66 عاما مرت على ذكرى ثورة الـ23 من تموز/ يوليو المصرية. تلك الثورة، التي جاءت رداً على فساد النظام الملكي، وعلى تردي حال الأمة العربية، وضياع ونكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948. ولم تأت الثورة من فراغ، ولا هي نزوع إرادوي من قبل مجموعة الضباط الأحرار، إنما هي تعبير عن إرادة الشعب العربي المصري في التحرر والانعتاق من ربقة الهيمنة الإنكليزية، وهي استلهام لمصالح العمال والفلاحين الفقراء والمسحوقين، وانتصار للعدالة الاجتماعية وللاستقلال السياسي والاقتصادي، وانعكاس لطموح الوطنية المصرية الموشحة بحلم العروبة النابض.

ثورة يوليو العظيمة كانت طليعة الثورات العربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتشكل النظام الدولي الجديد (نظام القطبية الثنائية)، وكانت إيذانا بفتح عصر جديد من تاريخ الشعب المصري الشقيق، وإشادة معالم البناء والتنمية والتخلص من التبعية والارتهان لأنظمة الاستعمار الغربية وخاصة بريطانيا، وإنارة دروب الأمة العربية وشعوبها للدفاع عن مصالحها وحقوقها الوطنية والقومية، وكانت الشرارة، التي أضاءت السماء العربية بنور التحرر الوطني، ودفن أنظمة الحكم الرجعية والاستبدادية.

اليوم ونحن نقف أمام ذكراها الشامخة، ونستحضر أمجادها، وشجاعة قياداتها البطلة وخاصة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، رائد القومية العربية، وحبيب الملايين من الجماهير الشعبية على امتداد الوطن العربي، ونستعيد أحلامها وطموحاتها وأهدافها النبيلة، فكأننا نستوحي روحها، وعنفوانها، وخياراتها ردا على حالة التردي والهزيمة والتشتت، والتمزق. ونسعى لاستنهاض نبض الأمة العربية وشعوبها، لإعادة الاعتبار للقومية العربية، ونعلن على الملأ عن رفضنا لما وصلت إليه شعوب وقوى ونخب الأمة العربية من ضعف ووهن وتهالك، وانحدار غير مسبوق، تجاوز كل مراحل الانحطاط في التاريخ القديم والوسيط.

نعم الذكرى السادسة والستون للثورة الناصرية البطلة، هي محطة هامة من محطات كي الوعي الوطني والقومي والديمقراطي للرد على واقع الحال المهين، الذي تعيشه شعوب الأمة من أقصاها إلى أقصاها، والرد على قوى الردة الإسلاموية عموما والإخوانية خصوصا، ولرفض خيار أهل النظام الرسمي العربي، وخاصة الأنظمة المتساوقة مع الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاستعمار الإسرائيلية، وللتصدي لكل عمليات التدجين والتدخل الفظ في الشؤون الداخلية العربية، ولإعلاء صوت الحق الوطني والقومي في ربوع الوطن الكبير من المحيط إلى الخليج، ولكسر منطق الاستسلام، والقبول بدفن الرأس في دائرة المحوطة السياسية والاقتصادية والثقافية لأصحاب المشاريع المعادية والمتناقضة مع المشروع القومي العربي النهضوي، ولبناء مداميك جديدة وراسخة في صرح النهضة المنتظر للخروج من نفق الأزمات العميقة، التي تخنق وتشل طموحات الأجيال الصاعدة من شباب الأمة.

في الذكرى العظيمة للثورة الناصرية لا يمكن للشعب الفلسطيني وقياداته السياسية بمختلف مشاربها الوطنية والقومية والديمقراطية إلا أن يستحضروا جميعا وقوف جمال عبد الناصر وقيادة ثورة يوليو الشجاعة مع كفاحهم الوطني التحرري، والدور الرائد لإنشاء وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، والدعم الثابت والراسخ لأهداف وطموحات الشعب والثورة الفلسطينية المعاصرة، كما لا ينسى الفلسطينيون ما بذله الزعيم الخالد عبدالناصر حتى اللحظات الأخيرة من حياته دفاعا عن حق الثورة الفلسطينية وشعبها البطل في الدفاع عن الأهداف الوطنية. وكان لرحيله التراجيدي في الـ28 من أيلول/ سبتمبر 1970 وهو يودع آخر الملوك والرؤساء العرب في أعقاب القمة الطارئة، التي دعا إليها في القاهرة لترميم الجسور بين القيادتين الفلسطينية والأردنية في أعقاب أحداث أيلول المؤلمة، أثر هام في حياة كل فلسطيني وعربي قومي، لا يمكن ان ينسى أو يمحى من الذاكرة. وما زال الشعب الفلسطيني يراهن على الشقيقة الكبرى، ودور قيادتها الريادي في استلهام دور ناصر العرب لإسقاط صفقة القرن الأميركية، ودفن عملية التطبيع المجانية مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، ووأد مشروع الإخوان المسلمين والإرهاب التكفيري والصفوي الفارسي في مصر وفلسطين وليبيا وسوريا والعراق وكل بلاد العرب.

كانت ثورة يوليو 1952، ثورة كل العرب، ولم تكن ثورة الشعب المصري فقط، ولهذا أحبوها، ووقفوا خلفها، وهتفوا لقائدها ومعلمها عبد الناصر، ولن ينسوه ابد الدهر. رغم معرفتهم جميعا بثغرات ونواقص وعيوب الثورة الرائدة. وميزوا بين الصورة المشرقة للثورة، وبين مثالبها وأخطائها، وباستحضار الذكرى الـ66 للثورة، يشعل الوطنيون والقوميون العرب من جديد قنديل الثورة العربية على واقع الحال البشع والمأساوي، ولرفع راية المشروع القومي العربي النهضوي.