منذ نحو خمسين سنة بدأت بعض الأسماء الفلسطينية المهاجرة تطرق الأسماع في المشرق العربي، وصرنا نقرأ لشعراء فلسطينيين أميركيين جدد غير الذين انغمرنا بقصائدهم أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وغيرهم. وكان فواز تركي (ولد في حيفا ونشأ في برج البراجنة) أول فلسطيني ينشر مجموعة بالانكليزية هي "قصائد من المنفى" (1975)، ثم صدرت مجموعته الثانية بعنوان "تل الزعتر كان تلاً للزعتر" (1978)، وبعد ذلك توقف عن كتابة الشعر. وقرأنا أيضاً قصائد بالانكليزية لشريف الموسى المولود في قرية العباسية القريبة من يافا في سنة 1947، والذي ترعرع في مخيم النويعمة القريب من أريحا. وكان هناك شعراء فلسطينيون آخرون يكتبون بالانكليزية أمثال حنا عيدي وشوج دلّل وراي حنانيا. لكن اللافت أن الشاعرات الفلسطينيات الأميركيات تفوقن على الشعراء الفلسطينيين الأميركيين من حيث الشاعرية والحضور الثقافي معاً، والأسماء كثيرة ابرزهن دوريس صافي التي هاجر والداها إلى السلفادور في البداية حيث ولدت، ثم انتقلوا إلى الولايات المتحدة الأميركية. وناوومي شهاب ناي التي أصدرت أول مجموعة شعرية لها بعنوان "طرق مختلفة للصلاة". وسهير حمّاد المولودة في الأردن لوالدين لاجئين، والتي نشأت في بروكلين مع السود والبورتوريكيين والدومينيكان والهايتيين، ولم تعرف فلسطين إلا من خلال حكايات والديها وذكرياتهما (زارت فلسطين أول مرة في سنة 1998)، فكتبت أول مجموعة شعرية لها بعنوان "فلسطينية المولد سوداء المولد". وليزا سهير مجج المولودة في الأردن. وآن ماري جاسر ونتالي حنظل وديما الشهابي ونادية حزبون (مولودة في الأردن) ولورين الزرو (مولودة في رام الله) وللي كرنيك ومنى حاطوم ولينا الجيوسي وأمينة قزق وس.ف. عطا الله وكثيرات غيرهن من الشاعرات والأديبات والكاتبات ذوات الأصل الفلسطيني.

اللافت ان أدب الفلسطينيين الأميركيين هو أدب أميركي بالدرجة الأولى، لكن له سمات خاصة هي سمات الهوية الفلسطينية. وهذا الأدب ليس شوطاً استمرارياً لقصائد فدوى طوقان واسمى طوبي وكلثوم مالك عرابي وسلمى الخضراء الجيوسي ودعد الكيالي وسميرة أبو غزالة وسلافة حجاوي وليلى السايح وليلى علوش ومي صايغ ورنا زيد وغيرهن، إنما هو أدب تحتل فيه الذاكرة مكانة مهمة، والذاكرة هنا شديدة الأهمية لتأكيد الهوية. والعودة إلى الذاكرة وسيلة لحفظ الجذور وترسيخ الهوية الثقافية. إذاً، ثمة انشطار في هوية هؤلاء الشاعرات، والهوية الثقافية مهمة جداً في المهجر لتجنب الاغتراب، وللتوحد مع الذات المركبة. والشاعرات يحملن، مثل جميع الفلسطينيين المهاجرين، هويات مركبة: هن أميركيات، لكن المنفى موجود في دواخلهن بقوة إما من خلال أجدادهن، أو من خلال غياب أرض آبائهن. لذلك كانت قصائدهن تتضمن العودة إلى الماضي، مع أنهن موجودات في الحاضر أيضاً.