التقدم الحكومي لقوات المالكي باتجاه تكريت تأتي في وقت استطاع فيه رئيس الوزراء المنتهية ولايته أن يستخدم جميع أوراقه لدحر القوات المناوئة أو المنتفضة عليه من تنظيمات المحافظات الستة ومنها تنظيم (خليفة المسلمين أبو بكر البغدادي)، وهو ان استطاع تحشيد العديد من تيارات الشيعة والعوام مستعينا بعصابات الارهاب التابعة له التي ترتكب المجازر كما هو الحال مع (داعش – الخلافة) فإنه استغل فتوى المرجعية بالجهاد الكفائي لمصلحته الحزبية الضيقة مضحيا بكركوك التي يغض الطرف عنها اليوم ما يجعل من مطالب الأكراد بالانفصال أكثر قوة ووضوحا.

استطاع نوري المالكي أن يكسب الدعم الديني -السياسي الايراني، وعبر قوات اسناد لا تخطئها العين ،كما هو الحال مع الدعم الامريكي بالخبراء، ليلتقي الطرفان (العدوان/الصديقان) على أرض العراق في دعم متوافق على ذات المكان.

 يقف منتفضو المحافظات الست (من السُنّة) حائرين ما بين مطرقة النظام الحالي المدعوم امريكيا وايرانيا واسرائيليا ، وبين سندان تنظيمات الارهاب السنية (وعلى رأسها تنظيم البغدادي) التي يتعاون معها في معادلة خسران مبين استطاع من خلالها (خليفة المسلمين) أن يجد له مواطئ قدم ليعلن فيها خلافته الموهومة في غرور سيقضي عليه، ولكنه قد يقضى أيضا على خريطة المنطقة الحالية.

 لسنا كفلسطينيين بعيدين اطلاقا عما يحدث في سوريا والعراق، والمنطقة عامة، فتتناثر شظايا (الخلافة) الذي قد تصل حزب التحرير الذي يتواجد في فلسطين والأردن وكثير من الدول ويرفع منذ انشائة لواءها، ويحتفل سنويا بذكرى هدم الخلافة العثمانية داعيا لاستعاداتها ( ) ، فيعلن موقفه! ومهما كان الموقف فإنه سيقع تحت احراج كبير كما هو الاحراج لكثير من التنظيمات الاسلاموية التي تحلم بتطبيق شرع الله عبر (خليفة المسلمين) في وصفة وهمية للفكر والهيمنة بعيدة كل البعد عن فهم الاسلام الصحيح.

  وإن اضفنا لما سبق عامل الراحة والفرح وربما النشوة التي يشعر بها الاسرائيليون نتيجة تفكك المنطقة، بل والخطة الاسرائيلية منذ زمن طويل لإيجاد دويلات طائفية تجلت مؤخرا بإعلان نتياهو دعوته لإقامة او اعلان الدولة الكردية، ودعوة القيادة الاسرائيلية لتنسيق علني مع الدول العربية (خاصة الخليجية) ضد ايران في محاولة بائسة لتلطيخ سمعة العرب وكأن عداوة الاسرائيليين لهم تزول عند بوابة مصالح آنية.

في جميع هذه الحالات نجد أنفسنا كفلسطينيين في أتون صراع اقليمي ملتهب بالقطع سوف تستغله الدولة الاسرائيلية في الانقضاض على القضية الفلسطينية بتدمير غزة وإسقاط لواء السلام والتخلص من السلطة وابومازن ، والتعنت أكثر فأكثر والايغال بالاستيطان، وملء الغور بالجنود، وتطبيق الدولة/الكيان المؤقتة ذات المعازل كحل دائم.

 إن جمهورية مصر العربية والدولة السعودية بشكل خاص عميقة الوعي باعتقادي للخطر الصهيوني الكولنيالي الاستعماري على المنطقة، وهي اذ تضعه في قمة الاولويات ضمن الامن القومي العربي -او يجب ان تفعل - فإنها لا ترى في ايران عدوا بقدر ما تراها خصما شديد البأس تتصارع معه في المساحة التي يخشى ان تتحول لى مثلث ذهبي فارسي-سياسي-مصلحي مناهض للحكم في المنطقة ، ويتقاطع صراع المصالح والمذهب وطبيعة الحكم الايراني الديني مع ذات الفهم في نفس المساحة حيث تعلن ايران يوميا أنها السيد المطاع في المنطقة (خاصة في العراق وسوريا ولبنان، وتتمدد في فلسطين واليمن والبحرين وغيرها) اذ بدلا من ان تسود دعوات الحوار والشراكة وتقاطع المصالح، تسود لغة الصراع والنزاع ودعم التيارات المحلية في لعبة سيكون الرابح الاكبر فيها بقاء (اسرائيل).

