان تكون بعض دول المنطقة لها ضلع في ذلك بهدف تصفية حسابات مع الأردن.
هذه العوامل وغيرها تشكل الأرضية الملائمة لاتساع دور وتأثير تلك البؤر الإرهابية في المملكة الأردنية، وهو ما يتطلب من الاردن ومؤسسته الأمنية من جهة، والقوى الوطنية والقومية واليسارية من جهة أخرى كل من موقعه السياسي والوطني زيادة اليقظة، والاندماج بعمق مع الشعب بطبقاته وفئاته وشرائحه الاجتماعية المختلفة لمضاعفة الوعي الوطني لمجابهة تلك الجماعات وأفكارها الرجعية، والتركيز على دور العبادة، التي تشكل ساحة مناسبة للترويج لبضاعة التكفيريين الفاسدة، حيث لا يكفي هنا مراقبة خطيب الجمعة، ولا النصوص المسموح بها لإلقائها في المساجد، إنما وضع تلك المنابر تحت المراقبة الدائمة والمستمرة على مدار اليوم.
ويقع على النظام السياسي وحكومته والمؤسسة الأمنية دور أكبر في متابعة خيوط تلك الجماعات، وملاحقتها في المهد، والعمل على تفكيكها، وتضييق الخناق عليها، وكبح جماح منظومة الإخوان المسلمين دون تردد أو تساهل ومراقبة الحدود من كل الجهات بما يضمن الحؤول دون تسرب عناصر لداخل الأردن.
عملية السلط الفحيص، عملية خطيرة، توجب على كل القوى الرسمية والشعبية التنبه لأخطارها وتداعياتها، والعمل بشكل منظم وسريع لوأد مشروع الإرهابيين، وتصفية ذيوله بحلول سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وثقافية ناضجة وعقلانية.