تحقيق  عدي غزاوي/ خاص مجلة "القدس" العدد 342 تشرين الاول 2017

على مرِّ التاريخ، لم تقتصر المقاومة ضدَّ الاستعمار والاحتلال ونظام الفصل العنصري يوماً على شكل واحد، وإنَّما كانت دائماً متعدِّدة الأشكال والأساليب، ومن بينها صنوف المقاومة الشعبية ووسائل كسب التأييد الدولي. وفي هذا التقرير تُسلِّط "القدس" الضوء على أشكالٍ من المقاومة السّلمية، بأوجهها الحقوقيّة والقانونيّة والسياسيّة والشعبيّة، استطاعت فرضَ وجود فلسطين وعدالة قضيَّتها في الساحة الدولية، وتعرية جرائم الاحتلال الإسرائيلي، عبر استهداف شعوب العالم وأنظمته وحكوماته، رغم كلِّ المحاولات الإسرائيلية الهادفة لإفشال هذه الجهود.


(BDS) نداءٌ لعزل "إسرائيل"
تُعَدُّ المقاطعة إحدى أبرز الأساليب النضالية السِّلمية في وجه الاحتلال، وفي هذا المجال يبرز الدور الفاعل لحركة "مقاطعة (إسرائيل) وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" (BDS)، وهي حركةٌ فلسطينيةٌ ذات امتداد عالمي، أَطلَقَت النداء الداعي لها الغالبية الساحقة في المجتمع الفلسطيني، من أحزاب ونقابات وهيئات واتحادات وحملات شعبية، في 9/7/2005، امتداداً لتاريخ الشعب الفلسطيني الحافل بالمقاومة الشعبية، ومن ضمنها تجارب المقاطعة، خاصّةً في الانتفاضة الأولى، وتأثُّراً بتجارب النضال في جنوب إفريقيا وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة ضد الاضطهاد، بحسب العضو المؤسِّس فيها والناشط في حقوق الإنسان عمر البرغوثي.
وحول أهداف حركة (BDS) يقول البرغوثي: "يدعو نداؤنا العالم إلى عزل دولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري (الأبارتهايد) في شتى المجالات، الأكاديمية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، حتى تنصاع للقانون الدولي وتلبي ثلاثة شروط تُشكِّل الحد الأدنى المطلوب لكي يمارس الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات حقَّه غير القابل للتصرُّف في تقرير المصير بحسب القانون الدولي، وهي: إنهاء احتلال جميع الأراضي العربية التي احتُلَّت في العام 1967، بما في ذلك إزالة المستعمرات والجدار؛ وإنهاء نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) القائم في أراضي العام 1948 ضدَّ الجزء من شعبنا الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية؛ وعودة اللاجئين إلى ديارهم الأصليّة التي شُرِّدوا منها، وهو حقٌّ طبيعي كفله القانون الدولي".
وحول طبيعة وآلية عملها يقول: "حركة (BDS)، ليست حزباً سياسياً ولا حركة إيديولوجية، إنَّما هي حركة حقوق إنسان عالمية ذات قيادة ومرجعية فلسطينية. وهي تعتمدُ على الجهود الطَّوعية والمبدِعة للأفراد والمؤسسات المؤيِّدة لحقوق الإنسان وإعلاء شأن القانون الدولي. واللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة "إسرائيل"، وهي أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني يضمُّ كلَّ الطيف السياسي الفلسطيني والأُطُر النقابية والشعبية، تقود حركة (BDS)، حيثُ تضع معاييرها وتُنسِّق مع الشركاء والحلفاء حول العالم لحملات مقاطعة أو سحب استثمارات عينية. وهناك عددٌ من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التي تعمل في نفس الاتجاه بشكل مستقل، ممَّا يرفد عمل حركة المقاطعة. أيضًا لدينا حلفاء إسرائيليون من القوى المعادية للصهيونية والمتفقة على نداء المقاطعة بأكمله، ورغم قلَّة عددهم إلّا أنَّ تأثيرهم كبير ومهم في الحركة العالمية للمقاطعة، ونعتزُّ بدورهم".
