خاص مجلة القدس العدد 316- تحقيق: غادة اسعد

واضح أنّ ما دارَ الحديث عنه في صفوف المثقّفين والأكاديميين والمحلّلين السياسيين حول تدهور إسرائيل إلى الحضيض، لم يكُن ادعاءً فقط، إذ ها هو يتجلّى بالسياسة العنصرية حدّ التطرُف في محاربة مَن ليسَ من اليهود، باعتباره عدوًا لوجود الصهاينة على أرضٍ أكدّ فيها الفلسطينيون في الداخل أنها أرض الآباء والأجداد التي يتمسّكون بها، الأمر الذي يُزعِج الإسرائيليين، كونه يقف عائقًا أمام مشروعهم لأسرلة فلسطينيي الداخل، لكنّ الأمور لم تسرِ وفق رغبات زعماء إسرائيل، والدليل هو الصمود والبقاء والحفاظ على الموروث الثقافي الفلسطيني في الداخل إلى الأبد.
والمتتبّع لأحداث الساحة السياسيّة الإسرائيلية في الأسبوعين الأخيرَين قد يساوره الاعتقاد بأن إسرائيل وبعد أن أغلقت جبهات القتال مع مصر وسوريا والعراق ولبنان وغزة، أصبحت تحارب فقط على جبهة الديمغرافيا التي يتصدرها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر، وجبهة الديمغرافيا تلك لا تقف عند حدود مصادرة الأرض وهدم البيوت بهدف فرملة التكاثر والتطور الطبيعي للفلسطينيين داخل الخط الأخضر على طريق تمرير مخططات الترانسفير الطوعي والقسري ضدهم، وهو ما تبدّى في الأيام الأخيرة بقرار هدم قرية أم الحيران وإقامة مستوطنة يهودية على أنقاضها وهدم بيت المواطن طارق خطيب من كفركنا للمرة الثانية، بل هي تتعدى هذه الحدود إلى محاربة ثقافتنا الوطنية وامتدادنا الفلسطيني، وهو ما تجلّى من خلال الحرب التي شُنَّت على "مسرحية الزمن الموازي" (مسرحية تتناول قصة حياة الأسير الفلسطيني المحكوم بالمؤبد وليد دقّة، وهو متزوّج، لكنّ السلطات في السجون حرمته من لقاء زوجته إلا أنه لا يزال يحلُم بولادة "ميلاد" طفله الذي لم يُبصر النور بعد).
ولا يزال دقّة يعاني من قسوة الجلاد وظلام السجون آملاً أن يأتي ذلك اليوم الذي سيعانق فيه نسائم الحرية. وواضح للعيان أنّ الحرب الديمغرافيّة، تقضُّ مضاجع الإسرائيليين، وتحشرهم في زاوية العنصرية، ما يُسقط كلمة الديمقراطية من جميع تصريحاتهم الكاذبة.


سياسات أخرى تجاه الفلسطينيين في الداخل لا تقل تطرُّفًا
ضمن إمعانها في تنفيذ سياسة هدم البيوت أقدمت أذرع المؤسسة الإسرائيلية، تحت جنح الظلام وحماية قوات كبيرة من الشرطة والوحدات الخاصة على هدم منزل المواطن طارق خطيب، من كفر كنا، للمرة الثانية، بعد أن كان الأهالي قد أعادوا بناءه.
ولم يتمكن المئات من المواطنين الذين تجمّعوا قرب المنزل من منع الهدم، بينما وقعت مناوشات بينهم وبين الشرطة، التي اعتقلت أربعة مواطنين بينهم صاحب البيت.


قانون منع لم الشمل يمزّق آلاف العائلات على جانبي الخط الاخضر
صادق الكنيست للسنة الثامنة على "قانون منع لم الشمل"، هذا القانون الذي يُكرِّس العنصرية والكراهية والنيّة المبيّتة، بمنعه "لم شمل أكثر من 20 ألف عائلة فلسطينية تحت مُسمَّى التوازن الديموغرافي"، الأمر الذي يتعارض مع المعاهدات والمواثيق الدولية التي وإن كانت تسمح للدول بإقرار قوانين للمواطنة والهجرة، فإنها تشرط ذلك بألّا يوجّه ضد مجموعة قومية معينة.
