حـوار: وسام خليفة- خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017

لفتَ قطاع التعليم في فلسطين أنظارَ العالم وذلك للنجاحات التي حقَّقها عالميًا، فقد أخرجت فلسطين أفضل معلّمة في العالم وأفضل مُدرّسة على مستوى الوطن العربي، وحازَ العديد من الطلاب والأكاديميين جوائز في مجالات كثيرة جعلت اسمَ فلسطين يتردَّد في أروقة المجتمع التعليمي بطريقة مميّزة. ولتسليط الضوء على أهمِّ نجاحات قطاع التعليم في فلسطين التقت "القدس" وزير التربية والتعليم د.صبري صيدم الذي أطلَعنا على واقع التعليم في فلسطين وخُطَط الوزارة الهادفة لتطويره.

 

سعيٌ حثيثٌ لتطويرِ قطاع التّعليم

سعياً لتطوير قطاع التعليم في فلسطين وضعت وزارة التربية والتعليم خُططًا تطويرية في العام 2016، يوضحها الوزير د.صبري صيدم قائلاً: "أعلنا العام الماضي عام تطوير التعليم، وقد بدأنا بإقرار الخطوات العملية في تطوير قطاع التعليم، والبداية كانت مع اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم حيثُ عملت هذه اللجنة على 7 محاور أساسية ونتج عنها مجموعة من الوثائق التي رُفِعَت إلى مجلس الوزراء. وفيما يخص التوجيهي (الثانوية العامة) أجرينا مراجعات أخرى، وبعد الاطلاع على التجارب الدولية وتفاصيل امتحاناتها بدأنا بتغيير نمط التوجيهي، وفي شهر أيلول 2017 سيبدأ التغيير ببدء امتحان تحريري والتسجيل للامتحانات بشكل إلكتروني، كما نعمل على وضع بنك للأسئلة يهدف لتوفير عدة نماذج أسئلة للمادة الواحدة لتسهيلها على الطلبة وجعلهم أكثر تآلفاً مع المادة، كما أوجدنا ملفات الإنجاز التي تُقيِّم شخصيّة الطالب أي أنَّ الطالب لم يعد عبارةً عن رقم فقط في سجلاتنا بل هو إنسان قادر على الاستفادة من المعرفة ومساعدتنا في استكشاف قدراته القيادية، والعمل تحت الضغط وضمن فريق، ممّا يجعله مؤهَّلاً لسوق العمل".

ويضيف: "الحديث أيضاً كان دائمًا يدور حول اتهام المنهاج بالتقليدية وأنّه يعتمد على الحفظ والتّلقين، لذلك بدأنا بالتوجُّه نحو التعلُّم العميق لئلا تمرَّ المعلومة بشكل سطحي على الدماغ، وتُحفَظ من أجل الإجابة في الامتحان فقط، وإنّما من أجل ترسيخها في ذهن الطالب، لذا سنستخدم أساليب التمرين أو التعلُّم باللعب، وسيُترَك المجال للمعلّمين لاستخدام أساليب مبتكرة من خلال دليل معتمَد من طرفنا، خاصةً أنَّ استخدام مدرسة التعليم باللعب أدى لتتويج المعلّمة حنان الحروب في المرتبة الأولى عالمياً".

 

التعليم الحرفي والتقني أولوية الوزارة

ينوّه د.صيدم لأهميّة التعليم المهني لافتاً إلى أنَّه أحد أهم التخصُّصات الأكاديمية، ويضيف: "في الجامعات يوفّر التعليم الأكاديمي فرص عمل لـ28 طالباً من بين 100 طالب، أمّا في القطاع المهني والتقني فقد اكتشفنا أنَّ حظوظ الطالب بالحصول على مهنة أو البدء بمشروعه تصل لـ92%، ووجدنا أن المشكلة في الحقيقة ترجع إلى العقدة الاجتماعية، أي فكرة أنَّ النَّجار أو الحداد ليس كالطبيب أو المهندس، وهذه الوصمة الاجتماعية تؤثِّر على قطاع واعد جدًا، فإذا أردت الوصول إلى طبيب مثلاً تصل بسهولة، أمَّا إذا أردّتَ إيجاد سباك فستكون عملية البحث أطول بسبب قلَّتهم الناجمة عن النظرة الدونية لهذه المهن. وبعد مراجعة الوضع، وجدنا أنَّنا نملك العديد من المدارس المهنية، وأنفقنا مبالغ طائلة عليها، وبعد العديد من التجارب لم تجذب المدارس الصناعية ولا المعاهد أعداداً كبيرة من الطلبة، لذلك بدأنا بفكرة فرض التعليم المهني في المدارس، واتخذنا القرار ببدء الطلاب من الصف السادس بتعلُّم 3 مهن سنوياً، بحيث أنَّ الطالب عندما يصل للصف التاسع يكون قد تعلَّم 9 مهن، وعندما يدخل الصف العاشر يتَّخذ قراره بالمهنة التي يود الإكمال بها بعد أن عرَّفناه على التعليم المهني، ونحن نتوقَّع إقبالاً منقطعَ النظير خلال ثلاث سنوات من الآن على القطاع المهني".

