منذ وعد بلفور المشؤوم في 2 تشرين الثاني 1917 وما قبله وما تلاه، تعرض الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة لمؤامرات كبيرة ومؤلمة، بدأت مع مؤامرة بلفور الذي أعطى فلسطين لليهود، وأعقب ذلك فرض الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922 وتسهيل دخول المهاجرين الصهاينة إلى فلسطين وإنشاء العصابات الصهيونية  المسلحة منها الهاغانا وشتيرين إلخ... التي ارتكبت أبشع المجازر والمذابح بحق الشعب الفلسطيني في دير ياسين وقبيه وغيرهما من المدن والقرى الفلسطينية. 
احتل اليهود الأراضي الفلسطينية عام 1948، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من قراهم ومدنهم إلى دول الجوار والضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تقتصر المؤامرة عل ذلك، ففي العام 1967 استكملت مؤامرة النكبة بمرارة النكسة باحتلال كل الأراضي الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة وأجزاء من الأراضي العربية صحراء سيناء المصريّة ومرتفعات الجولان السوريّة ومزارع شبعا اللبنانية، وبدأت مآسي الشعب الفلسطيني ومسيرة آلامه وكفاحه المستمرّة. 

كذلك لم تسلم فلسطين من المؤامرات وعلى كافة المستويات والأصعدة الداخلية والخارجية، العربية والدوليّة، خدمة للمصالح والمطامع الإسرائيليّة الاستعماريّة في فلسطين، ترافق ذلك كله مع مسارين: مسار عسكري حيث خاض الشعب الفلسطيني وقواه الثورية مواجهات ومعارك عنيفة وشرسة فوق تراب فلسطين وحروب أخرى خارجها في لبنان والأردن وقطاع غزة وانتفاضتين أرجعتا القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث في العالم، ومسار دبلوماسي حيث اعترف العالم بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، وخلالهما قدم الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى في مسيرة تحرير فلسطين واسترجاعها من مغتصبيها العنصريين الصهاينة.

وفي وقت لم يكن بالحسابات الصهيو-أميركية وواضعي الخطط السوداء في الإدارة الأمريكية ورئيسها دونالد ترامب، أن الشعب الفلسطيني وقيادته سيتصدون لمؤامراتهم ويواجهون إجراءاتهم المالية بوقف المنحة المقدمة للسلطة ووكالة الأونروا، والسياسية بإقفال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، واعترافهم بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني والإعلان عن صفقة القرن وبالتالي ممارسة كافة أشكال الضغط السياسي، والتضييق الاقتصادي الذي انتهجته إدارة الرئيس ترامب لإجبار القيادة الفلسطينية ممثلةً بفخامة الرئيس محمود عباس أبي مازن على الموافقة على مشروعهم المسمى (صفقة القرن).

لكن الرئيس أبا مازن بحكمته وحنكته السياسية استطاع الوقوف سدًّا منيعًا بوجه المؤامرة، والمحافظة على الثوابت الوطنية الفلسطينية القائمة على الشرعيّة الدوليّة التي تعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والحفاظ على المؤسسات الوطنية الفلسطينية وعلى منظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، ووقف الرئيس محمود عباس بصلابة وشجاعة في مواجهة صفقة القرن الأمريكية ومواجهة سياسية الضم والتهويد والممارسات العنصرية والتوسع الإسرائيلي على حساب الأراضي الفلسطينية.

 لقد واجه الشعب الفلسطيني وقيادته الحكيمة سياسة الضم والاستيطان المعادي للإنسانية التي انتهجها نتنياهو والرئيس الأميركي ترامب وصهره كوشنير وخروجهم على القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية لتمرير صفقة القرن. واستطاع الرئيس أبو مازن توحيد الجهود الفلسطينية في مواجهة الأطماع الإسرائيلية وإجراءاتها التوسعية بالدعوة لعقد مؤتمر للفصائل الفلسطينية( فيديو كونفرنس) في كل من رام الله مقر الرئاسة وسفارة دولة فسطين في بيروت في الثالث من شهر أيلول 2020 تحت عناوين رئيسية أهمها مواجهة صفقة القرن، ورفض سياسة ضم الأراضي الفلسطينية  والتطبيع الذي تقوم به بعض الدول العربية مما يشكل طعنة في ظهر القضية الفلسطينية. 
وأكد الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية خلال المؤتمر وقوفهم خلف القيادة الفلسطينية  للتصدي لصفقة القرن الصهيو_أمريكية، وأشادوا بحكمة وشجاعة الرئيس أبي مازن في مؤتمرهم التاريخي وثمنوا القرارات الصادرة عن السلطة الفلسطينية لمواجهة الأطماع الإسرائيلية وصفقة القرن ومخططات الضم التي يقودها اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو متحديًا القانون الدولي والرباعية الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة مستندًا إلى الدعم الأميركي. 

 لقد راهن نتنياهو على نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أتت نتائجها مخالفة للتوقعات الإسرائيلية فكانت الهزيمة لترامب مدويّة في أميركا والعالم وهذا يعني سقوط ترامب وسقوط المشاريع الصهيو_أميركية التي كانت أولى نتائجها عودة الانفتاح على القيادة الفلسطينية وعودة العمل بالاتفاقيات القائمة على الشرعية الدولية والإلتزام بها، والتي قدمتها القيادة الفلسطينية وتحظى بتأييد الاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية ومعظم دول العالم دون تعديل أو مناقشة وهذا بحد ذاته يعتبر انتصارًا دبلوماسيًّا
للقيادة السياسية الفلسطينية.