طبول المواجهة يعلو صوتها اكثر واكثر في باحات المسجد الاقصى الذي يتعرض فعليا الى تقسيم زماني بدأت برامجه تطبق في الواقع اليومي, وقطعان المستوطنين والمتطرفين دينيا وما اكثر اسماء جماعاتهم وجمعياتهم, يستوحشون, حتى ان بعضا من صدى الخوف من ممارساتهم الارهابية الممنهجة وصل الى العديد من الاطراف الاسرائيلية التي لم تفقد وعيها بسبب هذا الصراخ الهستيري على مستوى الحكومة الاسرائيلية وعلى مستوى المجتمع الاسرائيلي نفسه, ولا يخفف حدة الشعور بالخوف والحذر والتشاؤم ما يحاوله وزير الامن الداخلي حين حاول ان يصب الاتهام ضد المرابطين والمرابطات من ابناء وبنات القدس ووصفهم بانهم تنظيم ارهابي, فهذه المحاولة هي نوع من الهروب الى الامام, والهروب الى الامام لا يحل المشكلة المتفاقمة الذاهبة الى الانفجار الكبير.

وما يجري داخل باحات الاقصى هو نموذج مكثف لما يجري في كل انحاء القدس ومحيطها من الشمال والجنوب والشرق والغرب, الذي يبدو نموذجا مكثفا للمخطط الاسرائيلي الذي يستهدف الضفة, وهو خارطة جديدة تنفذ واقعيا على الارض وليس فقط في اوراق البرامج والمخططات والموازنات الاسرائيلية.

وبطبيعة الحال: فانه لا يمكن لشعب مثل شعبنا الفلسطيني, يجد نفسه في قلب المعركة, فتظل قياداته المحلية تتحدث باللغة القديمة, لغة الاناشيد المحفوظة عن ظهر قلب ولا يعرف المنشدون معانيها الحقيقية, فالمعركة, معركة الوجود او عدمه, معركة الحياة او الموت, لها لغة خاصة بها, ولذلك ينظر الشعب الفلسطيني بعدم الاهتمام وعدم الجدية لما يتردد على ألسنة البعض من مفارقات مخجلة, تهدئة مع اسرائيل في قطاع غزة لقاء وعد بمنصة بحرية عائمة تحت الاشراف الاسرائيلي المطلق ومشاركة اقليمية بائسة, ودعوة الى ما يسمى بالانتفاضة في الضفة, ونحن نقول للذين يرددون هذا الكلام انه كلام سطحي, فالزمن السياسي القائم يتطلب اكثر من الانتفاضة بألف مرة، ثم كيف نكون عقلاء هنا ومجانين هناك في نفس اللحظة؟ وهذا يثير الشك بأن بعض اللاعبين الاقليميين يعانون من مشاكل ويحتاجون الى بعض الأوراق، فهل تكون الأوراق أشلاء مقتطعة من لحمنا الفلسطيني؟ ولماذا لا تصب هذه الأوراق في مشروعنا الوطني؟ وهل لدينا فلسطينيا فائض نتبرع به لصالح المأزومين اقليميا ام نحن اصحاب الحاجة الأولى؟

الآن نحن أمام خطوة نوعية قد تكون بداية مرحلة جديدة وهي انعقاد المجلس الوطني في دورة عادية, وإعادة صياغة اللجنة التنفيذية, وهذا قد يقودنا عبر النجاح إلى إعادة صياغة كل إطاراتنا الفلسطينية واطاراتنا الفصائلية واطاراتنا المجتمعية بما يتلاءم مع التوقعات والتقديرات.

نستطيع ان نفعل ذلك، فنحن شعب في الداخل والخارج نشعر بخطورة ما يعد لنا من عدونا الإسرائيلي ومن حلفائه في المنطقة والعالم لدينا اشارات قوية حول ما جرى لمخيماتنا في سوريا وما يجري في لبنان وما جرى سابقا في العراق! ولدينا علم بانشغالات قيادة النظام الدولي بأجندة بعيدة عنا ولو الى حين، وعمليات التفلت والتنصل التي نسمعها من البعض فرديا وفصائليا لا تليق ولها اثمان فادحة، والفرصة متاحة ان ننتمي الى انفسنا ومشروعنا اولا.