بقلم: رفعت شناعة

شكَّل إعلان المصالحة بعد سبع سنوات من الإنقسام القاتل إنتصاراً للارادة الفلسطينية، وإزالة العقبة الكاداء التي وقفت عائقاً أمام كافة المحاولات التي رمت إلى رأب الصدع، وتوحيد جناحي الوطن، والسعي إلى وحدة الصف، ورسم الاستراتيجية الفلسطينية الواضحة والضامنة لتحقيق أهدافنا في مختلف المراحل النضالية.

إعلان المصالحة كان صدمة للعدو الاسرائيلي الذي استثمر سابقاَ الإنقسام لصالحه، ونجح في ذلك لأنه هو نفسه شريك في صنعه عندما أخذ قراره الاحادي بسحب المستوطنات والمستوطنين من قطاع غزة لتسهيل الطريق أمامه بعد ذلك.

الولايات المتحدة والاحتلال الاسرائيلي وقفا وحيدين ضد المصالحة في البداية، لكن الولايات المتحدة خجلت من نفسها عندما وجدت كافة دول العالم تؤيد المصالحة، ثم تؤيد الحكومة بإعتبار هذا من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية لشعبٍ يكافح تحت الاحتلال من أجل الحرية، عندها قررت واشنطن مغادرة المربع الاسرائيلي لتعلن تأييدها للمصالحة والحكومة الفلسطينية.

وظلَّت حكومة الاحتلال تغرِّد بمفردها بعيداً عن باقي دول العالم الحر، وحكومة الاحتلال المصدومة من القرار الفلسطيني بإنهاء الانقسام تخطط وتنفِّذ ما يحلو لها من مخططات وبرامج تهدف إلى ضرب السلطة، وتقزيمها، ثم إلى إحداث المزيد من الارباكات الميدانية للشعب الفلسطيني سياسياً، وإقتصادياً، وأمنياً، وإجتماعياً.

والسؤال هو ماذا فعلت حكومة نتنياهو حتى الآن كي تعيد عملية الانقسام إلى المربع السابق الذي كانت فيه؟

أولاً: قام نتنياهو بمقاطعة الحكومة، ومنع التواصل بين وزراء حكومة التوافق الوطني، وهذه خطوة على طريق إضعاف الحكومة وشِّل قدرتها في تفعيل الوزارات، وتنظيم عملها، والاهم هو أنَّ هناك قضايا جوهرية مطلوب من الحكومة إنجازها خلال الفترة المحددة، وخاصة التحضير للانتخابات، وإعادة بناء ما تهدَّم في قطاع غزة.

والسؤال هنا هل ستسمح حكومة نتنياهو بإتمام عملية التحضير للإنتخابات؟

وهل ستسمح بإجراء عملية الانتخابات في كافة المحافظات وخاصة القدس الشرقية، أو أنها ستأخذ إجراءات ميدانية أمنية لعرقلة أية خطوات من شأنها تعزيز المصالحة والوحدة الوطنية؟ وهي على كل حال قادرة على التخريب، وعلى نسف الانجازات الوطنية، وإتخاذ الاجراءات العنصرية.

ثانياً: إنَّ العدوان الاسرائيلي المتواصل على كافة المحافظات الشمالية ، وأيضاً بالقصف والقتل على المحافظات الجنوبية هو عنوان عريض لمخطط إجرامي همجي ينتهك كلَّ المحرمات والمقدسات، وانتهاك كافة القرارات الشرعية والقيم المتعارف عليها بين الشعوب والامم، ونظرة سريعة إلى ما فعله الاحتلال عندما إقتحم المحافظات والبيوت يبيِّن لنا الاحتمالات المستقبلية الأسوأ في المستقبل، لقد قامت قوات الاحتلال بنهب المحلات بعد تدميرها، وتفجير أبواب المخازن والبيوت، وسرقة كاميرات المنازل، والشركات، والمؤسسات، والاستفادة مما فيها من معلومات، كما أدى هذا العدوان إلى شلِّ الحياة الاقتصادية، وتعطيل الحياة الاجتماعية، وإطلاق النار عمداً على الشبان حيث اسُتشهد حوالي ثمانية شهداء في الاسبوعين الاولين، وأسر ما يزيد على خمسماية أسير منهم الاطفال والنساء، كما أدى هذا العدوان إلى شَّل عمل السلطة، وأن كانت السلطة لم توقف عملها، وانما تقوم بواجباتها، وتقدم خدماتها. وما يجري عملياً هو عقاب جماعي لكل أبناء شعبنا على عملٍ ليس لهم علاقة به على الإطلاق.

