انجاز فلسطيني آخر على نهج تطهير وحماية كل ما هو نبيل في العالم من فيروس فقدان المناعة الأخلاقية الذي عملت النخبة السياسية في دولة الاحتلال (إسرائيل) وسعت بكل ما لديها من قوة وتأثير ووسائل دعاية على نشره في المجتمعات الإنسانية وتكريسه كمرض لا يمكن علاجه، ومن يفعل فان غرفة الإعدام المعنوي جاهزة بتهمة معاداة السامية.

بين لحظة وأخرى قد يطل إسرائيلي لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمستطيل الأخضر (ملعب كرة القدم)، ليلصق تهمة معاداة السامية بالاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم بسبب قرار الاتحاد النبيل برفض لعب مباراة ودية بكرة القدم مع منتخب دولة الاحتلال في فلسطين المحتلة، حتى بعد الإشارات والتلميحات والتسريبات الإسرائيلية بنقل مكان المباراة من القدس المحتلة إلى حيفا. وكأن تغيير المكان كان سيغير قناعة اتحاد الكرة الأرجنتيني بأن منتخب دولة الاحتلال الإسرائيلي لا يلعب لأهداف سياسية، خاصة وأن المباراة تقام بمناسبة مرور سبعين عاما على نكبة الفلسطينيين وتهجير حوالي مليوني فلسطيني صاروا لاجئين في أقطار عربية ووصل بعضهم إلى أميركا اللاتينية حيث دولة الأرجنتين الصديقة.

ارتكز اتحاد كرة القدم الفلسطيني على قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وقوانين حقوق الإنسان في طلب إلغاء المباراة الذي تم تسليمه لسفير الأرجنتين لدى دولة فلسطين إيدواردو ليونيل، الذي نقل الرسالة الفلسطينية واتحاد كرة القدم، للاتحاد والحكومة الأرجنتينية بأمانة، كما قال رئيس الاتحاد الفلسطيني اللواء جبريل الرجوب في مؤتمر صحفي أمس الأربعاء في أكاديمية جوزيف بلاتر في رام الله. وبذلك يكون الفلسطينيون قد حققوا نقاط الفوز السياسي، بسبب مهاراتهم وحسن إدارتهم، واعتمادهم اللعب الفني والقانوني والأخلاقي النظيف، والتزامهم حرفيا بقوانين الفيفا، وبفضل إدارة استطاعت توفير كل أشكال الدعم الوطني والعربي والدولي والأرجنتيني وهو الأهم لمنطق وموقف اتحاد كرة القدم الفلسطيني، ما أفضى إلى انتصار وفوز المؤمنين بقيم الحرية والاستقلال والعدالة والسلام، وخروج نخبة إسرائيل السياسية والرياضية معها خاسرة.

يستطيع القادة العقلانيون، المتبصرون، المتسلحون بالمنطق الإنساني والقوانين الناظمة لعمل المؤسسات والاتحادات والمنظمات الدولية تحقيق انتصارات نوعية مميزة، يتجاوز تأثيرها الحيز الوطني الجغرافي، فتصل بأبهى صورها إلى كل مكان في الأرض يسكن فيه عاقل، وهنا نسجل اعتزازنا برئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني اللواء جبريل الرجوب (أبو رامي) الذي أثبت بالأدلة والبينات والنجاحات المتتالية جدوى التركيز على مسار الرياضة، وإبراز الشخصية الفلسطينية الحضارية والإنسانية من خلال مشاركة العالم في الدائرة الأعظم من حياة الإنسانية ويومياتها. وقد يكون مفيدا هنا التذكير برسالة أبو رامي لأعضاء الجمعية العمومية في الفيفا، ومواجهتهم بهذا المنطق والقول: "إن من يقبل تسييس الرياضة لا يستحق استضافة كأس العالم " فلم يملك الاتحاد الأرجنتيني ولاعبو المنتخب ومدربه إلا الاستجابة وأخذ قرار بإلغاء المباراة، بعد الاستناد إلى مواقف مؤسسات حقوق الإنسان، ولجنة التضامن الأرجنتينية مع الشعب الفلسطيني.

انتصر الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم لمبادئ اللعبة وأهدافها، وانتصر المنتخب الأرجنتيني وعلى رأسه الكابتن ليونيل ميسي لرسالة كرة القدم التي من أول أهدافها نشر ثقافة الحب والسلام بين الشعوب، فكان عين الصواب إلغاء مباراة مع (منتخب) دولة تحتل ارض الشعب الفلسطيني، وترتكب نخبها السياسية والعسكرية ومستوطنوها جرائم حرب وإرهاب وسياسات عنصرية ممنهجة.

فازت الأرجنتين لأنها رفضت مشاركة دولة الاحتلال في جريمة سوق النبلاء في عالم الرياضة والفنون والثقافة إلى ميدان حروبها وجرائمها ضد شعب فلسطين الذي كان من أوائل الشعوب في المنطقة التي أفرزت منتخبات وطنية ساهمت في رفعة ومكانة هذه لعبة كرة القدم العريقة.

فازت فلسطين التي تنافس شبابها على محبة ميسي المتألق دائما في عالم هذه اللعبة، أما وقد قدم وأهدى لمعجبيه ومحبيه الفلسطينيين وهم بالملايين، فإنهم يأملون تمسكه بأن يكون نصيرا ليس لهم وحسب، بل لكل مظلوم وضحية في العالم، ولن ينسى الفلسطينيون عموما الجرحى والمبتورة أطرافهم السفلية بفعل رصاص جنود جيش الاحتلال خصوصا، وعشاق كرة القدم، والمعجبون بمنتخب الأرجنتين وقائده ميسي الميدالية الذهبية التي قدمها منتخب الأرجنتين لشباب فلسطين.