ويُضيف: "جميع حلفائنا حول العالم يتبنون الحقوق الثلاثة المنصوص عليها في نداء المقاطعة، ولكن بالنسبة للتكتيكات المستخدمَة، فهي تجري وِفْقًا لمبدأ  (الحساسية للسياق)، أي أنَّ نشطاء المقاطعة في كلِّ موقع هُم مَن يقرّر بشكل لا مركزي الشركة المستهدفة أو الإجراء والتكتيك والسياق المناسب للوصول للأهداف المحليّة. فمعظم حلفائنا في الغرب مثلاً، يستهدفون الشركات المتورطة في انتهاكات "إسرائيل" للقانون الدولي في الأراضي المحتلة عام 1967 فقط، ولكن بعضهم تجاوز ذلك مُتبنِّيًا المقاطعة الشاملة لـ"إسرائيل" ومؤسساتها المتواطئة. والبعض يقرِّر مثلاً مقاطعة الجامعات الإسرائيلية، كما فعلت أربع جمعيات أكاديمية في الولايات المتحدة في 2013، أو مقاطعة شركة بعينها فقط لتورطها في المستعمرات المقامة في الأراضي المحتلة عام 1967، وغير ذلك".
وحول رد الفعل الإسرائيلي، والصعوبات التي تواجهها الحركة يقول: "في ذروة قوتها الاقتصادية والعسكرية، وبالذات النووية، ورغم فرض هيمنتها على دوائر صنع القرار الأمريكي فيما يتعلَّق بالمنطقة العربية وجوارها ككل، فإنَّ "إسرائيل" تشعر اليوم بالتهديد من حركة (BDS) كركيزة رئيسة من ركائز النضال الشعبي والمدني، تستند إلى القانون الدولي وتستمدُّ مبادئها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن الطبيعي أن نواجه ضمن نطاق عملنا العديد من الصعوبات. فالتطبيعُ العربيُّ، بل وأحيانًا الفلسطيني، مع "إسرائيل"، ككيان احتلاليّ استعماريّ عنصريّ، ومع مؤسساتِها وممثِّليها، يعدُّ من عناصرِ الإستراتيجية الإسرائيلية والصهيونية الساعية لاستعمارِ عقولِنا، بعد النجاحِ في استعمارِ أرضِنا، ولمحاربة حركة (BDS) بشعار: "لا تكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم". ولا تكتفي "إسرائيل" بسلاح التطبيع، بل تشن أيضًا منذ 2014 حرباً استخباراتيّة وقانونية ودعائية هائلة ضدَّنا في فلسطين وحول العالم، في محاولة يائسة لتجريم الحركة ونزع الشرعية عنها من أعلى، بعد أن فشلت في محاربتها من أسفل، أي على الصعيد الشعبي. وفي هذا السياق، نُظّم في القدس المحتلة في آذار 2016 مؤتمر ضخم لمحاربة الـ(BDS)، حذّر فيه رئيس تحرير جريدة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية من تصاعد قوة حركة المقاطعة، وأعرب عن خِشيتِه من أن تصبح "إسرائيل" بعد 5 أو 10 سنوات شبهَ معزولةٍ أو منبوذةٍ، كجنوب أفريقيا زمن الأبارتهايد. وفي نفس المؤتمر، وتعبيراً عن اليأس والفشل، دعا وزيرَ الاستخبارات، يسرائيل كاتس، الحكومة الإسرائيلية، وبمساعدة أجهزة الاستخبارات، إلى "الاغتيال المدني" لقادة الحركة. وقد خصَّصت "إسرائيل" عام 2016 موارد مالية ضخمة، ووظَّفت أجهزتها الاستخباراتيّة وآلتها الإعلامية وكوادر وزارتي الشؤون الإستراتيجية والخارجية في محاولة يائسة لضرب حركة المقاطعة وأعضائها عبر عمليات التخريب الإلكتروني، وتشويه السمعة، والحرب القانونية، إلى جانب توظيف نفوذها الهائل في الكونغرس الأمريكي ولدى المشرّعين في برلمانات الولايات وفي حكومات فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وغيرها لقمع حركتنا، بعد فشلها في الحد من انتشار المقاطعة على المستوى الشعبي في الغرب وفي أمريكا اللاتينية، والوطن العربي، وجنوب إفريقيا، وأجزاء من آسيا. ولكن  حركة (BDS) نجحت خلال العامَين الماضيين في كسب الدعم للحق في المقاطعة من الاتحاد الأوروبي وحكومات السويد وإيرلندا وهولندا، وبرلمانات سويسرا وإسبانيا، وكذلك من "منظمة العفو الدولية" و"الاشتراكية الدولية" ومئات الأحزاب، والنقابات العمالية، ومنظمات المجتمع المدني في أوروبا".
