خاص/ مجلة القدس- هيفاء داوود الأطرش

لا تزال قضية اللاجئين الفلسطينيين تتهاوى نحو إضعاف جذوتها، وإطلاق رصاصة الرحمة في رأسها، من خلال تفكيك التكتل الفلسطيني المتواجد في مخيمات الشتات وخاصة ً في سوريا ولبنان.

ففي سوريا تم تشتيت التجمعات الفلسطينية هناك بعد إقحامها قسراً في الحرب السورية الأخيرة التي كان عنوانها الواقعي، ربيعٌ لا يزهر.

فالمحاولات لتمزيق القضية الفلسطينية قد بدأت تحصد أهدافها ، خاصةً بعد تحويل قضية اللاجئين إلى قصاصة تم انتزاعها من الأوراق الفلسطينية، ليتم علاجها بشكل منفرد وبطريقة ناعمة وفق المعطيات التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين في الآونة الأخيرة في دول اللجوء العربية والأوروبية، حيث التضييق على كافة الصعد، والتي تتلخص بعدم إعطاء أي متنفس لهم سواء كلاجئين فلسطينيين في سوريا أو لبنان، ونواة هذا التمزيق بدأ في مخيمات سوريا وتداعياته الخطيرة.

وتحظى القضية الفلسطينية بنصيب دولي عالٍ من الأولويات في اغتيال الورقة الفلسطينية، من خلال دعم حركة حماس وإعطائها صفة الشرعية، وقد ساهم ذلك في تعقيد الحلول، خاصة بعد اتفاقٍ حمساوي إسرائيلي، يهدف إلى تدمير المشروع الوطني لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وإلى تجذر الانقسام، ضاربةً بعرض الحائط  المصلحة الوطنية العليا المتمثلة بقضية القدس واللاجئين والأسرى.

ويأتي هذا التدخل في ظل استمرار الدول العربية باستراتيجية دفاعها الوطني، أمام الخطر الداهم لكل منها ، وحسب ظروفها الأمنية الخاصة، حيث تتباين الرؤى العربية والأولويات حول من هو العدو المباشر، فتنفرد كل منها بالانشغال بكيفية تشكيل خططها الدفاعية بدءاً من السعودية حتى مصر، حيث تزداد الهوة اتساعاً فيما بينها، رغم سعيها سابقاً لخطة دفاع مشتركة.

وهذا مانجحت به السياسة الأمريكية للشرق الأوسط الجديد، حيث تم خلق فزاعات لها، كل على حدة ، بينما العدو الحقيقي يتربع خلف المسرح ويحرك خيوط تلك الفزاعات، لتمرير وتثبيت تقسيم الدول العربية على طبق فضي من الإغراءات الاقتصادية والتحالفات الجديدة غير المسبوقة، والتي ستبقيها مرهونةً للديون ولسياسات الدول المعنية على مدى سنوات طويلة.

وهناك من يرى أن الضوء الأخضر الذي تم تمريره من أجل التغلغل الإيراني في المنطقة، سيسمح لإيران أن تفرض تراجع دور دول الخليج، بمقابل اتساع حراك الأولى في سوريا والعراق واليمن والبحرين والسعودية وبمباركة أمريكية وتهان تركية.

إن الاستنزاف الحاصل لقدرة تحمل اللاجئ الفلسطيني كفيل بإعلان إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين بدءاً من سوريا؛ في ضرب مخيمات سوريا وإفراغها، وعدم وجود خطط لإدارة أزمة وضع اللاجئين الفلسطينيين في داخل سوريا وخارجها ، بعد إقحامها في الحرب الدائرة هناك.

وإن استفحال مشكلة هؤلاء اللاجئين وانفلات الحلول كالماء بين الأصابع ، قد سرعت وساهمت في الهجرة الجماعية للاجئين الفلسطينيين من سوريا، غير المتوقعة، حسب الإجماع الفلسطيني، وفي إضعاف قضيتهم وهبوط مركزيتها ، هذه الهجرة التي جاءت نتيجة عدم توفر حمايتهم، وعدم تأمين متطلباتهم واحتياجاتهم حتى في أدناها، بالإضافة إلى عدم معاملتهم كلاجئين في الدول المضيفة  حيث تم انسداد الطرق، وتم الاغتيال على عدة أيد؛ سواء من الأونروا التي أعلنت عن عجزها في تقديم المساعدات للاجئين الفلسطينيين في الأقاليم الخمسة ومنها سوريا، بسبب توقف تمويل الدول المانحة للأونروا.

كما أن عدم تحلحل أوضاع المخيمات الفلسطينية في سوريا ارتباطاً بالوضع السوري العام، وعودة الاشتباكات والقصف لمخيم اليرموك بعد دخول الغذاء، ومع استمرار فقدان الأدوية الضرورية، فإن ذلك يهدم الرؤية والمبادرة التي تم إطلاقها من أجل العودة إلى المخيم، وكذلك باقي المخيمات التي تفتقد إلى العودة الآمنة، والواقع الميداني السوري والحاصل هو تهدئة منطقة على حساب مناطق أخرى، حيث يتم تجميد الوضع العسكري لمخيم اليرموك مثلا ضمن التكتيكات العسكرية ثم العودة لتحريكها حسب مقتضيات الوضع الأمني والعسكري، وتؤكد أن لا حل قريب، وإن كان هناك آمال بإيجاد حلٍ سياسي في سوريا، وما يـُخشى منه هو ما جدّ من بيع منازل اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات وخاصة في اليرموك عن طريق مكاتب عقارية في دمشق لأصحابها الذين هاجروا للدول الأوروبية وبشكل قانوني، فهل فعلا هي نهاية كينونة المخيمات هناك.

وفي حلقة أشمل، فإن أخطر ما يقضي على جذوة حق العودة، هو ممارسات حركة حماس السياسية ذات المصالح الضيقة التي تنحرف بها عن مسار المصلحلة العليا للشعب الفلسطيني، وكذلك إجراءات الاحتلال الاسرائيلي  الممنهجة ضد شعبنا في الضفة والقطاع، بالإضافة إلى محاولات نسف العملية الفلسطينية الدبلوماسية، إلى الضرورات المفروضة كأوراق في يد التحالفات الجديدة، والتي من شأنها استشراء المرض في الحالة الفلسطينية المتمثل بالانقسام والتخلي عن الشرعية الفلسطينية في السلطة الفلسطينية، وعدم الضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالاعتراف بدولة فلسطين وتنفيذ ماعليها من التزامات نحو الشعب الفلسطيني.

وأخيراً في ظل كل هذه المتغيرات الدولية والإقليمية المستجدة، وأهمها الاتفاق النووي الإيراني فإن انفتاحاً إيرانياً دبلوماسياً متبادلاً بدأ يتحقق، خاصةً أن الخطوات الأمريكية قد تنقلت من جديد بين المربعات السوداء والبيضاء، لذلك يجب ان يكون هناك دور أكبر وأعمق للقيادة الفلسطينية في توحيد الجهود العربية والإسلامية وتضافرها من أجل عودة دعم القضية الفلسطينية خاصة وهي في أشد وأصعب مراحلها.