باتَ لزامًا على مُشرعي القوانين الدولية وناظميها إضافة سلاح (المياه العادمة السوداء) إلى قائمة الأسلحة المحرمة دوليًا، واعتبار استخدامها جريمة ضد الإنسانية، وكذلك محاكمة مستخدميها في الجنايات الدولية، تمامًا كما تتم محاكمة مجرمي الحرب الذين يستخدمون الأسلحة التقليدية أو غيرها في القتل الجماعي (المجازر).

ستكون (دولة المستوطنين) السبب في خراب العالم ومنظومة الشرعية والقوانين الدولية الإنسانية، وعلى العالم التدخل قبل استكمال سيطرتها، وتمكُّنها من استحضار زمن الحروب والصراعات وإنشاء الدول على أسس دينية، وعلى هذا العالم الإدراك بأنَّ قرية "الخان الأحمر" باتت العلامة الفارقة الفاصلة بين منهج إنساني يسعى لنشر قيم الحق والعدل والحرية والسَّلام، وسلوك بشري همجي منفصل عن واقع أمة الإنسان الحضاري المتمدن.

لن نقبل أي تبرير إسرائيلي رسمي لانفلات مستوطني ائتلاف حكومة نتنياهو الهمجيين، لأنَّ قوات جيش وشرطة هذه الحكومة العنصرية التي تستخدم هذا (السِّلاح الأسود) ضد الفلسطينيين المتظاهرين السلميين في بلدة كفر قدوم في محافظة قلقيلية منذ سنوات، ما كان لها فعل ذلك إلّا بمعرفة وعلم قياداتها العسكرية والسياسية العليا وتنفيذًا لأوامر صادرة عنها، فالأسلحة الفتَّاكة لا تستخدم إلَّا بموافقة أعلى مرجع سياسي عسكري في دولة الاحتلال إسرائيل، وإلَّا فإنَّ العالم يحق له اعتبار ما يحدث بمثابة انفلات في نظام إسرائيل، ما يعني مضاعفة المخاطر القائمة على استقرار وأمن المنطقة، وزيادة منسوب تخوف العالم من الأبعاد الحقيقية الكامنة وراء إعلان (قانون القومية الإسرائيلي) وأهمها إجبار الفلسطينيين على الهجرة من موطنهم التاريخي والطبيعي فلسطين.

عمل المستوطنون الهمجيون، الثملون بالعدائية المطلقة لمبادئ الحياة الإنسانية على محاولة إغراق بيوت قرية الخان الأحمر بالمياه العادمة السّوداء: وهي المياه – حسب تعريفها العلمي - التي تُصرَف في قنوات المراحيض، بخلاف العادمة الصفراء والرمادية أو مياه الصّرف الصحّي، المعروفة بأنَّها المياه المُستهلَكة في استخدامات الإنسان؛ المنزليّةً، أو الصناعيّةً، أو التجاريّةً، ومياه الأمطار الملوثة.

المستوطنون المغتصبون لأراضي المواطنين في التلال القريبة من القرية والمقيمين في مستعمرة كفار أدوميم، منهم مسؤولون كبار في منظومة الأبارتهايد الإسرائيلية ومن ضمنهم قضاة في المحكمة العليا الإسرائيلية التي ردَّت التماس أهالي قرية الخان الأحمر وسمحت لجيش الاحتلال الإسرائيلي بتدمير القرية وتهجير سكانها، يعلمون أنَّ النتيجة الحتمية لإغراق المنطقة بالمياه (العادمة السوداء) هي إصابة سكان قرية الخان الأحمر (البدو) ومصادر أرزاقهم (الماشية) والطيور الداجنة بالأوبئة والأمراض، ليس هذا وحسب، بل وإصابة المعتصمين الفلسطينيين والمساندين والمتضامنين الأجانب بما فيهم أنصار السَّلام الإسرائيليون، الأمر الذي قد يدفع سكان القرية إلى الهجرة خوفًا من موت محتم– ولو بطيء إن بقوا في المكان، وهذا يعني أنَّهم يرتكبون جريمة حرب (مجزرة) باستخدام سلاح المياه العادمة السوداء، وهذا سلاح لا يختلف عن الكيماوي المحظور دوليًا، سوى أنَّه يستخدم في عمليات الإبادة والإعدام و"التغيير الديمغرافي"- هذا أيضًا جريمة حرب - ولكن على مدى طويل نسبيًا مقارنة بالأسلحة الكيماوية السامة القاتلة مباشرة، القادرة على إفناء حياة كل شيء حي وقع في حيز دائرة الجريمة.

بات العالم أمام جريمة حرب ومجزرة ضد الإنسانية في قرية الخان الأحمر ينفذها جيش الظل المخفي لحكومة ائتلاف نتنياهو، فأساليب وأدوات ومواد هذه المجزرة ليست محرمة صراحة في القوانين الدولية، ربما لأنَّه لم يخطر في بال ناظم أو مشرِّع للقانون في هذا العالم بأنَّ بشريًا يعيش في القرن الواحد والعشرين يمكن أن يُقدم على ارتكاب جريمة بهذه الأدوات والأساليب، رغم فظاعة ووحشية المجازر بالأسلحة التقليدية والنووية والكيميائية.

الفارق بين الأسلحة الكيميائية وهذا السِّلاح أنَّ السلاح الكيميائي ينتج في المختبرات بعد عشرات السنوات من الأبحاث والاختبارات، أمَّا سلاح المستوطنين الأسود هذا فإنَّه نتاج مفاهيمهم وسلوكياتهم، وتعاميم حاخاماتهم، يفرزونها سمومًا، تفوح منها رائحة العدائية المطلقة للفلسطيني، وتتبخر منها غازات الرغبة بإفناء ليس كل فلسطيني على أرض فلسطين وحسب، بل كل من نادى وعمل ومازال ينادي ويعمل من أجل الحق في الحياة والحرية والعدل والسَّلام على أرض فلسطين.