بقلم: إسراء غوراني

استيقظ أهالي مخيم الفارعة جنوب طوباس، صباح يوم الجمعة، على عملية اقتحام واسعة شنتها قوات الاحتلال لمخيمهم، حيث وصفها الأهالي بأنها العملية الأشرس والأكثر دموية منذ سنوات، كما أنها تأتي في إطار تصاعد استهداف الاحتلال لمختلف مناطق الضفة الغربية.

وأسفر عدوان الاحتلال على المخيم عن ستة شهداء وهم: عامر باسم صبح، وماهر عبد الله جوابرة، وعماد نهاد جوابرة، وقاسم محمد دراغمة، وثائر عبد الله شاهين، وبراء موسى الأمير، بالإضافة إلى تسع إصابات وصفت إحداها بالخطيرة.

يروي أهالي مخيم الفارعة تفاصيل ما حدث، حيث اقتحمت قوة خاصة المخيم قبيل الساعة السابعة صباحًا، ثم تبعتها تعزيزات عسكرية متواصلة على عدة دفعات.

ويؤكد الناشط من المخيم خالد منصور، بأن قوات الاحتلال مع بداية عملية الاقتحام انتشرت في أرجاء المخيم، فيما اعتلى القناصة أسطح عدد من البنايات وخاصة مقر العيادة الطبية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وعن سطح هذه البناية شرع الجنود بإطلاق النار واستهداف كل ما يتحرك، ونتيجة لذلك فقد المخيم خلال فترة وجيزة من بداية الاقتحام ستة من أبنائه.

ويضيف: أن طبيعة اقتحام المخيم والعنف المفرط الذي استخدمته قوات الاحتلال كان يوحي بأن عدد الشهداء كان مرشحًا لأن يكون أكبر بكثير، وخاصة أن المخيم كغيره من مخيمات اللاجئين مكتظ بشكل كبير بالسكان.

كما يروي المواطنون أن أغلب شهداء اليوم تم قنصهم خلال محاولتهم استيضاح ما يجري حول منازلهم، فيما استشهد أحدهم وهو يحاول سحب أحد المصابين الذي سقط عند باب منزله، فباغتته رصاصة من الجنود أدت إلى استشهاده.

ومن المصادفات المؤلمة التي يرويها الأهالي، أن أصغر الشهداء الستة وهو ماهر عبد الله جوابرة (١٤ عامًا) هو ابن شقيق الشهيد ماهر جوابرة الذي كان واحدًا من ستة شهداء أيضًا استشهدوا في يوم واحد في بدايات انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠١ خلال قصف إسرائيلي في محيط المخيم.

تؤكد أم محمد من سكان المخيم، والتي يقع منزلها في أحد الأزقة التي شهدت الأحداث الأصعب، وهي أن هذا الاقتحام كان الأكثر خطورة ودموية من بين الاقتحامات التي كانت تحدث بين الحين والآخر، سواء خلال الفترة الأخيرة أو خلال السنوات الماضية.

وتشير إلى أن جنود الاحتلال كانوا يطلقون الرصاص عشوائيًا داخل الأزقة ما أدى لتضرر نوافذ منزلها ودخول الرصاص إلى المنزل، قائلة: "لولا لطف الله لكنا نحن وغيرنا من الجيران من الشهداء، ولكان عدد الشهداء في المخيم أكبر بكثير".

خلال سيرنا من مركز المخيم باتجاه أزقته الداخلية كانت مخلفات الرصاص متناثرة على الأرض، كما اتضح جليًا حجم التخريب الذي خلفته قوات الاحتلال في ممتلكات المواطنين، وخاصة في المركبات التي أصيبت بالرصاص بشكل مباشر، كما أن إحدى المركبات تم إحراقها بشكل كامل.

ووفقًا لمعطيات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني التابع لوكالة "وفا"، أنشئ مخيم الفارعة عام 1949على بعد 5 كم إلى الجنوب من مدينة طوباس، على 225 دونماً، ويبلغ عدد سكان المخيم بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في منتصف العام 2023 نحو 6350 لاجئًا.

بدوره، يؤكد ياسر أبو كشك وهو أحد سكان مخيم الفارعة ومدير عام المخيمات السابق في منظمة التحرير، أن ما حدث في مخيم الفارعة، وما خلفه من شهداء ومصابين هو جزء من حملة شرسة ومتصاعدة تخوضها سلطات الاحتلال على مختلف مناطق الضفة الغربية بالتزامن مع العدوان على غزة.

ويأتي استهداف المخيم في الوقت الذي صعد فيه الاحتلال من الاقتحامات الدموية في مخيمات أخرى بالضفة، ومنها: مخيمات جنين، وطولكرم، ونور شمس، وعقبة جبر، ليكون استهداف مخيم الفارعة حلقة إضافية ضمن مسلسل تصاعد استهداف المخيمات.

وفي هذا السياق، يوضح أبو كشك أن استهداف المخيمات بكل هذه الاقتحامات والانتهاكات الدموية يعد استمرارًا لمسلسل المعاناة غير المنتهية، كونها من أكثر المناطق التي تعاني من تبعات الاحتلال منذ النكبة، كما أن المخيمات نقاط ساخنة باستمرار وتشهد مواجهات شديدة واحتكاكات مستمرة مع جنود الاحتلال خلال الاقتحامات.

ويضيف: أن الاحتلال استخدم القوة المفرطة كجزء من نهج يستخدمه طول السنوات السابقة لقمع الشعب الفلسطيني، ويتضح مؤخرًا التشديد على هذا النهج ضد المواطنين من خلال قيام سلطات الاحتلال بمنح الجيش الضوء الأخضر لإطلاق النار على المواطنين، وكذلك إعطاء التصريح المطلق لإطلاق النار بهدف القتل خلال الاقتحامات.

كما شدد على خطورة ما حدث اليوم من اقتحام قوات الاحتلال مقرًا تابعًا للأونروا وقيامها باستهداف المواطنين عن سطحه.

ويتخوف أهالي مخيم الفارعة أن يكون ما جرى اليوم في المخيم هو بمثابة تحذير ومقدمة بأن الاحتلال ينوي لتنفيذ مزيد من هذه الاقتحامات المتصاعدة في خطورتها، ما يعني احتمالية المزيد من الجرائم والمجازر، في إطار التصعيد الخطير الذي تشهده الضفة بكافة محافظاتها.

وتشير معطيات وتقارير إعلامية أن عدد الشهداء في الضفة الغربية بما فيها القدس بلغ منذ بداية العام الجاري ٤٧٨ شهيدًا، فيما تشير المعطيات لدى وزارة الصحة الفلسطينية في تقريرها الصادر اليوم حول آثار العدوان على قطاع غزة، بأن عدد الشهداء في الضفة منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم بلغ ٢٧٢ شهيدًا، كما بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة نحو ١٧ ألف شهيد.

تجدر الإشارة إلى أن وتيرة عنف الاحتلال واستهداف المدنيين في الضفة في تصاعد منذ بداية العام الجاري، وكانت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة حذرت في وقت سابق من تزايد عدد الشهداء في الأراضي المحتلة بشكل ملحوظ هذا العام عن الأعوام السابقة، حيث أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تقرير نشره خلال شهر آب/ أغسطس أن العدد الإجمالي للشهداء في الضفة هذا العام يتجاوز العام الماضي، كما أنه الأعلى منذ عام 2005.