ويختم البرغوثي حديثه قائلاً: "من أهم إنجازات الحركة توحيد الكلِّ الفلسطيني على أجندة وطنية بامتياز تصرّ على الحقوق غير المنقوصة في الوطن والشتات. يقول غاندي، "في البدء يتجاهلونك، ثُمَّ يسخرون منك، ثُمَّ يحاربونك، ثُمَّ تنتصر". نحن في مرحلة "يحاربونك"، وبتنا نرى بوادرَ نصرٍ هنا وهناك".

دور "فتح" في كسب التأييد العالمي للقضية الفلسطينية
أحدُ أشكالِ مقارعة الاحتلال الإسرائيلي هو العمل السياسي الدبلوماسي الفاعل، والذي تنشط فيه حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، إذ تقوم منذ خمسينات القرن الماضي ببناء العلاقات وانتهاج التكتيكات السياسية والدبلوماسية لتعرية جرائم الاحتلال الإسرائيلي وكشف زيف روايته، ولا سيما عبر مفوضية العلاقات الدولية. وفي هذا السياق يقول مسؤول مفوضية العلاقات الدولية لحركة "فتح" في أوروبا فرج زيود: "مفوضية العلاقات الدولية هي ذراعٌ فاعلٌ من أذرع حركة "فتح" التي تهتم بسياسة وعلاقات الحركة الخارجية، وتُمثِّل عبر مهمّتها وزارة خارجية الحركة، التي تنسج علاقاتها مع الأحزاب والمؤسسات الحزبية الدولية، إقليميةً كانت أم عالمية، ومع الكتل البرلمانية، ومنظَّمات المجتمع المدني، ولجان التضامن، والاتحادات، والنقابات، وأصدقاء فلسطين، وغيرها من الشرائح، تحت شعار أساسي لا نتخلّى عنه هو الوحدة الوطنية، وبناءً لركيزة نضالية أساسية هي تحرير فلسطين وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس".
ويردف: "في القرن الحادي والعشرين اختلفت النُّظُم السياسية من طرق وأشكال الحكم عمَّا كانت عليه بداية القرن العشرين، فلم تعد توجد دكتاتوريات وأنظمة أفراد، وتغيَّرت الأنظمة الملَكية إلى أنظمة ديمقراطية، وبالتالي باتت الأحزاب هي التي تحكم العالم، ومن هنا تنبع أهمية العمل السياسي. لذا نحرص على إنشاء العلاقات المتينة مع الأحزاب والجهات السياسية المختلفة لأنَّها بوابتنا لتوطيد علاقاتنا مع الدول وكسب تأييدها للقضية الفلسطينية، وهذا سينعكس أيضًا على مستوى الحكومات ووزارات الخارجية، وذلك يتبيَّن من خلال دعم أصدقائنا لنا في المحافل الدولية والقضايا المصيرية. ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّنا في حركة "فتح" ننتقي علاقاتنا بحرص، ونرفض التعامل مع أيِّ حزب يميني متطرِّف سواء أكان على المستوى الإقليمي أو الدولي، ومن خلال أصدقائنا في البرلمانات نعمل على تخفيف حِدَّة المعارضة اليمينية لقضيتنا وتحالفهم مع "إسرائيل". أيضًا، نحن لا نتعامل مع الحركات والدول حسب أهميّتها في العالم، وإنَّما نُرتِّب أولويّاتنا حسب الأهمية والضرورة لتحقيق إنجاز ما على أرض الواقع في موضوع لحظي أو له علاقة بالإستراتيجية الفلسطينية المتبنّاة من حركة "فتح"، ونحن الآن نتوسَّع أُفُقيًّا وعموديًّا".
