عُقِدَ اجتماع الدول المانحة لإعادة إعمار مخيم نهر البارد في السراي الكبير برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء اللبناني تمام سلام، وبمشاركة ممثّلين عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وعدد من سفراء الدول المانحة لتذكير العالم بأنّ محنة اللاجئين الفلسطينين المشردين من مخيم نهر البارد ما زالت مستمرة بعد مرور عشر سنوات على تدميره.

وتقدَّم الحضور إلى جانب الرئيس سلام، رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة، والمنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، والمفوَّض العام للأونروا بيير كراهنبول، ووفد فلسطيني ضمّ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عزّام الأحمد، وسفير فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور، وأمين سر حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي ابو العردات.

وخلال الاجتماع ناقش الحاضرون كيفية المضي قدمًا بهذا الشأن، وتعهّدوا مجتمعين بتقديم مبلغ إضافي وقدره 36.1 مليون دولار أميركي. وبفضل المساهمات المقدَّمة من ألمانيا (15 مليون يورو) والاتحاد الأوروبي (12 مليون يورو) وايطاليا (1.25مليون يورو)، ستتمكّن 904 عائلات من العودة إلى المخيم وسيتمّ بناء 189 محلّاً تجارياً.

ونتيجة لهذه المساهمات، سيتمكّن 72% ممن تشرّدوا من العودة إلى بيوتهم. وفي هذا الإطار، تسعى الأونروا  بالشراكة مع الحكومة اللبنانية ومع الجهات المانحة التأكيد على استكمال مشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد بشكل كامل.

وكان رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة قد استعرض في كلمته روحية المشروع التي أرساها مؤتمر فيينا قبل 8 سنوات، بماهية الشراكة في المسؤولية بين المجتمع الدولي والحكومة والأونروا. واعتبر منيمنة أن المشاركة الكثيفة في الاجتماع والمساهمات الاضافية مؤشر ايجابي على التزام الشركاء بهذا المشروع الحيوي.

أما المفوض العام للأونروا بيار كراهنبول فقد شكر الرئيس سلام على دعمه لمشروع البارد خلال مؤتمر لندن وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وعبر التواصل مع الدول العربية الصديقة، شارحاً أهمية هذا الزخم الذي يصب في مصلحة انجاز المشروع.

 كما أكّد التزام الأونروا مجدّداً باستكمال الاعمار واعادة العائلات النازحة والتي تعاني من أوضاع انسانية واقتصادية صعبة بعد وقف برنامج الطوارئ.

وبدوره ثمَّن السفير دبور تعهّد الحكومةِ اللبنانية بأنَّ الخروجَ من المخيمِ مؤقت، وإعادة الإعمار مؤكّدة، والعودة حتمية، داعياً الى إستراتيجية مشتركة أساسها تبني استكمال وإنجاز إعادة إعمار مخيم نهر البارد، وتنفيذ الالتزام الإنساني الأخلاقي المُقرّ في مؤتمر فيينا العام 2008، وفي هذا مصلحة وطنية لبنانية وفلسطينية وإنسانية، كما هي مصلحة دولية.

وحثَّ الدول العربية على القيام بواجبهم الأخوي بالإلتزامِ في تأمين الموارد للإنتهاء من إعادة إعمار مخيم نهر البارد، وهذا يؤكد الدعم والوقوف الدائم إلى جانب القضيّة الفلسطينية وإخوانهم اللاجئين الفلسطينيين عموماً.

وقال: "منذ أيّام فقدنا في مخيّم نهر البارد طفلة وجَدَّتها، كانوا في طريقهم للبركس الذي يأويهم، ولكنّ القدر كان أقوى فصدمتهم سيّارة، توَّفوا على إثرها. بِاسم الطفلة إسراء وجَدَّتها وكلّ أهلي وأبناء شعبي في المخيّم المنكوب أدعوكم للعمل الجادّ على إنهاء معاناتهم وعودتهم إلى بيوتهم ليأمنوا على حياتهم لحين عودتهم لوطنهم فلسطين".

واكد السفير دبور أهميّة التعاون والشراكة بيننا كلبنانيين وفلسطينيين والعمل معاً للتصدي ومواجهة أدوات الدمار والفتن التي تهدِفُ للنيل من أمنِ واستقرارِ لبنان والمنطقة، بل العالم أجمع.

واعتبر أنَّ هذا خير تعبير عن البيئة الإيجابية وضرورة دولية تحفظ الأمان للإنسان، وتُوطِّد العلاقات السياسية المدنية والإجتماعية على مبدأ احترام القانون والسيادة الدولة اللبنانية والعيش الكريم للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وفي كلمتها، قالت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ أنه "عندما نسعى إلى حشد الدعم السياسي والمالي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك بدعم وكالة الأونروا، فإننا نعمل جاهدين في المقابل للحصول على الدعم للبنان، لكي يبقى بلداً مستقرّاً وآمناً".

وأشارت الى "أن مخيم نهر البارد كان رمزاً للدمار، الا أنه أصبح رمزاً للقيامة أيضاً. وعلى الرغم من صعوبة إتمام عملية البناء وأنَّ إعادة إعمار المخيم طالت، يبقى مخيم نهر البارد رمزاً للنهوض وللالتزام المشترك".

وختم سلام الحفل بكلمة شدّد فيها على "التزام وجدية الحكومة بالتعاطي مع الملف الفلسطيني وتحديدًا استكمال إعمار المخيم"، داعيًا الشركاء الى "الاستثمار في استقرار لبنان والمساهمة في انجاز الخطوة الأخيرة من المشروع كجزء من التزام المجتمع الدولي والعربي بالعدالة للشعب الفلسطيني وتقديم الدعم الكافي له حتى حل قضيته حلاً عادلاً وشاملاً".