ويُشار إلى أن مشروع القانون الذي يظهر برداءٍ أمني، كان قد طُرحِ في حكومة أرييل شارون الأولى العام 2002 من أجل حماية "يهودية الدولة"، ومنع عودة لاجئين فلسطينيين مما يسمى إسرائيليًا بـ"الباب الخلفي"، وأقرّ العام 2003، وصادق عليه الكنيست مجددًا في 2007، ومنذ ذلك العام والحكومة تُمدِّد العمل بالقانون سنويًا لأنه سُنَّ حينها كقانون مؤقت لمدة سنة واحدة، بينما رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية عدة التماسات تقدّمت بها مؤسسات لحقوق الإنسان لإلغاء هذا القانون الذي يحرم آلاف العائلات الفلسطينية من العيش تحت سقف واحد بشكل قانوني.
القائمة العربيّة المشتركة التي وصفت القانون بـ "قانون عنصري بامتياز ويميّز بشكل صارخ على أساس قومي"، قالت انه يستعمل فزّاعة الأمن لتمرير أهداف سيّاسيّة.
وحول مبرر الطوارئ الذي يتغطى به القانون قالت المشتركة، والتي يترأسها النائب أيمن عودة إنّ "هناك ملايين الفلسطينيين الذين يعيشيون حالة طوارئ دائمة بسبب السياسات والممارسات والقوانين الإسرائيلية العنصرية، التي حوّلت حياة الفلسطيني إلى جحيم. حالة الطوارئ ليست قانوناً فحسب، بل هي واقع معيشي ناتج عن نظام كولونيالي عنصري، سلبَ الفلسطيني وطنه، وحرمه من العيش الطبيعي مثل بقية البشر".
وكانت الهيئة العامة للكنيست قد صادقت، منتصف شهر تموز الماضي، بغالبية 57 صوتًا ومعارضة 20 عضوًا وامتناع 5 أعضاء، على تمديد سريان قانون منع لم الشمل العنصري المسمى بـ"قانون المواطنة والدخول لإسرائيل" لعام إضافي جديد، بعد أن صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية مؤخّرًا.
محاربة الثقافة والهوية الفلسطينية
أعلن الوزير العنصري نفتالي بينيت -من البيت اليهودي - الحرب على الثقافة الوطنية الفلسطينية، وبينيت الذي يشغل مقعد التربية والتعليم، هو من قرّر ملاحقة ومنع عرض مسرحية "الزمن الموازي" لمسرح الميدان في حيفا، بذريعة أنها تشجيع على ما يصفه بالإرهاب، هذه الحرب واصلتها وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف التي أعلنت عن وقف تمويل الميدان بسبب عرضه للمسرحية المذكورة.
وذهبت ريغيف إلى أبعد من ذلك، بإعلانها عن نيتها قطع التمويل عن مسرح الميدان باعتباره من "المنظمات الإرهابية"، بسبب تحويل أموال للمسرح من جهات غير معروفة.
 وكانت بلدية حيفا قد أوقفت دعمها لمسرح الميدان تحت نفس الذريعة، وتدعي البلدية أن مشكلة الميدان لا تنحصر فقط في هذه المسرحية وإنما بتشكيل منصة لمن وصفتهم بالمتطرفين.
ويأتي قرار وزيرة الثقافة الإسرائيلية بعد الحملة الشرسة التي شنّتها المؤسسة الإسرائيلية على مسرحية "الزمن الموازي" ومسرح الميدان، لأن المسرحية تتحدّث عن حياة الأسير الفلسطيني وليد دقة، المعتقل منذ ثلاثين عامًا، وتستند إلى رسائل كتبها من داخل السجن لزوجته، وكذلك بسبب تنظيم المسرح لمهرجان الفيلم الفلسطيني بالتزامن مع ذكرى النكبة.