ويُضيف مُفصِّلاً: "التوسُّع الأُفقي، هو المرتبط بعضوية حركة "فتح" في المنظمات الحزبية الدولية، فعلى سبيل المثال حصلت "فتح" في العام 2011 على عضوية كاملة في الحركة الاشتراكية الدولية، وكانت منذُ السبعينات عضوًا بصفة مراقب، مع الإشارة إلى أنَّنا كـ"فتح" لا نتبنَّى إيديولوجيات هذه الأحزاب، ولكن قربنا من الاشتراكية وغيرها من أحزاب يسار الوسط، يعود للتوافق بيننا في العديد من القضايا، وقد شكَّلت هذه الأحزاب إطارًا سياسيًّا داعمًا لنا، إذ ساعدتنا في نشر القضية الفلسطينية على المستوى السياسي والشعبي في بلادهم ليُقدِّموا الدعم لنا من أوطانهم، وفي الساحات الدولية، وأيضًا لدينا علاقات جديدة مع الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي، وهناك اتفاقيات دعم بيننا وبينهم، وهي تُموِّل جزءًا من حراكنا الدولي ومشاركاتنا في المؤتمرات. وقد بدأنا في استقطاب متدرِّبين ضمن معايير سياسية وتنظيمية معيّنة لتدريبهم في برلمانات دول كبريطانيا وإيطاليا والنرويج وغيرها حول المفاهيم السياسية والبرلمانية، ثُمَّ فرز كلٍّ منهم في مكانه المناسب له ضمن الحركة أو مؤسسات الدولة الفلسطينية تبعًا لتخصُّصه، ليؤدوا واجبهم وطنيًّا. كذلك حصلنا على عضوية التحالف التقدمي العالمي، والذي يشمل كلَّ الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية والعمّالية والتقدُّمية في العالم.
أمَّا الانتشار العمودي للحركة، فمتعلِّق بالانجازات التي تمكَّنا من تحقيقها وتعزيزها من أجل قضيّتنا نتيجة انتشارنا وتوسُّعنا في العالم، وهي إنجازات واضحة وملموسة بحسب تقارير مفوضية العلاقات الدولية، وهنا لا بدَّ من الإشارة للتعاون والتكامل ما بين مفوضية العلاقات الخارجية للحركة ومفوضية التعبئة في الأقاليم الخارجية في مختلَف أنحاء العالم، لأنَّ لدينا جيشًا يبلغ تعداده مئات الآلاف، وأعني بذلك جاليتنا الفلسطينية في الخارج، وهناك الآلاف من أبناء الحركة في هذه الدول الذين يعملون على مساعدتنا أيضًا، واستطعنا في بعض الدول أن نكون أعضاء في لجان أقاليمها معترفًا بنا كحركة "فتح" من قِبَل الأحزاب السياسية في تلك الدول، ووظيفة لجان الأقاليم لحركة "فتح" أن تكون حلقة وصل بيننا وبين الأحزاب السياسية، وتعمل على تفعيل أُطُر الصداقة والاتصال بيننا وبين تلك الدول، ومتابعة أي مسألة تتعلَّق بالقضية الفلسطينية في البلد المقيمين فيها، وحشد الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية".