ويتابع: "نعلمُ أنَّ الناس في مجتمعنا خيّرون، وإذا أرادوا تقديم شيء للمجتمع يقومون ببناء مدرسة أو مسجد أو مستوصف، ولذلك بتنا ندعو أيَّ شخص يودُّ بناء مدرسة لبناء مدرسة صناعية، وضمن برنامجنا القادم ستُبنَى عشر مدارس في محافظة الخليل في السنوات القادمة، ولحين جهوزيتها سنكون قد أنضجنا التعليم المهني في ذهن الطلاب والأهالي من خلال المدارس، خاصةً أننا الآن في عالم التكنولوجيا وقد تغيَّرت الأنماط الاستهلاكية، ففي الماضي كان الأهل يختارون لنا كل الأمور المتعلّقة بنا من ملابس وغيرها، أمّا اليوم فقد أصبح الأطفال يعرفون أكثر من أهلهم عن الأمور التكنولوجية كالتلفاز أو الهاتف النقّال الأفضل، لذلك نعمل على تحويل الطلاب إلى سفراء في بيوتهم، وإذا أمتعنا الطلاب في التعليم المهني، وأوضحنا لهم أهميّته فسيذهبون لبيوتهم ليقولوا لأهلهم أنَّ مهناً كالنجارة أو الحدادة أو غيرها ليست عيبًا بل هي مهمّة في تنمية المجتمع ولها فرص أفضل في إيجاد فرصة عمل، وقد سبق أن طبقّنا هذه التجربة من خلال التجمع الوطني لأبناء الشهداء، عبر تعليم أبناء الشهداء صيانة الهواتف المحمولة، وفوجئنا أنَّ حجم استيعابهم في السوق وصل لـ70%، وبهذه الطريقة وفَّرنا مساحة كرامة أكبر لأبنائنا بأنَّ أعطيناهم مهنةً تمكّنهم من إعالة أنفسهم، ونحن فخورون بتمكّننا من إعادة إحياء التعليم المهني والتقني".

 

استحداث برنامج النشاط الحر يُبرِز طاقات الطلاب

يؤكّد د.صيدم أنَّ الطلاب ليسوا سواسية من ناحية القدرات العقلية والمهارات الأخرى، مشيراً إلى أنَّ ذلك استدعى الوزارة لاستحداث برنامج النشاط الحر، وافتتاح 100 مدرسة لهذه الغاية، بحيث تترك حرية اختيار طبيعة النشاط للمدرسة، وتفتح المدرسة يوم السبت، وهو يوم عطلة، لأربع ساعات ويختار الطلبة ما يريدون تعلَّمه.

ويردف: "عبر هذه الأنشطة، وجدنا نتائج طيبة من أشغال يدوية، وموسيقى، وأدب، وفن، وشعر، ونوادي خطابة، وإنجازات تكنولوجيّة، وعندما درسنا النتائج ذُهلنا من الطاقات الموجودة لدى الطلاب ومدى التميُّز المدفون فيهم، وبعد هذه التجربة نوشك أن نعدِّل الجدول المدرسي بإضافة حصة دراسية يومية طوعية من النشاط الحر مدفوعة الأجر للمعلّم تحفيزًا له وتشجيعاً للطلاب على استكشاف ذواتهم ومواهبهم مما يفتح أفقاً من الاختيارات المستقبليّة أمامهم، فلماذا يبقى الطالب أسير خيارات محدّدة كالطب أو الهندسة وهو يهوى الموسيقى أو صيانة الحواسيب أو احتراف كرة القدم؟!  يجب أن نتحلَّل من عقلية الماضي، وندرك أن سُبُل النجاح والإبداع عديدة، فعالم الرياضة مثلاً ليس عالماً سخيفا بل أصبح عالماً مهمًّا لمن لديه الرغبة والمهارة اللازمة".

 