جمعية حقوق المواطن في الداخل:"ريغيف حوّلت نفسها الى رقيبة على الثقافة"
من جهتها قامت جمعية حقوق المواطن، التي تحارب مِن أجل تحصيل حقوق للفلسطينيين في الداخل، بمطالبة وزيرة الثقافة ميري ريغيف ألا تحّول نفسها الى مسؤولة الرقابة على الثقافة، مؤكدةً أنّ تصريحات وتصرفات الوزيرة الأخيرة تهدّد الديموقراطية الإسرائيلية عموماً. جاء ذلك في أعقاب قرارات الوزيرة ريغيف فيما يتعلق بتمويل مسرح الميدان بسبب عرضه مسرحية "الزمن الموازي"، وتصريحها حول دراسة استمرار الدعم المادي لمهرجان السينما في القدس لنيته عرض فيلم وثائقي عن "ييجال عامير".
وفي رسالة المستشار القضائي لجمعية حقوق المواطن، المحامي دان ياكير، جاء انّ وزيرة الثقافة ليست حاكمة على الثقافة وليست رقيبة عليها. وأضاف: "وظيفة وزارة الثقافة مساندة ودعم الثقافة والفن وليس خنقهم؛ من وظائف السينما والمسرح التعامل مع قضايا شائكة ومثيرة للجدل والتشجيع على التفكير النقديّ، وليس من وظيفتهم تشجيع شرعية الدولة او الحفاظ على"الصورة الحسنة" لجنود الجيش الاسرائيليّ".
 وأكد ياكير أنه يحق لوزارة الثقافة منع تقديم الدعم المادي فقط في حال حرّضت الأعمال الفنية على العنف او العنصرية. عدا عن هذه الحالات النادرة، تُمنَع وزارة الثقافة من التدخل في مضامين او مواضيع الأعمال الفنية.
وأشار المستشار القضائيّ للجمعية الى ان جمهور الفنّانين في إسرائيل يشعر بالتهديد في الأسابيع الأخيرة بعد الهجمة المستمرة على حرية الانتاج وحرية التعبير. على الرغم من وجودهم في الواجهة في هذه اللحظة، إلا ان هذا التهديد يطال الديموقراطيّة الاسرائيليّة.
وأضاف "إنّ حرية التعبير عن الرأي هي حق أساس مكفول لكافة الجمهور: يحق للفنانين حرية ثقافية للانتاج الفني، ويحق للجمهور العام الانكشاف على الأعمال الفنية بكافة أشكالها ومضامينها".


عدنان طرابشة: نتحدث عن قصة مناضل فلسطيني وليس عن إرهابي!
يفنّد مدير مسرح الميدان عدنان طرابشة هذه المزاعم، ويشير في حديثه لـ"القدس" إلى أن المسرحية التي كتبها وأخرجها بشار مرقس مستوحاة مما كتبه الأسير وليد دقة ومن تجربته وزملائه في السجن.
ينفي طرابشة الادعاء بأن المسرحية تروِّج للقتل، مؤكدًا أنها تستعرض قصة إنسانية لأسير ظل حبيس السجن لثلاثين عامًا، أراد خمسة من زملائه مفاجأته -بعدما أتاحت له سلطة السجون الزواج- فصنعوا له عودًا نجحوا في تهريب قطعه الخشبية، موضحًا أن وليد دقة -الذي يعتبره الإسرائيليون "إرهابيا"- هو بالنسبة للفلسطينيين مناضل وأسير سياسي.
ويذهب طرابشة إلى القول بأن "الحملة ضد مسرح الميدان لا تهدف إلى المساس بـ"الزمن الموازي" فحسب وإنما هي محاولة للنيل من الثقافة الفلسطينية في الداخل ومسخها إلى ثقافة "عربية إسرائيلية" مشوهة، انسجامًا مع مشاريع يهودية الدولة المحمومة"، على حد قوله.
الحرب الديمغرافيّة التي يدخل في نطاقها تجديد العمل بقانون منع لم الشمل العنصري الذي يساهم في تشتيت شمل مئات العائلات الفلسطينية على جانبَي الخط الاخضر تتوج بحرب ريجيف وبينيت وغيرهما من أنماط بشرية ومؤسسات عنصرية على الجبهة الثقافية باتت تكوّن لبِنات في مداميك دولة الأبرتهايد التي تتشكّل على كامل حدود فلسطين التاريخية.


