أمضت الصحفية الايطالية، فرانشيسكا بوري مراسلة "لاريبوبليكا" الإيطالية خمسة أيام طويلة من الأسبوع الماضي في محافظات الجنوب، وتمَّ تكريمها والاحتفاء بها من قبل يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، وجال بها مرافقوه بلا تحفظ من مخدعه ومكتبه الخاص وصولاً إلى كل محافظات الجنوب والمستشفيات والمدارس ومكاتب حركة حماس المختلفة دون أيَّة محاذير أمنية. وحسب فرانشيسكا، فإنَّها جلست وجالت مع السنوار دون شركاء باستثناء المترجم، وأحيانًا، وهو ما لم تقله دون مترجم، لأنَّ الأسير المفرج عنه في صفقة شاليط، قبع في سجون الاحتلال الإسرائيلية 22 عامًا، بتعبير آخر، هو يلم باللغة العبرية، ولا يحتاج في الحوار الخاص لمترجم! أم أنا مخطئ؟

حتَّى إنَّ ملاحظاتها التفصيلية والمهمة، تشي بأنَّ جو الألفة والتناغم بينها وبين الرجل القوي في حماس عكس نفسه على الردود والكلمات، التي استخدمها في إجاباته على أسئلتها، فمثلاً: لم يذكر تعبير الكيان الصهيوني، ولا حتَّى دولة الاحتلال، وكان يستخدم عند الإشارة لإسرائيل الطرف الآخر. كما لم يهدد ولم يتوعد، ولم يشر لقادة الائتلاف اليميني بأي صيغة استفزازية، ومال إلى الصيغ الناعمة والهادئة.. إلخ. وحرص على نقل رسائل إلى قادة إسرائيل تعكس رغبته الأكيدة بالوصول إلى "الهدنة من أجل الهدنة"، وهو ما أشار له عندما سألته بشأن وقف إطلاق النار، فردَّ قائلاً: إنَّ ذلك يعني "التهدئة التَّامة مقابل وقف الحصار"، وعندما كررت السؤال: "الهدوء مقابل الهدوء"؟ أجاب أنَّ "الهدوء مقابل الهدوء ووقف الحصار".ومجانًا ودون أي ثمن سياسي أو وطني، لا بل على حساب ما تقدم.

وكان في سؤال سابق أجاب رافضًا خيار الحرب، عندما قال: "إنَّ حربًا جديدة ليست من مصلحة أحد"، وأضاف أبو خيار المقاومة الديماغوجية: "بالتأكيد (الحرب) ليست من مصلحتنا". وتساءل القائد الحمساوي الإخواني: "من لديه الرغبة في مواجهة دولة نووية بمقلاع.. الحرب لن تحقق شيئا". الآن أدرك السنوار وقيادة الانقلاب الأسود، إنَّ إسرائيل دولة نووية، يا سبحان الله؟ معقول طيلة سنين عمره، هو ومن معه من قيادات الإخوان في فلسطين، لا يعرفون ان دولة الاستعمار الإسرائيلية، دولة نووية!؟ أيَّة قيادة هذه؟ ومتى كان نوع وطبيعة سلاح دولة الاستعمار يشكِّل عائقًا أمام المقاومة الوطنية؟ ومتى كانت الثورات والمقاومة الشعبية بأشكالها المختلفة تنتظر حتَّى يميل ميزان القوى لصالحها؟ ومع ذلك يبرز السؤال البديهي: لماذا إذا تزاودون على الرئيس محمود عبَّاس، وهو ينادي ويطالب باعتماد المقاومة الشعبية السلمية؟ ولماذا تُّصر على الهدنة مقابل الهدنة؟ وعلى أي أساس؟ ولماذا لا ترفع قيمة الهدنة بربطها بالمصالحة والتسوية السياسية؟ أليست إجاباتك كافية للدلالة على إنَّك وباقي أركان الانقلاب الحمساوي ضد خيار المصالحة الوطنية، ومع التساوق والركض في متاهة الصفقة الترامبية؟ وأسألك سؤالاً آخر: إذا كنت وجماعتك، كما تدعون إنّكم ضد صفقة القرن، وضد قانون الأساس القومية الفاشي الإسرائيلي، لماذا لا تعودون لجادة الوحدة الوطنية، وبناء جسور الثقة مع الشرعية الوطنية؟

أضف إلى ما تقدم، ماذا تعني بإجابتك فرانشيسكا: "الآن وجب اللقاء، ووجبت الدعوة للهدنة من أجل الهدنة، وليس غدًا"؟ وما هي الرسالة العاجلة، التي أردت إبراقها لنتنياهو وبينيت وليبرمان بعد انتهاء الأعياد اليهودية؟ أليست رسالة استجداء حكومة نتنياهو للتعامل المباشر معك ومع أقرانك، ومطالبتهم بإدارة الظهر للقيادة الشرعية، وعلى اعتبار إنَّكم في قيادة الانقلاب "عنوان المرحلة" و"القوة" القادرة على ضبط الأمور؟ وما دلالة ما تقدم مع حوارات القاهرة، لا سيما وإنَّ فرانشيسكا كانت تحاورك في الوقت، الذي كان به صالح العاروري يقود عددًا من أعضاء المكتب السياسي في القاهرة لحوار الأخوة المصريين حول المصالحة؟

أسئلة كثيرة تشي بأنَّ السنوار حليف إيران، وممثل جماعة الإخوان المسلمين (لاحظوا المفارقة والتناقض بين المرجعيتين الإسلاميتين) يعمل وفق أجندة أعداء الشَّعب، ويضرب بعرض الحائط المصالحة والوحدة الوطنية ومواجهة صفقة القرن، ويتمسَّك باللقاء مع فرانشيسكا وما تمثل مقابل هدنة واهية وتافهة دون ضوابط، أو معايير سياسية.