ثالثاً: إن استباحة الأراضي الفلسطينية بعشرين ألف جندي، ودخول البيوت بالقوة لتحطيم كل ما يجدونه أمامهم، ثم يدمرون ويرعبون من في داخلها، ويعتقلون من يريدون، ويسرقون الأموال، والممتلكات الخاصة، ويفجرون البيوت. وهذا ما جعل ما يزيد على عشرين ألف عامل من الخليل وحدها لا يستطيعون الذهاب إلى العمل في المناطق المحتلة العام 1948 نظراً للبطالة السائدة في مناطق السلطة الوطنية بسبب العدوان الجديد وتقطيع الأوصال، والإجراءات الامنية القاسية، كل ذلك يصبُّ في خانة زعزعة أوضاع السلطة الوطنية، ووضعها أمام مجموعة لا تُحصى من الازمات الداخلية المطلوب منها حلُّها، وبالتالي فإن ما يطمح إليه نتنياهو هو تنفيذ ما وعد به حلفاءه لا من القيام بقصف مكوِّنات السلطة الوطنية، وتدمير مختلف المؤسسات بما في ذلك المؤسسة الأمنية، والشرطة، والوزارات الاساسية، والبنية الاقتصادية ولكنَّ نتنياهو أمام ضغوطات معيَّنة آثر أن يستعيض عن التدمير الكامل بالتخريب الميداني الكامل بانتظار معرفة ردود الفعل من الجانب الفلسطيني لإيجاد أي مبرر يستخدمه في عملية التصعيد، وكي يخوض عملية إلغاء السلطة الوطنية واتفاق أوسلو على أرضية سياسية قاعدتها إختفاء ثلاثة مستوطنين واتهام الرئيس أبو مازن مرة، وحماس مرة أخرى بهذه العملية التي تمت في المنطقة (ج)، والاحتلال هو المسؤول عملياً عن أمن هذه المنطقة،وهذه النقطة كانت محورية في الصراع، ولذلك عملت القيادة الفلسطينية في خطابها السياسي على عدم إعطاء الفرصة لنتنياهو المُستثمِر الجيد لإختفاء ثلاثة مستوطنين لتحقيق كافة أهدافه، وبالتالي الخروج من عزلته السابقة متسلحاً بمعطيات جديدة. وقيادة السلطة الوطنية عمدت إلى الحفاظ على توازنها، والإمساك دائماً بزمام المبادرة، والاستفادة سياسياً ودبلوماسياً من الممارسات العنصرية الصهيونية التي طالت أرضنا وشعبنا في فلسطين، وفضح هذه الممارسات الوحشية أمام الرأي العام الدولي، والتمهيد من خلال المؤسسات الدولية لاتخاذ المزيد من الاجراءات العقابية، ومحاصرة الكيان الإسرائيلي.

رابعاً: إننا نحذَّر كافة الأطراف من مخاطر وسلبيات الممارسات غير المسؤولة، والتي تصب شئنا أو أبيينا في مصلحة الاحتلال الذي يلعب على التناقضات، ويثير الفتنة عبر إعلامه المسموم، وهنا نؤكد في حركة فتح القضايا التالية حتى لا يقع البعض في الفخ المنصوب ولات ساعة مَندَم:

أ‌- الصراع يجب أن يبقى ضد الاحتلال الاسرائيلي، ولا نقبل أن يكون موجَّهاً إلى طرفٍ آخر سواء إقليمي أو داخلي فلسطيني، أي لا نسمح بحرف بوصلتنا الوطنية الفلسطينية بإتجاه آخر على طريقة تثبيت الجهود، وتأجيح الصراع الداخلي.

ب‌- نحن نرفض أية ممارسات تستهدف المؤسسات الفلسطينية وخاصة الشرطة والأجهزة الامنية والذي يتم باستخدام الغطاء الوطني لتحقيق إنجازات سياسية فصائلية وهمية على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، وإستهداف هذه المؤسسات يعني إشعال الصراع الفلسطيني الداخلي، وتقديمه هدية إلى نتنياهو لتحقيق أهدافه.

ج- نحن نأسف لإصرار بعض الاطراف على توتير الأجواء الداخلية وتسخين الخطاب الاعلامي وخاصة ضد الرئيس أبو مازن الَّذي يقود المركب الفلسطيني نحو بر الأمان، وأقلِّ الاضرار، ويتعامل مع ما يجري بحكمة بالغة، وهو ينظر دائماً نحو المستقبل، ويدرك بدقة موازين القوى، ويستثمر خبرته السياسية الطويلة من أجل حماية الانجازات الوطنية التي تحققت.

د- من يريد منافسة حركة فتح أو الكل الوطني عليه أن يدفع الامور إلى الامام لا أن يجرها إلى الوراء، أي أن المنافسة تكون بإنجاح المصالحة، والوحدة الوطنية، وإجراء الإنتخابات (وتحتها ثلاثة خطوط) لأنَّ إختيار قيادة جديدة للشعب الفلسطيني يحطِّم آمال نتنياهو وعصابته المتطرفة، ومن جهة أخرى ينهي الانقسام وإلى الأبد، من هنا فإنَّ ميدان المنافسة الحقيقية هي الإنتخابات وليس المزاودات، أو المناكفات، أو تحريض الشارع على القيادة الفلسطينية وعلى الرئيس أبو مازن الذي عنده من التراث الوطني، والوعي السياسي، والتجربة التاريخية ما يساعده على أخذ القرارات الحكيمة والجريئة التي تخدم شعبه، وهو دائماً ينظر إلى الامام، وليس إلى الوراء.

إن القيادة الفلسطينية مدعوة اليوم قبل الغد بالتواصل والاتفاق على آليات العمل، ومواجهة الاحتلال منطلقين من ركيزة أولى مهمة وهي تفعيل دورنا الدبلوماسي والسياسي على الصعيد الدولي، والثانية تصعيد مقاومتنا الشعبية واشتراك مختلف الشرائح وتعبئتها.

إنَّ ما غاب عن العدو الاسرائيلي أنه بهذا العدوان المتواصل سيحوِّل الضفة وغزة إلى حالة من الغليان الداخلي ، وسيصعِّد الهبَّات الجماهيرية المدروسة، والخيارات أمام شعبنا مفتوحة، لكننا لن نفقد زمام المبادرة، والتجارب علَّمتنا كيف نقاوم، وكيف نفاوض، وكيف ننتفض، وهذه المرة فإن الاحتلال هو الذي سيدفع الثمن أقلُّه الإنسحاب من أرضنا المباركة.