وحول التكتيكات التي يتم انتهاجها والصعوبات التي تعترض العمل السياسي الخارجي يقول: "نسعى قدر الإمكان للحفاظ على الإنجازات التي نحقِّقها، فنُبقي عملنا بعيدًا عن الإعلام حتى بعد تحقق الإنجاز، لئلا تعمد مجموعات الضغط "اللوبي" الصهيونية لإفشال الإنجاز أو تشويه صورتنا أمام العالم. لذا لدينا أعضاء ومتطوعون يعملون على مدار الساعة في مختلف أنحاء العالم للحد من انتشار الرواية الصهيونية الكاذبة، وتعميم روايتنا التي تؤكِّد أنَّنا على حق. كما نعمل على تحجيم مشاركة الصهاينة الدولية في المؤتمرات وتغلغلهم في المنظمات الدولية نتيجة لغيابنا عنها لأسباب كثيرة، وفي الوقت ذاته، نبدأ نحن تحركات تكتيكية عبر تنظيم فعاليات معيّنة في بعض الدول ليقوموا بالرد، ثُمَّ يتم كشف تشويههم للحقائق إعلاميًّا واجتماعيًّا. بالطبع تاريخيًّا، هناك مجموعات ضمن الأحزاب في أوروبا تُطلِق على نفسها أصدقاء "إسرائيل" وتعمل لصالحها، وأخرى تعمل لمصلحة "إسرائيل" أيضًا لكن بصورة غير معلَنة، بيدَ أنَّه في المقابل، هناك مجموعات مضادة وأكثر نشاطًا تدعمنا لأنَّها مُتسلِّحة بالحق وبالقانون الدولي، وهي تُمثِّلنا في الأحزاب الاشتراكية الأوروبية كأصدقاء لفلسطين، ولها مثيلات في البرلمانات. ففي كلِّ عام نستقبل عشرات الوفود من لجان التضامن والدعم لفلسطين بشكل دوري، كما هو الحال بالنسبة للجان الداعمة لـ"إسرائيل"، ولكنَّنا عبر تجربتنا وجدنا أنَّ الكثير من اللجان التي عُبِّئت ضد القضية الفلسطينية من قِبَل "إسرائيل" وفهمت الصراع على أنَّه ديني لا سياسي، عادت وانقلبَت على "إسرائيل" لأنَّها وجدت أنَّها تعرَّضت للخداع، ومنها من انضمَّ إلينا".

دور "فتح" في أوروبا، الدنمارك نموذجًا
تقوم حركة "فتح" بجهود أبنائها وأقاليمها بنشر الوعي والمعرفة حول القضية الفلسطينية وزيادة عدد مناصريها، في مختلف الساحات الدولية، ومنها الدنمارك، والتي باتت لديها قناعةٌ بفضل العمل الدبلوماسي والسياسي لقيادتنا الفلسطينية، بأنَّ شعبنا ظُلِمَ تاريخيَّا، ويستحق دولةً، بحسب حديث أمين سر حركة "فتح" في الدنمارك وليد ظاهر لمجلّة "القدس".
وعن دور الكوادر الفتحاوية في الدنمارك يقول: "أحد أهم جوانب العمل السياسي هو التأثير على الرأي العام، والتواصل مع الإنسان العادي ومحاولة التأثير فيه، ومن هنا نعمل في الدنمارك على تكثيف التحرُّكات والفعاليات الشعبية ومن ضمنها حملات المقاطعة وتنظيم الندوات والمحاضرات الثقافية، إضافةً إلى تنظيم المسيرات والمظاهرات خلال الأحداث الساخنة. فخلال العدوان على غزة مثلاً، نفَّذنا عملية محاكاة بين الشبان والشابات في أحد شوارع المشي حيثُ يكون تجمُّع كبير للدنماركيين، ووضعنا عَلم فلسطين، لحثِّ المارّة على الاستفسار حول ما يجري، وشرح القضية لهم. كما نفَّذنا حملةً على مستوى الدنمارك عبر تخصيص حافلةٍ في داخلها صُوُر وفيديوهات وكُتَيِّبات "بروشورات" متعلّقة بالقضية الفلسطينية تجول في الطرقات وتقف في أكثر من محطة وخاصةً في المدن الكبيرة ليوم كاملٍ في آخر شارع المشي، حيثُ كنا نتحدَّث إلى المارَّة فيدخلون إلى الحافلة لنعرض عليهم الصُّور والأفلام، ونحن نقوم بهذه الأنشطة منذُ أكثر من سنتين. وعلى مدار شهر كانون الأول المقبل، سنُجري حملةً للتوعية حول القضية الفلسطينية، عبر توزيع كُتيِّبات عن الوقائع والأحداث على المارَّة، إضافةً لحملةٍ بمناسبة "الميلاد المجيد"، حول مقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية ولفت نظرهم لضرورة عدم وضع أية بضائع للمستوطنات على طاولات الاحتفال الخاصّة عبر التفسير لهم بأنَّ شراء هذه البضائع يدعم إسرائيل لقتل الفلسطينيين. وبالطبع نُحيي المناسبات الوطنية، ونحرص على التواصل وتنظيم الفعاليات المشتركة مع الجالية الفلسطينية البالغ عددها نحو 35,000 فلسطيني".
