انتفض الشارع اللبناني من مختلف الوان الطيف السياسي والديني والطائفي، متوحدا ضد تراكم النفايات والفساد بمسمياته وعناوينه كلها في المدن والقرى والاحياء، التي ازكمت الانوف، واغلقت الشوارع، وعكست صورة مأساوية لا علاقة لها بلبنان الجميل.

الانتفاضة أو الهبة الشعبية اللبنانية، حملت شعارات مجموعات ناشطة، وهي: "طلعت ريحتكم" و"حلوا عنا" و"بدنا نحاسب"، التي تحولت مع تطور المشهد إلى شعار "ثورة.. ثورة.. الشعب يريد إسقاط النظام"، لم تأت النقلة النوعية في الشعار السياسي من فراغ، بل نتيجة منطقية لتفاقم الازمات، التي يعاني منها الشعب اللبناني، لاسيما ان ازمة النفايات، دخلت شهرها الثاني، دون تمكن الحكومة وجهات الاختصاص من وضع حلول جذرية لها. وهي انعكاس لأزمة النظام السياسية، المتمثلة بعدم التمكن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية لليوم الـ(463), ولاشتداد التجاذب بين تياري الرابع عشر من آذار والثامن من آذار، وتعاظم مظاهر الفساد والفوضى على امتداد الدولة اللبنانية من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق الى الغرب، وتمركزت وسط العاصمة بيروت. اضف إلى إفراط الجيش اللبناني واجهزة الامن في استخدام القوة ضد المتظاهرين، مع ان دعاة حملة "طلعت ريحتكم" و"حلوا عنا"، هتفوا "سلمية.. سلمية", تأكيدا على رفضهم خيار جر الانتفاضة الشعبية إلى متاهة الصدام المسلح.

لكن هناك قوى متضررة من وحدة الشعب اللبناني، وإسقاطه الابعاد الدينية والطائفية والمذهبية في مواجهته للفساد المريع والمستشري في اوساط النخب السياسية، المتربعة على عروش الطوائف والاحياء والحارات، وخشية من رموز الازمة اللبنانية على مصيرهم وامتيازاتهم في حال نجحت انتفاضة الشعب، لذا لجأوا لخيار الاصطدام، وتورطت معهم القوى الامنية، ما ادى لاصابة العشرات من المواطنين ومنتسبي المؤسسة الامنية على حد سواء. الامر الذي يملي على القوى الشعبية المشاركة بالانتفاضة، الانتباه للاخطار المحدقة بثورتهم من ممثلي الازمة، اولئك، الذين استمرأوا تعمق الازمة، ليواصلوا نهب الشعب عبر جلوسهم على قمم النفايات الوهمية، باسم "الدفاع" عن هذه الطائفة او تلك، والانتباه للاصابع الخارجية، التي تحاول تجيير الانتفاضة لحساباتها واجنداتها الخاصة، لاسيما وان البيئة اللبنانية، تعاني تاريخيا من عبث الايدي الاجنبية، خاصة وان البعض بدأ يروج لخيار "الانقلاب العسكري" للخروج من الازمة، والعمل وفق رؤية برنامجية موحدة للتخلص من كل امراء الفساد الديني والطائفي والمذهبي، الذي يعتبر المدخل الواقعي لولوج مرحلة نوعية جديدة، واعادة الاعتبار للبنان الدولة والنظام السياسي، وإنقاذ الشعب من وحول الحروب والصراعات، التي لا تمت لمصالح اللبنانين بصلة.

الانتفاضة اللبنانية الجديدة، تعكس الارادة الجمعية للبنان الواحد الموحد، الطامح للحرية والاستقلال فعلا، والنأي بالنفس عن كل الصراعات المحيطة به في الساحات العربية والاقليمية قدر الامكان، لان الفصل الكلي وهم وغير منطقي، والنهوض بلبنان نحو افاق جديدة من التنمية والتطور على اساس دستور جديد غير طائفي، وتحديد موعد قريب للانتخابات التشريعية، يفتح الباب امام الكفاءات الوطنية لتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب كل الشعب. وهو ما طالبت به التظاهرات الحاشدة امس الاول السبت.

لبنان يستحق العيش بكرامة، وهو بحاجة إلى مسؤولين اكفاء، قادرين على إنقاذ وإخراج لبنان الشعب دون تمييز ديني او طائفي او مذهبي من كل ازماته ومصائبه، وانتخاب هيئاته القيادية بشكل ديمقراطي دون حسابات عربية او اقليمية او دولية، وتطهير وتنظيف لبنان من كل النفايات العالقة به من رموز الفساد والافساد، وإعادة وجهه الاخضر النظر امام الدنيا كلها.