كنت أسمع جدتي تقول: "الله ما يحكم فينا عبد"! وما في أصعب من حكم العبد! انتهى كلام جدتي.. لاحقا فهمت، كيف أن العبد اذا أعطي سلطة، فسوف يسيء استعمالها. وأعني بالعبد من اعتاد العبودية وأدمن الذل، لأصحاب المال والنفوذ، فتأصلت في نفسه الذلة والخنوع، وصارت له نفسية العبد الذي يبحث عن ضحية ضعيفة، لينفث فيها سموم الحقد والكراهية، ولا علاقة للون البشرة في هذا المفهوم!

ومنذ نكبة العام 48 وحتى الآن، تصدح من وقت لآخر معزوفات نشاز تستهدف الإنسان الفلسطيني، بتاريخه وحضارته وثقافته، افتراءات غبية، تنم عن قلوب حاقدة تسكنها الكراهية.. فالفلسطيني باع أرضه وفرط بها، ولم يدافع عنها، هذه كانت المعزوفة الأولى، وما زالت هذه اللازمة تتردد، في وقت بات معروفا وبالوثائق، العائلات العربية التي قامت ببيع أراضيها، وهي نسبة قليلة بالنسبة لمساحة الوطن الفلسطيني، فالقانون الفلسطيني كان يمنع بيع الأراضي لليهود، ويسمح ببيعها للعرب، ما سمح لضعاف النفوس بالسمسرة، لتمرير الأراضي لليهود، وقد توارثت تلك العائلات الثراء عبر الأجيال.

يشهد الأعداء قبل الأصدقاء، مقاومة الفلسطينيين، منذ اتضاح صورة المخطط الصهيوني في إقامة كيانه. ونظام الفزعات المتنقلة في أرجاء الوطن، حيث يتجمع الرجال بعفوية لنجدة مدينة أو قرية تتعرض للعدوان.

قرأت خبرا، لم أستطع التحقق منه، وإن يكن غير مستبعد. بعض الجنسيات العربية، بدأت بشراء أراض في القدس المحتلة، والأرجح أنها ستلعب الدور القذر ذاته، وتكرره بأشكال متطورة، مستغلين حملة التفقير وهدم البيوت، التي يمارسها الاحتلال.. المطلوب الآن حملة توعية وطنية واسعة، والأرجح أن شعبنا أدرك أن لا ملاذ له إلا أرضه، وأن معاناة اللجوء والتشرد، ليست أقل عذابا وهوانا.

الفلسطينيون "نفايات بشرية" تطلق هذه المقولة "الإنسانية"، بحق الفلسطينيين، رغم الدور الحضاري، والنهضة الكبيرة التي ساهم فيها الفلسطينيون، وبالأسماء والأرقام، وأسماء المؤسسات ودورها الريادي، في أكثر من مكان في الوطن العربي.

ونشهد اليوم، ازدهار موسم الشتم والتشويه، أوركسترا من رجال دين، دخلوا على الخط، بفتاوى، غرضها تشويه الدين بالدرجة الأولى.. ومن متثاقفين ومغمورين، ومذعورين لم يفصحوا عن أسمائهم الحقيقية، فهم يتعنترون ويتوعدون ويخوضون معارك دون كيشوتية، على وسائل التواصل الاجتماعي.

بعضهم ادعى بأن الفلسطينيين أدخلوا الدعارة الى بلدانهم.. ربما كانوا يعتبرون الراديو والتلفزيون والتعليم ونشر المعرفة، كلها من مشتقات الدعارة.. ترهات أقل ما تسمى دعارة فكرية.

أحد "المتفزلكين" الجبناء، أعلن أنه سيقيم حفلا ويدعو فتيات فلسطينيات للرقص في حفله الساهر.. يكفيه أن يدعو امرأة فلسطينية واحدة، لتلقنه درسا يورثه لأحفاد أحفاده.. هذه نماذج قليلة، مما تفيض به وسائل التواصل الاجتماعي.. طائفة من الرداحين، يرددون ما يملى عليهم، مقابل المال أو المنصب أو الشهرة..

وبلغ الأمر بأن أحد الأمراء، تبرع ببناء جزيرة اصطناعية، وسط البحر، وتبعد الفي ميل بحري عن أقرب ميناء لها.. وتكون وطنا للفلسطينيين، لأن أبناء العمومة، لهم حق الهي في فلسطين، وبصك من الله. وأن للكيان المغتصب حق الوجود على أرضه التاريخية، لأن لا وجود لشيء اسمه فلسطين أو فلسطينيين، وإنما كان هناك بعض من يُدعون العماليق والكنعانيين.. فصفة العماليق، انقلبت من صفة إيجابية الى صفة سلبية، تدل على الانحطاط.. ووفقا للمرويات التوراتية أن موسى ".. أرسل جماعة ليتجسسوا أرض كنعان. وقال لهم: انظروا الى الأرض، والشعب الساكن فيها، أقوي أو ضعيف؟ قليل أم كثير؟.. وما هي المدن التي هو ساكن فيها؟ أمخيمات أم حصون؟ عدد!13/17

"فصعد الرجال، وتجسسوا الأرض.. ثم رجعوا بعد أربعين يوما.. وقالوا لموسى: ان الشعب الساكن في الأرض معتز، والمدن حصينة، عظيمة جدا.. وقالوا: لا نقدر أن نصعد الى الشعب، لأنهم أشد منا.. فكنا في أعيننا كالجراد، وهكذا كنا في أعينهم" عدد 13/ 21

هؤلاء هم العماليق والكنعانيون.. الذين سكنوا المدن الحصينة.. ولم يجرؤ العبرانيون على الاقتراب منهم.

للمتفزلكين بغباء.. نذكرهم بالعودة الى الوثائق الحديثة، حيث اختلف زعماء الحركة الصهيونية، في اختيار المكان المناسب لإقامة كيانهم. بدأت مقترحاتهم: من سيناء والعريش، الى أوغندا وموزمبيق والكونغو وكندا.. لكنهم وجدوا في فلسطين دولة كاملة بكل مؤسساتها، فاخترعوا خرافة جعلوها حقيقة، تسير على قدمين! ولن يكون صعبا عليهم إيجاد علاقة تاريخية، مع أي بقعة في العالم، إن رغبوا في استعمارها، أو في تكملة مشروع حدودهم من الفرات الى النيل!