سيسجل المؤرخون يوم الرابع عشر من ايار من هذا العام 2018 تاريخاً لابتداء الولايات المتحدة الأميركية غزو واحتلال فلسطين، ليس عبر الدعم العسكري والمالي اللامحدود لاسرائيل وإنما بالوجود المباشر، فنحن نعتبر سفارة البيت الأبيض في القدس المحتلة قاعدة عسكرية، ومثلها أي سفارة لأي دولة قد تنقل إلى أرض عاصمة فلسطين التاريخية الأبدية ما دامت محتلة، وما لم تعد حرة وبسيادة قانون ودستور الشعب الفلسطيني عليها.
سيكمل يوم الرابع عشر من أيار العام السّبعين لنكبة الفلسطينيين في الخامس عشر من أيار في العام 1948 عندما استكملت القوى الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا العظمى حينها مؤامرة إنشاء دولة إسرائيل، وتهجير حوالي مليوني فلسطيني إلى الدول العربية بعد سلسلة مجازر منظمة وممنهجة بدأت مع نشأة المنظمات اليهودية كالهاغاناة وشتيرن، وما زالت مستمرة حتى اليوم، ولكن تحت مسميات رسمية كجيش الدفاع الاسرائيلي، الشاباك، الموساد، وكل تلك الأجهزة التي احترفت جريمة الحرب، وتصدرت القائمة العالمية للارهاب.
ليست مشكلتنا مع الشعب الأميركي، وإنما مع الرئيس دونالد ترامب، وإدارته الجديدة، التي حولت الولايات المتحدة الأميركية إلى دولة خارجة على الشرعية الدولية وشريكة عملية في (الاحتلال الاستعماري الاسرائيلي) فهبطت حسب معيار الفكر السياسي الإنساني مكانتها من دولة عظمى كان ممكنا ان تكون راعية لعملية سلام تحل أعقد قضية في العالم، إلى دولة يبدو رئيس إدارتها ترامب الجانح نحو الحروب والصراعات الدموية كراع لمنظومة دولة ليس في سجلها القصير والقصير جدا قياسا إلى اعمار الدول العريقة إلا صور الارهاب والاستعمار والنكبات والمجازر والحروب والاعدامات الميدانية، وتهجير المواطنين الفلسطينيين من ارض وطنهم التاريخي والطبيعي فلسطين.
تحتل الولايات المتحدة الأميركية قرارات عواصم تكاد لا ترى على خارطة العالم، رغم مساحة وخيرات بعضها الكبيرة والكثيرة، وتفرض وجوداً عسكرياً هنا وهناك، وهنالك (قواعد عسكرية) تحت مسمى اتفاقيات ومعاهدات، وتستطيع عبر برنامج تخويف من (اعداء مفترضين) التأثير على أدمغة صناع القرار في هذه العواصم، لتتمكن من الاستمرار في منهجها الاستعماري المضاد لطموحات الأمة العربية عموماً والشعب الفلسطيني المناضل من اجل الحرية والاستقلال بدولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967.
احتل (الجيش الاسرائيلي) وقادته واركانه المستخدمون في المشاريع الاستعمارية الكبرى القدس قبل حوالي واحد وخمسين عاما في اليوم الثاني من حرب الخامس من حزيران في العام 1967، فالاحتلال ليس جديدا عليها، لكن دولة واحدة لم تعترف بادنى حق لدولة الاحتلال اسرائيل في حجرة واحدة من مبانيها واسوارها، كما لم تعترف لـ (لصوص) الأرض والتراث والتاريخ بأي سند او ملكية، فالعالم مقتنع وما زال بأن بيناتهم ووثائقهم مزورة، لأن المؤمنين في العالم، ومعهم المؤرخون، والأمناء على كتب التاريخ، والمثقفون، والأحرار، واتباع عقيدة الحقوق الانسانية يعرفون تاريخ القدس كما نعرفه نحن أصحابها وأهلها.. وهذا ما يدعونا للتفاؤل بأن نضالنا الميداني الشعبي السلمي، والقانوني في المحافل الدولية، سيثمر حتى ولو بعد حين، فالأهم بالنسبة لنا ألا يمر يوم من حياتنا بدون عمل ما، من اجل المدينة المقدسة.
لن يشعر وطني فلسطيني، وعربي مؤمن بأمن وسلام، ولا بحياة عزيزة كريمة وحرة ما دامت القدس محتلة، فكيف وقد بات الاحتلال مزدوجا؟!