نيران العنصرية تتأجّج في طبريا!
أثار الاعتداء على كنيسة (الخبز والسمك) التي تعرّضت للحرق، صباح الخميس، 18/6/2015، ردود فعل غاضبة حيث اعتبرت أوساط في الكنيسة الكاثوليكية هذا الاعتداء أنه استمرار للاعتداءات التي شهدتها السنوات الأخيرة على الأماكن المقدسة والتي لم تلقَ الرد المناسب من الحكومة والمؤسسة الإسرائيلية. وقام سفير ألمانيا لدى الكيان المحتل، أندراس ميخاليس، بزيارة تفقدية للكنيسة التي يعود تأسيسها للقرن الرابع الميلادي، اطلَع خلالها على آثار الاعتداء.
من جهتها أدانت القائمة العربية المشتركة، التي جمعت 13 عضو كنيست عربي، العمل الإجرامي الذي قامت به  عصابات "تدفيع الثمن الإرهابية" في كنيسة الطابغة. وطالبوا بالتحقيق في هذه الجريمة وكشف المسؤولين عنها وتقديمهم للعدالة.
وجاء على لسان النائب في الكنيست د.باسل غطاس، في تصريحٍ خاص لـ"القدس": "إنّ الفعل الإجرامي للجماعة الإرهابيّة اليهودية الدينية لا يفرق بين الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين، والتعصُّب الديني يثبت أنه لا يولّد سوى العنف والإرهاب والحروب"، مشيرًا إلى أن عصابات تدفيع الثمن تنمو وتقوى بسبب الفشل المدوّي لأجهزة الشرطة والأمن في الكشف عن الـجُناة وتقديمهم للمحكمة، ومضيفًا "إنّ هذا الفشل في حد ذاته يتطلّب التحقيق وسأتوجه في الأيام المقبلة لمراقب الدولة مطالبًا إياه بالتحقيق في هذا الموضوع".
بينما عقّب رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس سيادة المطران عطا الله حنا لـ"القدس" قائلاً: "إنّ إحراق الكنيسة التاريخية في الطابغة على ضفاف بحيرة طبريا إنما هو عمل إجرامي عنصري، والشعارات التي كتبها الفعَلة على جدران الكنيسة والدير تدل على هويتهم وأفكارهم الإقصائية العنصرية الهمجية" .
وقال المطران عطالله حنا، بطريرك الروم الأرثوذكس، إن "الاعتداء على كنيسة الطابغة كما غيره من الاعتداءات على مقدساتنا وأوقافنا إنما هي جرائم نكراء يجب أن يرفضها وأن يُندّد بها كل العقلاء ذوي الإرادة الطيبة".
 وأضاف: "إذا كان هدف أولئك المتطرفين المستوطنين هو إيصال رسالة إلينا بأننا يجب أن نرحل عن هذه الديار فنحن نقول لهم ولمن يمولهم ويشجعهم على أفعالهم القبيحة بأننا سنبقى في بلادنا وسنبقى ندافع عن مقدساتنا، وهذه الممارسات العنصرية لن تزيدنا إلا ثباتًا وتمسُّكًا بانتمائنا لهذه الأرض ودفاعنا عن مقدساتها وتراثها وهويتها وأصالتها".
وقد تعرّضت الكنيسة الواقعة على الضفاف الشمالية لبحيرة طبريا لاعتداء عنصري، حيث أضرم متطرفون يهود النار فيها وخطوا شعارات بالعبرية تدعو إلى "إبادة الأغيار". وتسبب الحريق بأضرار جسيمة للكنيسة.
يذكر أن الكنيسة كانت قد شهدت في نيسان/أبريل من العام الماضي اعتداءً آخر، حيث قام مجهولون بإلحاق أضرار بأحد الصلبان المرفوعة في فناء الكنيسة وبعدد من المقاعد.