تشرق الألوان الحارة والحادة في لوحات الفنان «نبيل عناني» كما تتخذ الخطوط ابعادها من المراحل السلسة في تدرجات اللون والخط، خصوصا حين يجمع ما بين الخط العامودى والخط المنحني، مخففا حدة الخطوط بالألوان المثيرة بصريا وذهنيا. لأن خصوصية كل لوحة رسمها «نبيل عناني» تنبع من احاسيسه الوطنية المرتبطة بفلسطين. كأنها المرأة أو شجرة الزيتون المباركة او الأرض الزاهية الممتلئة، وكأنه لا يحب الأنفصال عنها. لأن كل لوحة من لوحاته هي فلسطين، هي الحياة، المرأة، الطفل، الشعب، الارض، الشجرة او السماء المدرارة، وحتى تلك المقيدة بأسوار باطونية، والتي ترك فيها لغة خضراء تبعث الأمل في نفس المتلقي. حيث الجمال يمتد الى خارج الأسوار الممتدة، وحيث فلسطين الأم في لوحات ناشطة وجدانيا وممتلئة بالاحاسيس الجمالية.

يترجم «نبيل عناني» انفعالاته الحسية تجاه فلسطين باللون الزاهي المتماسك بدرجته القوية، التي يواكب من خلاله اندماج الالوان الاخرى مع بعضها، وكأنه يدعو شعب وطنه الى التآزر والتماسك، واثارة المفاهيم الجمالية الكامنة في الأرض والشجرة، والثوب والمسيرة التي رسمها كجسر موصول بين النصف دائرة او القبة، وبين الشجرة المتمسك بها في اغلب لوحاته البانورامية، وتكويناته الوجدانية التي تؤجج العاطفة الوطنية. كذلك يعتمد على التكرار الايقاعي والصياغة المباشرة للتأثير على الفكر والحواس، فهو يركز على التشكل والارتباط، وعلى التلاحم بين المضمون والأسلوب. لتتكون عند الرائي الأحاسيس التحفيزية التي تدفعه لرؤية المزيد من اللوحات، وكأنه يقرأ بصريا حكاية شعب يبحث عن الجمال الدائم في زوايا وطنه، ومساحاته الممتدة رغم الأسوار التي يظهرها في بعض اللوحات الحاضنة للحكاية التاريخية التي تتسم بجمال طبيعة فلسطين، وبالأزياء التراثية والفولكلوريات النابضة بالألوان والخاصة بالزمان والمكان، والتاريخ المتجدد في تشكيلات فنية، تؤرشف لذاكرة جمالية تحتفظ بالأنماط المتعددة في وطن واحد.

علاقات ثنائية وجماعية نتشارك معه بها من حيث الحركة والمعنى، والمسارات الضوئية المتغلغلة في فواتح الألوان التي تشير الى التيقظ والوعي الفني الذي يجعل منه «نبيل عناني» رسالة تتخطى حدود الوطن، وتتجه حيث اللغة البصرية المقروءة ذهنيا وتخيليا، وحيث الوصف والتحليل للامكنة الظاهرة في لوحاته كما في لوحة «شرق القدس» معتمدا في كل ذلك على الأبعاد والمفاهيم التشكيلية، والتأويلات والدلالات الايمائية، المجردة هندسيا من التعقيدات الجيومترية. الا انه يحافظ على السيمترية وعلى القواعد الجمالية المنبعثة من قدرته على امساك الخطوط، والتلاعب باتجاهاته مع الحفاظ على تقنية لونية صارخة بالمحاكاة، والحوارات المثيرة حسيا بصفتها الكينونة والنغمة، والصوت المحفز للمحافظة على جوهر المكان الداخلي والخارجي. لنشعر وكأن اللوحة كتلة واحدة لا يمكن لأي عنصر من العناصر الفنية الانفصال عنها. لأن نقطة البداية هي الفكرة والخط واللون أو بالمعنى الواقعي هي الوطن، والام، والشجرة، والارض.

يعتمد «نبيل عناني» على ملكته الفنية الفطرية في تشكيل احاسيسه الوطنية، المتلاصقة بالواقع الانساني، والوطني بكل معانيه وصراعاته من اجل الحفاظ على هوية فلسطين، وقدرتها على البقاء.  فريشته الراقصة على ايقاعات الالوان مشبعة حسيا بجزئيات ضوئية، مرتبطة بالحركة والخط والقدرة على تحديد الأطر للاشكال الهندسية، كالمستطيلات، والمربعات، والدوائر، وايضا الخطوط وقوتها الحدسية التي تبث جاذبية تسمح للمتلقي بالاستمتاع في التأمل والفهم والتفكر، فيستطيع بذلك فك شيفرة الرسالة التي يوجهها «نبيل عناني» للعالم من خلال لوحة فنية تشكيلية تهدف الى توطيد الجمال، وتسخيره في خدمة الدفاع عن الوطن ليتم الادراك الفني، وتزداد الريشة في الكشف عن كوامن الذات الساكنة في عمق كل لوحة تتسم بالحيوية اللونية، والنداءات التراثية والجمال الديناميكي المؤثر على الاسقاطات التخيلية على الواقع المرسوم والمضمون المفهوم.

يتحكم الحس الفني في بنائية اللوحة وواقعيتها التصويرية، المتوافقة مع الرؤية بشكل عام، ومع الابعاد المنظورية للالوان وتتابعها الحركي. المستمد من تشكيل سينوغرافي يسعى من خلاله «نبيل عناني» الى خلق مشاهد واقعية بعيدة عن التقليد المضموني، ومتعلقة بالبساطة التعبيرية البعيدة عن العبث والفوضوية والمنسجمة مع رمزية المعاني المتعلقة بسيمترية الخطوط، وتأثيراتها البصرية على الحواس والاداء التعبيري المتزامن مع المدلولات الفسيولوجية المبنية على معالم انسانية. تنادي بالبقاء والمحاغظة على الجمال، كما في لوحة «عين على القدس» الممزوجة بالوان حارة وباردة، وبابعاد تروق للعين وللمدلولات الرمزية التي يشير اليها «نبيل عناني» بالوشاح الابيض على رأس المرأة، والذي يرمز الى السلام وطموحات الوطن في خلق الاستقرار والسكينة والى اشتعالات اللون الأحمر في شفق يمتد كدم شهداء يغطي مساحات واسعة من خلفية صورة تظهر فيها القبة المذهبة او القدس القديمة بكل تراثها ومعالمها التي تبعث في نفس المتلقي الحنين والامل بعودة شعب يختزن في دواخله الالم والمعاناة، فهل الألوان السياسية تؤجج الصراعات الداخلية والخارجية، كما تتأجج بتناقضاتها وتضادها في لوحاته أم أن فلسطين هي تلك المرأة الجالسة على الأحجار الصفراء في لوحات «نبيل عناني» وهل سيطول انتظارها في تحقيق النصر ليعود اليها السلام؟.