هجوم إسرائيلي على المناهج

ينوّه د.صيدم إلى أنَّه "بالتوازي مع المساعي لتطوير المناهج الفلسطينية تشن إسرائيل هجومًا محموماً على المنهاج الفلسطيني"، ويقول: "تجلّى ذلك بإلغاء كتاب التنشئة الوطنية للصف الثالث الابتدائي في القدس، بسبب تضمّن الكتاب دروساً عن سبب اختيار ألوان العَلم الفلسطيني، والنشيد الوطني ومَن كتبه ومعناه، والتفاصيل المتعلّقة به وبالقدس والمواطنة، وعندما حجبت إسرائيل الكتاب قالت في رسالتها لنا إن هذا المنهاج مخالفٌ لتعاليم دولة إسرائيل، وهذا خطير عليها لأنَّ العَلم بنظرها هوية تدل على مَن يكون الفلسطينيون، وقد عمَدت إسرائيل لأساليب تشجّع فيها مدارس القدس الفلسطينية على تعليم المنهاج الإسرائيلي عوضاً عن الفلسطيني مقابل مبالغ تُدفَع للمدرسة وأُذون لتطوير مرافقها كون العديد من مدارس القدس ممنوعة من الترميم والتوسع ومن تراخيص بناء مدارس جديدة تستوعب الطلاب الفلسطينيين. وفي الواقع نحن نخوض حربًا، فالتعليم في فلسطين هو ساحة حرب، لقد استشهد 60 طالبًا على مدى العالم الماضي، وأكثر من 20 مدرسة اقتُحِمَت بحجج مختلفة، وكل المدارس البدوية هُدِّدت بالهدم أو هُدِمَت. وفي بداية هذا العام اضطّررنا لتأجيل العام الدراسي أسبوعين للحفاظ على مدرسة أبو النوار في ضواحي القدس بسبب إصدار نتنياهو قراراً بهدمها هي وغيرها من المدارس التي تخدم التجمعات البدوية، وذلك بحجج واهية كالحفاظ على البيئة، مع أنَّ الحقيقة عكس ذلك، فهو يرفض إذناً لتوسيع غرفة في القدس ويأتي ليبيع العالم موقفاً إنسانياً بالدفاع عن البيئة! إسرائيل تدرك أنَّ ما يجمع المجتمع هو المدرسة فإذا أُزيلت تفكَّك المجتمع، ومن هنا تبني إسرائيل مستوطنات جديدة وتصلها ببعضها البعض عن طريق إفراغ هذه الأراضي التي تشغلها المدارس والتجمعات السكانية، لتنهي الوجود الفلسطيني، وقد بدأنا مرحلة جديدة ببناء مدارس في هذه التجمعات، وأطلقنا عليها اسم مدارس (التحدي)، وافتتحنا أيضاً مدارس الإصرار وهي مدارس تستهدف الأطفال الذين يرقدون على أسرة الشفاء في المستشفيات من مرضى السرطان والفشل الكلوي، وكانت البداية بمدرسة اسمها مدرسة (الإصرار 1) وقريبًا سنبدأ بـ(الإصرار 2) في مستشفى بيت جالا للأطفال الذين يقضون أوقاتاً طويلة في العلاج".

 

انجازات قطاع التعليم الفلسطيني تجني ثمارها

كان للإنجازات التي حقّقتها دولة فلسطين في قطاع التعليم انعكاسات إيجابية عديدة، إذ يقول د.صيدم: "جاءتنا رسالة رسمية من دولة الكويت الشقيقة تتحدَّث عن نيّة الكويت التعامل مع المعلِّمين الفلسطينيين ليعلِّموا في الكويت، وذلك بعد انقطاع دام لسنوات لظروف وتّرت العلاقة قليلاً، ولكن بدون إنكار الاخوّة التي تجمع بين الشعبَين، وأهمية العلاقة التي تجمعهما، لكن الأمر عائد لاستراتيجية الوزارة كما قالوا، ونتوقَّع في شهر نيسان القادم أن يبدأ التعاقد مع المعلّمين الفلسطينيين. ومن الأمور المفرحة أن دولاً لم نكن على علاقة تعليمية بها تود الاستعانة بمعلّمينا، فقريبًا سيكون لنا زيارة للسنغال التي بدأت بالحديث عن الموضوع، وأظنُّ أنَّ هذه الموجة ستتصاعد بسب كفاءة المعلّم الفلسطيني والإنجازات الدولية التي أعادت الاعتبار له".

ويضيف: "كلُّ ما قمنا به من تطوير في القطاع التعليمي على مدى السنة الماضية بدأنا نجني ثماره، فقد رأينا المعلّمة الأولى على صعيد العالم من فلسطين وهي حنان الحروب، والمدرسة الأولى عربياً وهي مدرسة طلائع الأمل، وقد فزنا بمسابقة الاباكاس للحساب الذهني بأربعة مراكز تراوحت بين المرتبة الثانية والرابعة، وأيضًا حصلت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في بلجيكا على جائزة التميُّز في طرائق التعليم الإلكتروني في المدارس، ونحن ماضون في تطبيق مشروع الرقمنة بتوفير أجهزة الحاسوب لكلِّ طالب ليتمكّن من الدراسة باستخدامها، وسيتم تأمين الدعم المادي عبر أموال ضريبة المعارف التي نجحنا في أخذ مردودها لتمويل المشروع، وبالتالي نحن نعلم إلى أين نذهب مع أنَّ المعركة تشتد علينا، وكلُّ زائر أجنبي يأتي إلينا يأتي بلائحة اتهام، ويحدّثنا على التحريض، ونحن نرى في التعليم مشروع التحرير لا نرى أنَّ مهمَّتنا سهلة، ولكنَّها مهمّة ممتعة فيها طابع التحدي، وأهلنا في لبنان مثلاً يعلَمون معنى التشريد واللجوء والقضاء على الهوية وشطبك من الوجود، فهذه ثقافة فلسطينية، والأب والأُم على طاولة الطعام لا يناقشون موضوع ذهاب الولد إلى المدرسة بل كيف سيتم زيادة منتوجه العلمي وتطويره".