رجل عجوز مقعد على كرسي متحرك يبلغ من العمر 84 عاماً إنه الحاج أبو زهير الهسي، بدأ بالحديث عن ياسر عرفات وعن معاشرته لزمنه منذ أن أنطلق في الكفاح الوطني، ويقول: "ياسر عرفات لم نرى مثله يوم، لقد عاصرت غالبية الحروب من بعد الحرب العالمية الثانية لغاية الآن شاهدت زعماء ورؤساء ومناضلين كثيرين ضحوا لأجل بلادهم ولا اختلف على وطنيتهم، لكن عرفات لم يرى العالم مثله رجلاً ضحى أكثر من خمس قرون لأجل أن يحمينا ويرجعنا ديارنا".

 سافرت لعدة دول من قبل عربية وأجنبية والكل كان يصافحني بشدة ويقول لي أريد أن نتعلم منكم كيف هو حب الوطن لديكم ولدى رئيسكم ياسر عرفات، فأنتم من جعلتمونا نحب الوطن.

 وفي الانتفاضة الأولى عام 1987 كان عرفات يبعث لنا الرسائل مع المناضلين وكان يقول فيها: "إننا نقف دائماً ومعكم ولن ننساكم" وكم كان يتمنى وقتها أن يأتي لمخيماتنا ويشاركنا النضال، وكان يوصي كل أطراف المقاومة التي كانت تحمينا ونحن في بيوتنا، فكنت أشعر وقتها بأن هناك أب لفلسطين يحمل همومنا كلنا على أكتافه ويرفعها لجميع دول العالم، لم نعرف ما هو الانقسام إطلاقاً وقتها، حتى خلال الانتفاضة الثانية عندما كنت أسمع أصوات هتافات مسيرات وغيرها كنت أمسك "العكاز" وأخرج لأشاهد المسيرات فأرى صور أعلام فلسطين وصور ياسر عرفات وأعلام الفصائل جميعاً جنباً تهتف للوطن.

وختم أبو زهير قائلاً: "لهذا نحن لغاية اليوم نعيش على ذاكرة الختيار لأني أيقن تماماً أنه من كان يوحد صفوف الفلسطينيين جميعاً".

في مخيم جباليا الحاجة أم رضا سلامة التي تبلغ من العمر 80 عاماً، عاشت أرملة منذ 40 عاماً، كما وأستشهد ابنها راضي في المخيم في فترة الانتفاضة الأولى عام 1989م، تجلس أمام منزلها القديم لتتحدث عن الرئيس الراحل عرفات وما كان يعني لها هي والفلسطينيين، وتقول: "أستشهد ابني في الانتفاضة الثانية عندما تصدى لقوة خاصة من الصهاينة هجومهم لبيتنا الذي ادَّعو وقتها أنه يحتوي على سلاح نمده للمقاومة، دار بين أبني وبينهم شجار لكي لا يدخلوا المنزل لعدم إخافة أبنائي الصغار حتى أن قتلوه وجعلوه ينزف أمام عيني وأنا لا أستطيع أن أفعل شيء".

 فنزلت الدموع من الأم وبدأت برفع يدها للدعاء له، وأكملت الحديث لولا ياسر عرفات لما عرفت أن اربي بقية أولادي ولا عرفت أجد لقمة عيشي، أتى لنا منذ قدوم السلطة وقام بتقبيل يدي ونزلت دموعه عندما رأى بقية أولادي وبيتنا الصغير حتى أن أمر أن يصرف لنا مبلغ من المال شهرياً لكي نقدر على العيش، هو هذا من وحدنا ووحدة صفوفنا هو الذي رفع اسم فلسطين.

 عندما كنت أجلس أمام بيتنا في الشارع وكانت تسير المظاهرات كانت كل الفصائل تخرج وتلبي ندائه كنا نحس به ومدى حبه لنا، كنت أذكر عندما كنت أستمع إلى الراديو وكتائب القسام ترسل للعدو نداء لتهدد من يمس ياسر عرفات، وعندما خرجت الجبهة مسيرات لكي توحد الصوت الفلسطيني للوقوف مع ياسر عرفات، في كل هذه الأوقات كنت أشعر بوحدتنا وكنت أشعر أن ابني راضي حي يرزق، يأتي لي بالمنام وهو يبتسم، الكل كان يجمع على فلسطين وحدها كان السلاح كله مصوب على الاحتلال، حتى وإن لم يكن السلاح فالحجر كان لينطق ومخيم جباليا يشهد على ذالك . عندما توفي ياسر عرفات أحسست بأن ابني فعلاً قد تركني، وقد غابت الشمس عن قلبي، ابني قد رحل والياسر قد رحل وأنا اجلس لأنتظر قدري الآن.