وأكد أن "اهتمام المجتمع الدولي بالنازحين السوريين يجب ألا يطغى على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإنجاز اعمار مخيم نهر البارد يوجِّه رسالة معبِّرة عن رفض ترك المنطقة لقوى التكفير والنزعات المذهبية والتي كانت فتح الإسلام مقدمة لها".

وقال: "لقد أدّت أحداث 2007 إلى تدمير مخيم نهر البارد وتهجير سكانه من لاجئين فلسطينيين ومواطنين لبنانيين، والذين قاربت أعدادهم الـ35 ألفاً. وفور توقف المعارك، بادرت الحكومة اللبنانية إلى رفع شعار إعادة إعمار المخيم وعودة سكانه اليه. ودعت من أجل ذلك، إلى عقد مؤتمر فيينا في العام 2008 الذي أعربتم خلاله، كدول شقيقة وصديقة، عن استعدادكم للوقوف مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في تغطية أكلاف عملية الإعمار، المقدَّرة بحوالي 345 مليون دولار أميركي. لقد كانت تلك المبادرة رائدة في حينه وما تزال. ومنذ ذلك التاريخ قطعنا أشواطًا متقدمة في البناء، بتنا معها على قاب قوسين أو أدنى، من تحقيق الإنجاز الذي وعدناكم بتحقيقه".

أضاف: "إن مواجع اللاجئين الفلسطينيين في بلادنا كثيرة لن أعددها، لكنني أشير الى المشكلة المتمثلة في العجز السنوي لوكالة الأونروا، الذي يهدد الخدمات الصحية والتعليمية للشعب الفلسطيني في المخيمات والتجمعات بالإنهيار. ولا شك أن تكرار حال العجز وجزئية الحلول، تضعنا والوكالة ومعنا ناس المخيمات -لا سيما أطفالهم- أمام وقائع وأسئلة عصبية. وانطلاقًا من ذلك دعوت وأدعو إلى توفير تمويل مستدام للوكالة، يزيل شبح الإفلاس عن متابعة الخدمات، الأمر الذي ينعكس ايجابيًّا على المخيم وأهله وعلى لبنان كدولة مضيفة".

وتابع: "إن حال الفقر والفاقة التي تعيشها المخيمات، هي البيئة المثالية للتطرف والإرهاب. وعليه ندعوكم وبإلحاح إلى إيلاء هذا الوضع ما يستحقه عبر المساعدات والأعمال التنموية التي تساهم في تحرير المخيمات وأبنائها مما يتهددهم من مخاطر".

وقال سلام: "لقد أثبتت الدولة اللبنانية، من خلال لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وبالعلاقة الدائمة مع الأونروا والمجتمع الدولي ومع ممثلي الشعب الفلسطيني، جدية كاملة في التعاطي مع هذا الملف. وقد استندنا في توجهنا هذا، إلى دعمكم وتبنيكم للمشروع، الذي أردناه تعبيرًا عن روح العلاقة التي نطمح إليها بين لبنان ومجتمع اللاجئين الفلسطينيين".

واشار الى أنَّ "إكمال الإعمار كما نراه اليوم يقدِّم أكثر من رسالة وفي أكثر من إتجاه، فهو يؤكد:

أولاً، أن المجتمع الدولي والعربي كانا وما زالا عند التزامهما بالعدالة للشعب الفلسطيني، التي ترفضها إسرائيل بكافة السبل، ومستمران في تقديم الدعم للشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء، وللدول المضيفة.

ثانياً، ان الرسالة الأهم تعبر عن رفض ترك المنطقة لقوى التكفير والنزعات المذهبية التي عاثت في أرجائها قتلا وتدميرا.

إن تنظيم فتح الإسلام الذي تسبب بتدمير مخيم نهر البارد، لم يكن سوى مقدمة لهذه الموجة القاتلة التي نواجهها معا. لذلك، يجب نزع الذرائع من يد الجماعات المتطرفة التي تحاول إيجاد موطىء قدم لها تارة في الشمال، وطورا في مخيم عين الحلوة جنوبا.

ثالثاً، إن الإهتمام باللاجئين السوريين لن يطغى على قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين مضى على تهجيرهم قرابة ثلاثة أرباع القرن.

رابعاً، إننا عندما ندعوكم كشركاء لنا إلى المساهمة في إنجاز الخطوة الأخيرة من عملية الإعمار، فإننا ندعوكم الى الإستثمار في الأمن والسلام، وهو ما نحن جميعا بحاجة اليه، سواء كنا في قلب الحدث أو على ضفافه.

وختم قائلاً: "إذ أحملكم رسالة البناء هذه، أُشدّد على أننا جميعا في مركب واحد، نسعى إلى مجتمع بشري أكثر استقراراً وأمناً وطمأنينة. وهو ما يتحقق عبر مساهماتكم في استكمال مشروع، يستحق كل ما قمنا به وما سنقوم به في المقبل من الأيام".

يُذكَر أنه ما زالت 2264 عائلة (أي حوالي نصف السكان النازحين) تنتظر إعادة بناء بيوتها علماً أنّ عدداً كبيراً منها يعيش في ظروف مأساوية في ظل مستقبل يلفه عدم اليقين بسبب النقص في التمويل الّلازم.

حتى تاريخه، تمّ استكمال حوالي 50% من مشروع إعادة إعمار هذا المخيم بفضل هبات متنوعة. وإذا ما اعتمدنا على التمويل الحالي، من المتوقّع أن تعود 2670 عائلة (أي 11062 شخصا أو 54% من السكان) إلى البيوت المعاد بناؤها بحلول منتصف العام 2017. ولكنّنا ما زلنا بحاجة إلى جهود إضافية لتطبيق الالتزامات الأساسية التي تعّهد بها المجتمع الدولي.