كثيرون يحاولون لي عنق الحقيقة، ويدعون ان الرياضة بعيدة عن السياسة، ولا يوجد بينهما علاقة، ولكن الواقع دائما يكون أعمق من المقولات النظرية المجردة. حيث تؤكد الوقائع ان الرياضة والسياسة متداخلتان عضويا، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، وهذا لا يعني انه لا يوجد استقلالية نسبية للرياضة عن السياسة. ولكن إذا حاول الرياضيون تجاوز السياسة في لحظات سياسية معينة في بلدانهم، فإنهم يسقطون في سوء وسلبية حساباتهم. وبالتالي العلاقة الجدلية بين الرياضة والسياسة، هي علاقة عميقة، وليست علاقات استثنائية، إنما هي علاقات طبيعية ومشروعة، وتنسجم مع واقع الحال.

وما يؤكد الحقيقة أنفة الذكر، استجابة اتحاد الكرة الأرجنتيني للضغوط الرياضية والشعبية الفلسطينية والأرجنتينية والأميركية اللاتينية لإلغاء المباراة الودية مع الفريق الإسرائيلي في القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية المحتلة. وتدخل الرئيس الأرجنتيني نفسه مع اتحاد كرة القدم لبلاده، لعدم إقامة المباراة بعد ان تدخلت وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ريغف وأصرت على نقل مكان إقامة المباراة من حيفا إلى القدس المحتلة، في محاولة منها للربط بين ذكرى نكبة الشعب العربي الفلسطيني السبعين، وذكرى احتلال العاصمة الفلسطينية الـ51 وبين المباراة الودية، التي كان سيقودها النجم الكروي العالمي، ليونيل ميسي وفريقه. الأمر الذي أثار ردود فعل فلسطينية وعربية وأرجنتينية وأميركية لاتينية ضد المباراة.

هذا ولعب اتحاد الكرة الفلسطيني والاتحاد الفلسطيني في أميركا الجنوبية دورا هاما في تحشيد وتوسيع عملية المقاطعة لفكرة المباراة، وقد توجهت مظاهرة شعبية إلى ملعب الفريق الأرجنتيني، وهي تلبس لباس الفريق الرياضي والدماء تنزف منه. الأمر الذي دفع النجم ليونيل ميسي، وخافيير ماسشيرانو والمدرب خورخي سامبولي للضغط لإلغاء المبارة. ولكن الفضل الأول كان لرئيس الأرجنتين، ماوريسيو ماكري، الذي توجه لرئيس اتحاد كرة القدم لعدم إقامة المباراة، وفي ذات الوقت، رفض الاستجابة لمكالمات نتنياهو في المرتين، اللتين اتصل بهما معه، وقال له: هذا أمر لا أتدخل فيه، وهناك قرار من اتحاد كرة القدم.

ونتاج ذلك دخلت الساحة السياسية والرياضية الإسرائيلية في حيص بيص، ومحاولة إلقاء التهم على بعضهم البعض، وتحديدا تحميل الوزيرة المستعمرة ريغف والحكومة المسؤولية عما آلت إليه الأمور، وهذا ما دونه أحد أقطاب المعارضة، لبيد في تغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما هاجم الحكومة، واعتبر أن عملها تشوبه الفوضى والتشويش والاستعراض الساذج لوزيرة الثقافة ريغف، وإقرار الجميع في دولة الاستعمار الإسرائيلية بالهزيمة في معركة ثانوية على الساحة الرياضية، رغم أنهم حاولوا استقطاب الفريق الأرجنتيني بالمغريات، ودفع مليون دولار مقدما، لكنهم هزموا هزيمة نكراء بإصرار الفريق الأرجنتيني على إلغاء المباراة.

هنا نلحظ بقوة ومن دون تزويق أن الرياضة والسياسة تلازمتا، وتعامدتا وانتصرتا لصالح السلام والحرية، ورفضتا الانصياع أو التساوق مع قادة دولة الاستعمار الإسرائيلية. وهو ما يعني انتصارا واضحا لصالح القيادة والسياسة الفلسطينية، وانتصارا للعدالة الإنسانية.

وشكرا للأرجنتين رئيسا وحكومة وشعبا وفريقا رياضيا، شكرا لميسي وماسشيرانو وخورخي سامباولي، ولكل من وقف في اميركا الجنوبية إلى جانب السلام والعدالة والحق الوطني الفلسطيني. وسيبقى درس هذه المباراة علامة فارقة في الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعبرة لمن يريد أن يعتبر من الإسرائيليين والأميركيين، ليدركوا أن الاستعمار طريقه مسدود، مهما تزنروا بأسلحة الموت الشامل، ومهما حاولوا التضليل والخداع واستخدام الإغراءات، وطريق السلام والعدالة السياسية النسبية مفتوح دوما.