تعتبر قيادة حماس الآخرين في الوطن كطرف في صراعها على الوجود، وليس منافسا سياسيا كما الحال في أية بلاد تحفل بالتعددية السياسية، أو تلك التي تطبق الحد الأدنى من منهج الديمقراطية، وهذا ليس غريبا على قادة تخرجوا من تحت سقيفة جماعة الإخوان الذين يعتبرون كل من ليس في دائرتهم عدوا (كافرا أو مرتدا) يجوز قتله، واشتغلوا على مدى التسعين عاما الماضية على تأصيل هذه المفاهيم في أذهان أجيالهم الوارثة لهذه العدائية تحت ضغط تفوهات مشايخهم الموجه عبر منابر المساجد وكذلك في الحلقات السرية، وعمليات غسل أدمغة للكبار، ومنع الصغار من اكتساب أي معرفة آو علم آو ثقافة إلا عبر برنامج آمن يعتبر كل فكرة إنسانية آو رؤية تحررية تقدمية أو أي تحديث آو تجديد في مناهج الحياة وسلوكيات الناس بمثابة ( فايروس) – أي كفر – يجب استئصاله بسفك الدماء.

من هذا المنطلق تعتبر حماس نفسها في معركة مفاوضات مع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الفلسطينية الأخرى، وهو المصطلح نفسه الذي تم استخدامه للتعبير عن شكل الاشتباك مع دولة الاحتلال بعد الولوج في العملية السياسية، لانتزاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتأمين وجود الشعب الفلسطيني على ارض وطنه فلسطين، ليس هذا وحسب، بل إثبات جدارته كشعب قادر على العودة إلى مكانته الحضارية، والإسهام في رفع قواعد الاستقرار والسلام في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

لجأت قيادة حماس إلى تقوية ما تعتقد أنها (أوراق تفاوضية) ترتكز عليها في مسارين، الأول مع الاحتلال الإسرائيلي عبر تسويق مقولة: قواعد الاشتباك الجديدة - القصف بالقصف - والآخر عبر طرق البوابة الإسرائيلية، والالتهاء بلهفة لتلقف أي صدى صوت مصدره إدارة ترامب، وبعث إشارات واضحة المعالم للبيت الأبيض توفر على مستشاريه وأركانه عناء البحث عن بديل للرئيس أبو مازن والقيادة الشرعية الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية، وإفادة صريحة بقبول مهمة فتح الطريق أمام صفقة القرن المسيرة على عجلة تحويل قضية التحرر الوطني الفلسطيني وانجاز الاستقلال وقيام دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية إلى مجرد حشد عطف إنساني، محمول بصناديق أغذية وأدوية، وتوسيع رقعة الصيد البحري، وفتح معابر للشاحنات، وتمويل رواتب لعناصر حماس الذين فرضتهم بعد انقلابها في العام 2007 مقابل استمرار سلطة الأمر الواقع (الحمساوية) في غزة، فقادة حماس يعتقدون أن وجودهم ووجود جماعتهم مرتبط بديمومة سلطتهم الانقلابية في قطاع غزة، خاصة بعد انكسارات خطيرة حلت بجماعة الإخوان المسلمين ومشتقاتهم في أقطار عربية مجاورة وبعيدة.

إن حديث قادة حماس بصوت عال حول شرعية (اللقاء مع العدو) وإجازة المفاوضات – بغض النظر عن أشكالها - من أجل تحسين الوضع المعيشي للمواطنين في قطاع غزة، ليست مناورة لفرض شروط حماس وتعزيز موقعها التفاوضي مع القيادة الوطنية الفلسطينية وإرغامها على قبول نتائج الانقلاب وآثاره وتبعاته، والتسليم لها كقوة حاكمة – ولكن في الظل – وحسب، بل رسالة شكر بالخط العريض لدولة الاحتلال بأن حماس لن تذهب إلى مصالحة وشراكة مع الوطنيين الفلسطينيين، حتى لا يتم تخريب المصلحة المشتركة بين الطرفين (إسرائيل - وحماس جماعة الإخوان) والمستخلص منها حسب التجارب والبينات المادية والواقعية، أن ساسة إسرائيل وقادتها الأمنيين يعتبرون حكم حماس في غزة مصلحة إسرائيلية، وان سيطرتها على القطاع تمنع توفر شروط قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، أي في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، فيما تكمن مصلحة حماس أن إسرائيل كدولة احتلال، بعد إعادة انتشار قواتها، وبعد ثلاث حروب على القطاع – بعد سيطرتها عليه بالانقلاب المسلح عام 2007 - ما زالت تحاصر قطاع غزة، وهذا أكبر وأعظم مبرر لحماس وغيرها من المتعاملين مع أجندات أجنبية، لحشد القوة المسلحة، لتدعيم أركان انقلابها وترسيخه في المفهوم والوعي الفردي والجمعي تحت يافطة الجهاد والمقاومة!!.. وبذلك يضمن قادة حماس وجود بقاء (جماعة الإخوان) في مركز المنطقة، حتى لو قيل لهم ألف مليون مرة أن ما يفعلونه أفظع جريمة اغتيال ومساهمة عملية مادية في مؤامرة تصفية القضية الأنبل والأعدل في العالم، وأنها غدر وخيانة للشهداء والجرحى، وتجارة بمآسي ومعاناة الملايين من الشعب الفلسطيني.