ويُضيف: "من جهة أخرى، نتواصل وننسِّق مع الأحزاب الدنماركية لتفعيل مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويجري حوارٌ حول هذا الأمر في البرلمان الدنماركي. وفي الشهر القادم يصادف يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، حيثُ سنُنظِّم داخل قبّة البرلمان الدنماركي ندوةً حول الشعب الفلسطيني بمشاركة "حزب الخضر" و"حزب الحمر" و"حزب القائمة الموحّدة. كما عقدنا منذُ نحو 3 سنوات شراكات وعمليات تشبيك مهمّة، وزيارات متبادَلة ما بين الوطن والدنمارك، فقد أخذنا وفودًا إلى الوطن تضمُّ أحزاب مختلفة من المجلس البلدي (الاشتراكي، والاشتراكي الديمقراطي، والشعبي الاشتراكي، والقائمة الموحّدة، وحزب راديكال اليسار)، إضافةً لزيارة من قِبَل المؤسسات التعليمية والشبابية والموسيقية الدنماركية للوطن، لأنَّنا بصدد تنفيذ عمل ثقافي تعاوني بين رام الله ومدينة أوغس التي تُعدُّ العاصمة الثقافية للدنمارك، وكانت نتيجة الزيارة أن أدخلت الدنمارك تخصُّصًا تربويًّا جديد ضمن معهد تخريج المربّين لديها شبيه بالمرشد الاجتماعي، يتضمَّن مادةً ثابتة تقوم على إجراء تدريب وزيارة لفلسطين لمدة أسبوعين يقوم الطالب خلالها بالتواصل مع الناس وزيارة الحضانات وكتابة بحث حول الموضوع، أيضًا هناك أشكال أخرى من التعاون والتبادل الثقافي والفني والشبابي بما فيها زيارة معهد إدوارد سعيد للدنمارك، وإحياء الفنان محمد عسّاف حفلاً هنا، وزيارات وفعاليات وخبرات متبادلة بين الكشّافة الذين ينتمون لأصول فلسطينية وسرية رام الله، ونادي السيرك، وتكمن أهمية هذه الزيارات المتبادلة في أنَّ المشاركين فيها، وتحديدًا الطلاب، يقومون بعد عودتهم من فلسطين بالضغط داخل الجامعات والمؤسسات لمقاطعة أي شراكة في المجال الاقتصادي أو التربوي أو الأمني والعسكري مع شركات متواطئة مع الاحتلال ومتورّطة بشكل من الأشكال بتعذيب الفلسطينيين وبالاستيطان، مثل شركة الـ(GS4) الأمنية، وقد تضرَّرت شركات كثيرة جرّاء ذلك، فتراجعت عن عقود وأكَّدت أنَّها ستوقف عملها داخل المستوطنات".
ويُردف: "بالطبع تعي "إسرائيل" حجم الضرر الذي يُسبِّبه لها هذا الحراك عبر كشف جرائمها وتعرية زيفها، فهم يريدون ارتكاب جرائمهم في الظلام، وحين نُسلِّط نحن الضوء على أفعالهم يقف الشارع العام في صفنا. فعلى سبيل المثال، حين أوفدوا السفير الإسرائيلي كارلي جيرون إلى الدنمارك، وهو متَّهم بممارسة التعذيب ضد الفلسطينيين في  المعتقلات، أثرنا الموضوع عبر مظاهرة مركزيّة رافضة لوجوده حظيت بدعم دنماركي شعبي وحزبي، فالشعب الدنماركي مسالم بطبيعته ويرفض الأفعال الإجرامية الإسرائيلية".