 تناول الكاتب الاسرائيلي (رون بن يشاي) في صحيفة (يديعوت أحرونوت) موضوع المؤتمر الذي عقد في معهد الأبحاث الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، تحت عنوان "الخيارات الإسرائيلية في ظل انسداد الطريق للتسوية النهائية"، القصد بالطبع للتسوية النهائية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني (العربي)، ولكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي ألقى خطابا استراتيجيا نادرا للغاية كما يقول (يشاي): (تطرق إلى العديد من القضايا باستثناء ما كان يجب عليه التحدث عنه، على  الرغم من سرده لتفاصيل الظروف الأمنية  لتسوية حل الدولتين، ولكن كجزء من إطار الاستراتيجية الأمنية القومية العامة (لإسرائيل)، وإمكانية البدء بمفاوضات مع الفلسطينيين، أو أن (إسرائيل) تحاول تقديم خطة أو مشروع ذاتي، لم تظهر حتى كإمكانية من أقوال رئيس الوزراء. ولكن رئيس الوزراء عوضنا عندما سرد على سامعيه "نظرية نتنياهو"، المنقحة في ظل الاضطرابات في الشرق الأوسط وانتشار تنظيم الجهاد العالمي في المنطقة، لا شك أن هذا الخطاب، الذي عرض فيه بوضوح وبشكل منطقي فلسفته السياسية – الأمنية، والمصممة لترويجها في العواصم الغربية، وخاصة في واشنطن) ويضيف (يشاي) معددا 4 تحديات يركز عليها نتنياهو في بناء نظريته الأمنية كالتالي:

}}التحدي الأول: خلق حدود وحمايتها، ووسائل ذلك: بناء جدار أمنى على الحدود الشرقية، الحدود مع الأردن، بالإضافة إلى الجدران الموجودة في هضبة الجولان وعلى حدود سيناء وبالإضافة لذلك، تواجد قوات عسكرية على نهر الأردن والحفاظ على القوة العسكرية (لإسرائيل).

 التحدي الثاني وفقا لنتنياهو هو السيطرة الأمنية على المنطقة التي بين نهر الأردن ومناطق السكن الإسرائيلية، وبكلمات بسيطة، (إسرائيل) تطالب بألا تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح الثقيل فحسب، وإنما أيضا تستطيع (إسرائيل) تنفيذ عمليات إحباط ووقاية أمنية داخل مناطقها.  

التحدي الثالث هو تعاون إقليمي محدود بين (إسرائيل) والدول العربية المعتدلة بهدف كبح الإسلام الجهادي المتطرف، نتنياهو عاد وأكد فيما يتعلق بالتعاون مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية، ولكنه صرح للمرة الأولى علنا أن (إسرائيل) مستعدة للمساهمة في أمن الأردن ودعم سعي كردستان للحصول على استقلالها السياسي. وهو يرى أيضا في مصر شريكا في هذا المعسكر، هذا هو في الواقع العنصر الرئيسي والجدي.  

التحدي الرابع في نظرية نتنياهو هو منع إيران من الوصول إلى الدولة النووية.{{

ويعلق يشاي على التحديات الأربعة بالقول انها ليست جديدة ولكنها قدمت بشكل قوي ومتماسك ومبتكر، وهي تتميز حسب رأيه في أن (جوهر الحقيقة أن نتنياهو عرض أطروحة تشير إلى وجود درجة عالية من التوافق والثقة في المؤسسة الأمنية – السياسية في (إسرائيل))  

  إن الأمن القومي العربي الذي تقوده مصر والسعودية والدول العربية الأخرى التي نجت من حالة الترنح والتطويح الصعبة، و ذات الثقل في الاقليم المضطرب، والتي يجب أن تمتلك رؤية عربية موحدة تجاه (اسرائيل)، والمحاور اللاعبة الأخرى في المنطقة يجب ان يتجه اليوم باتجاه التركيز على قضيتين لا ثالث لهما الأولى: هي مواجهة الخطر الصهيوني المتحالف أمريكيا-ولناالتأمل جيدا في استراتيجية نتنياهو الرباعية أعلاه- الذي أعد منذ زمن طويل العدة لتفتيت المنطقة وإشغالها في نار حروب داخلية وقودها الفلسطينيون أولا ثم أمة العرب فيما يحصل ثم التسيّد عليها سياسيا وعلميا وعسكريا واقتصاديا.

 وهل أقام الغرب الدولة الاسرائيلية في المنطقة العربية إحساسا بالذنب لا سمح الله، وتكفيرا عن قتله واضطهاده "اليهود الاوربيين والخزر" لقرون طويلة؟ أم أن الهدف الحقيقي هو هدف استعماري متجدد لتفتيت الأمة للأبد  ولنهب الثروات والسيطرة على الشعوب!

 أما القضية الثانية فهي تشكيل محور عربي صلب يجابه التحديات القائمة اليوم في مختلف بلدان "الخريف" العربي ضمن رؤية سراطية (=استراتيجية) أممية (من الأمة) عربية شاملة تحترم القوميات الكريمة الأخرى (الاكراد والامازيغ تحديدا) وتحترم التعددية الدينية للطوائف والمذاهب، وتحترم البناء الوطني المنفتح، ويتمحور فيها الجهد على بناء المواطن وتحقيق العدالة والحرية والعيش المشترك، فيكون تدخلها كأمة ومحور عربي في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وغيرها من منظور شمولي يأخذ بالاعتبار عمق التماسك والتوافق العربي والرؤية الموحدة اللازمة.