استخدمت إدارة بايدن أول أمس الخميس 18 ابريل الحالي حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار العربي، الذي قدمته الجزائر الشقيقة لرفع مكانة فلسطين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وأسقطت مشروع القرار الهام والضروري والاستحقاق الملزم للعالم ككل، وليس للولايات المتحدة الأميركية منذ 77 عاما خلت، أي منذ الموافقة على قرار التقسيم الدولي لفلسطين في 29 نوفمبر 1947، لا بل قبل ذلك، ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى مع إنهيار الإمبراطورية العثمانية 1918 وسيطرة بريطانيا الانتدابية الاستعمارية على فلسطين التاريخية. 

لكن الغرب الاستعماري بقيادة بريطانيا وفرنسا، ومن خلف ستار الولايات المتحدة آنذاك حال دون تحرر الشعب العربي من المحيط الى الخليج، الذي لم يكن مقسمًا لدويلات، وكان شعبًا واحدًا تابع لدولة الخلافة العثمانية. رغم توزعه على أقضية والوية ومقاطعات محلية تحت حكام محليين أو أتراك وفقًا لأحكام السلطنة العثمانية، وقام التحالف الاستعماري القديم بتنفيذ قرارات مؤتمر كامبل نبرمان 1905/ 1907، واتفاقية سايكس بيكو 1916 التي مزقت وحدة العرب إلى دويلات هشة، وأقامت لاحقًا في مركز الوطن العربي أداتها الوظيفية إسرائيل 1948، لتحول دون وحدتهم ونهوضهم القومي ولنهب ثرواتهم وابقاءهم في دائرة المحوطة والتبعية للغرب. 


وكما يعلم الجميع، استخدام الولايات المتحدة لحق النقض الفيتو أول أمس لم يكن الأول، ولا أعتقد أنه سيكون الأخير، فهناك ما يزيد على 45 استخدامًا ضد القضية الفلسطينية ولصالح أداتها الوظيفية إسرائيل. لكن الاستخدام لهذا الحق الاجرامي والجائر واللاأخلاقي والمتناقض مع ابسط معايير القانون الدولي، وحق الشعوب في تقرير مصيرها هذه المرة المفترض أن يشكل انعطافه نوعية في مسار العلاقات الفلسطينية الأميركية، ويلزم القيادة الفلسطينية بإعادة النظر في تلك العلاقات المشتركة غير المتكافئة، والمنحازة لإسرائيل اللقيطة، والتي تهدف من خلالها الإدارات الأميركية المتعاقبة تطويع وإخضاع الشعب الفلسطيني لمنطقها المتصهين، وحرف بوصلة برنامجها الكفاحي ومنهاجها التربوي الوطني عن الأهداف والثوابت الناظمة للنضال الوطني، وإسقاطه في متاهة التبعية للرواية الإسرائيلية الصهيونية، وحتى ملاحقة شهداء واسرى الحرب ورموزها الوطنية التاريخية، وابعادها عن القيام بالحد الأدنى من واجباتها تجاههم، والتنكر لمسؤولياتها الوطنية والأخلاقية تجاههم وتجاه عائلاتهم. 


إن الدفاع المشروع عن الثوابت والمصالح الوطنية العليا الفلسطينية تحتم على قيادة منظمة التحرير التوقف مليًا أمام الفيتو الأميركي، واستنباط واستشراف رؤية وطنية كيفية مغايرة للسياسات البراغماتية التي انتهجتها قيادة المنظمة منذ العام 1988، ورفض كل برامج الإصلاح (التطويع) الأميركية المقترحة على القيادة، واسقاط سياسة تدوير الزوايا في العديد من الملفات. رغم الادراك الحقيقي لثقل الولايات المتحدة عالميًا، ودورها في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وحجم تأثيرها على أهل النظام الرسمي العربي، كما تم بالضبط مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، مع إسباغ طابع التنفيذ على القرارات الوطنية، وارفاق ذلك بعقد اجتماع للمجلس المركزي لمنظمة التحرير في دورة عادية لبلورة رؤية وطنية دفاعية استنادا لمبدأ "الهجوم خير وسيلة للدفاع"، والتخلي عن السياسة الانتظارية تجاه سياسات واشنطن العدائية للشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية والقانونية وقيادتها ومشاركتها بشكل مباشر في حرب الإبادة الجماعية لليوم ال197، ومنحها الضوء الأخضر لإسرائيل لاجتياح رفح، والتلاعب بمصير القضية الفلسطينية بهدف تصفيتها، حيث اكدت إدارة بايدن بما لا يدع مجالاً للشك بانها العدو الأساسي للشعب الفلسطيني. 


لم يعد مقبولاً، ولا مشروعًا الرهان على إمكانية التحول في المستقبل المنظور في سياسات اليانكي الأميركي. لا سيما وأن الإدارة الأميركية ضيقت الخناق على القيادة الفلسطينية، ووضعتها في مآزق خطيرة مست بجوهر الكفاح الوطني التحرري من خلال دعمها الكامل لدولة إسرائيل النازية، وتغطية جرائم حربها، واستخفافها بمكانة قيادة منظمة التحرير، واعتقادها بإمكانية تحويلها لأداة تابعة وخاضعة لهيمنتها وأهدافها، وبالتالي لأهداف ربيبتها الصهيونية، التي لا يوجد بها شريك لصناعة السلام الممكن والمقبول وأساسه خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967. 
كفى انتظارًا ومجاراة لسياسات القوى الفلسطينية والعربية المتساوقة مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية، وآن الاوان لقلب الطاولة رأسًا على عقب، وخلط الأوراق دفاعًا مشروعًا عن أهداف وثوابت الشعب الاستراتيجية. فهل نحن فاعلين؟