وحول الصعوبات التي تعترض الحراك الفلسطيني في الدنمارك يقول ظاهر: "رغم تأييدها لعدالة قضيَّتنا وحقوقنا، إلّا أنَّ بعض قيادات الأحزاب الاشتراكية تميل إلى اليمين، فعندما طُرِحَت مسألة الاعتراف بدولة فلسطين تردَّدت بعضُ قيادات الحزب الاشتراكي رغم موافقة الشبيبة وآخرين من القادة. أمَّا الأحزاب الجديدة، وهي ذات ائتلاف يميني، فهي من مؤيِّدي "إسرائيل" وتعمد للتبرير الدائم لأفعالهم، حتى أنَّ كُثُرًا من قادتها يتواصلون مع أقطاب اليمين الإسرائيلي المتطرّف. وبالنسبة للتنسيق مع الحكومة لدفعها لاتخاذ قرار فهذا أمر يحتاج وقتًا وعملاً متراكمًا لأنَّهم بطيئون في اتِّخاذ القرارات. أمَّا سياستهم الخارجية، فهي أقرب للموقف البريطاني، رغم أنّها تتبنّى الموقف الأوروبي بحكم قلّة نفوذها ولئلا تتحمَّل مسؤولية القرارات وحدها، ولكنَّ أهميَّتها تعود لموقعها الجغرافي كونها أول دولة في الاتحاد الأوروبي والمدخَل للأوروبيين إلى اسكندنافيا".
ويشير ظاهر إلى تعمُّد "إسرائيل" السيطرة على الإعلام عبر المال، موضحًا: "بالتعاون مع منظمات شعبية وأحزاب دنماركية وضعنا لافتات كبيرة على حافلات كجزء من حملة لدعم الاعتراف بدولة فلسطين، ولكن السفارة الإسرائيلية اعترضت، وعرضت مبلغًا أكبر على شركة الحافلات لتوقف عرض الإعلان، علمًا أنَّ معظم الجرائد والإعلام الموجود هنا يُعدُّ تحت سيطرة اليمين الدنماركي والجهات المواليّة لإسرائيل".
ويختم بالقول: "سابقًا كنا نحتاج أن نشرح كثيرًا للناس في الدنمارك عن قضيَّتنا، أمَّا الآن فهم متضامنون أكثر معنا حول ضرورة إيجاد حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية، فخلال العدوان على غزة فوجئت "إسرائيل" بتأييد الشارع الدنماركي لفلسطين في حين كانت تعتبر الدنمارك حليفةً لها، وهذا أحد تأثيرات وجودنا وحراكنا في الدنمارك، لا سيما أنَّنا نحاول دائمًا إبراز الجانب الإنساني من القضية الفلسطينية، إضافةً إلى أنَّ التدفق الفلسطيني خلال أحداث الانتفاضة الأولى إلى الدنمارك كان له تأثير كبير في تغيير الصورة التي كانت تروجها "إسرائيل" عن كوننا شعبًا دمويًّا عنيفًا، وأصبحت الرواية الفلسطينية أكثر حضورًا ومصداقيةً لديهم، لا سيما أنَّ القيادة الفلسطينية أدَّت جهودًا جبّارة على المستوى الدولي في ترسيخ حضور الرواية الفلسطينية، وإكسابها مزيدًا من المصداقية والإقناع. صحيح أنَّ بعض الجوانب التي نعمل عليها لم تتحقّق بعد، كالقضية التي رفعناها عبر الجاليات الفلسطينية في أوروبا لوقف تعامل بعض الدول الأوروبية مع المستوطنات والتي تعدُّ محرّمةً دوليًّا، لكنَّنا سنواصل عملنا لإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة وكسب مزيد من التأييد الشعبي والحزبي والدولي".