خاص مجلة "القدس" العدد 315-حوار /عدي غزاوي- رام الله

في العام 1993 تم توقيع اتفاقية اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل. ونتيجةً لاتفاقية اوسلو تم توقيع بروتوكول باريس او ما يُعرَف باتفاقية باريس التي هدفت الى تنظيم العلاقة الاقتصادية بين اسرائيل والفلسطينيين في الضفة وغزة - كون الاقتصادَين متداخلَين في امور عديدة- لمدة خمس سنوات، يتم بعدها اجراء تقييم ، وعقد اتفاق جديد ينظّم التواصل بين الاقتصادَين. لكن العمل بالاتفاقية استمر لـ21 عامًا ظهرت خلالها العديد من المشكلات التي اضرّت بالاقتصاد الفلسطيني ما دفع العديد من الجهات للدعوة لإلغائها. ومن هنا التقت مجلة القدس وكيل وزارة المالية مجاهد سلامة للحديث حول ايجابيات وسلبيات اتفاقية باريس وامكانية استقلال الاقتصاد الفلسطيني عن الاسرائيلي.

 

مع تصاعد الأصوات المطالبة بإلغاء اتفاقية باريس، هل لك أن توضح لنا ماهية هذه الاتفاقية؟
بروتكول باريس جاء استكمالاً للاتفاق السياسي أي اتفاق اوسلو الذي انبثق عنه برتكول باريس الاقتصادي لتنظيم العلاقة الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل بشكل خاص وتنظيم الامور التجارية كمسائل الاستيراد والتصدير بين فلسطين والخارج، بالاضافة الى بعض الملفات المتعلّقة بفلسطين وإسرائيل، كالعلاقة التجارية بين التجار الفلسطينيين والتجار الاسرائيليين وآليات الاستيراد من خلال الموانئ الاسرائيلية، علمًا أننا كسلطة منذ اتفاق اوسلو وحتى هذه اللحظة لم نستلم شيئًا وإدارة الموانئ والمعابر بقيت بيد اسرائيل. وبالتالي فهذا بالاطار العام ينظم المسائل الجمركية والضريبية وكل الخدمات الصحية التي نتلقاها من الجانب الاسرائيلي، ومسائل المياه، والسيطرة الكلية للمياه السطحية والمياه الجوفية في المناطق (ج) وفي داخل اراضي الـ(48)،  وهذا الاختصار بشكل عام لبرتكول باريس، حيثُ أن كل ملف له تفاصيل كثيرة وتعقيدات هائلة وبالذات مع الاسرائيليين فالصعوبة معهم بالتفاصيل.


ماذا استفاد الفلسطينيون من اتفاقية باريس الاقتصادية؟
للاتفاقية سلبياتها و ايجابياتها، ولكن ان قيّمت برتكول باريس الاقتصادي في سياقه التاريخي فقد كان له الكثير من الايجابيات. فهو اساس في بناء اقتصاد فلسطين وايجاد علاقة اقتصادية مع اسرائيل بشكل رئيس ومع دول الجوار بشكل عام والعالم الاخر. وفي تلك الحقبة الزمنية أي في العام 1994، وفي ظل الظرف التاريخي والسياسي والاقتصادي وما نجم عن اوسلو كانت الاتفاقية تلبي الحد الادني من متطلبات السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي حينها كان المقرر ان اوسلو واتفاقية باريس الاقتصادية هما لفترة زمنية مؤقتة لا تتجاوز الخمس سنوات وبالتالي كانت في هذا السياق تنظّم العلاقة الاقتصادية لفترة انتقالية، وبعد 21 سنةً لا تزال السلطة موجودة والاتفاقيتان قائمتين، ولكن الخروقات من الجانب الاسرائيلي  مستمرة، وكان من المفروض بعد الخمس سنوات ان يتم التطوير والبناء على الاسس التي نصتها اوسلو واتفاقية باريس لتطوير الاقتصاد الفلسطيني وتطوير الامور السياسية والوصول الى دولة وبالتالي عندما تصل الى دولة تصبح مستقلاً سياسيًا واقتصاديًا وتنظم الامور الاقتصادية بشكل خاص بدون علاقة مع اسرائيل ولكن هذا للاسف لم يحصل.
من بنود الاتفاقية وجود لجنة اقتصادية فلسطينية- إسرائيلية مشتركة (JEC) تقوم بمراجعة ما يجب تغييره باتفاق الجانبين. فهل تعمل هذه اللجنة حاليًا؟
شُكّلت هذه اللجنة من ضمن اتفاق باريس الاقتصادي وهي تجتمع بشكل دوري كلما استدعت الحاجة للبحث في العراقيل والمشكلات التي تنجم على ارض الواقع. فبروتكول باريس الاقتصادي تمت صياغته على تفاصيل، ولكن عندما تأتي وتُطبّق ذلك بشكل ميداني يومي ينتج عن ذلك مشكلات لم تُؤَخذ بالحسبان. ومن هنا كان الاتفاق على تشكيل هذه اللجنة وعلى ان يرأسها وزير الاقتصاد الفلسطيني في حينها ووزير الاقتصاد الاسرائيلي واعضاء في اللجنة لكي تتابع التطورات وتعالج المشكلات المستجدة في طبيعة الامور التي ينظمها اتفاق باريس. وبقيت هذه اللجنة قائمة الى العام 2009، وبعد ذلك لم تجتمع هذه اللجنة مع بداية انتفاضة الاقصى واسرائيل تنصّلت من اتفاق باريس الاقتصادي واتفاقية اوسلو واصبحت تطبّق الامور من جانب واحد وجُمِّدت اللجنة ولم تجتمع حتى هذه اللحظة.
هل لك أن توضح لنا تفاصيل موضوع المقاصة وتهرُّب اسرائيل وبعض التجار الفلسطينيين منها الذي يُعدُّ من أبرز المشكلات التي تواجه السلطة؟
بداية لا بد أن نوضح أن هناك اقتصادًا متداخلاً ما بين اسرائيل وفلسطين وان معظم التجار الفلسطينيين يستوردون السلع من الجانب الاسرائيلي، والجزء الآخر يتم استيراده من الخارج. ورغم الاعاقات التي تفرضها اسرائيل على تجارنا فانهم يأخذون على عاتقهم استيراد السلع التي يستطيعون استيرادها من الخارج. وبالنسبة للمقاصة فهي ضريبة قيمة مضافة على السلع والخدمات والبضائع التي يشتريها التاجر الفلسطيني من تجار اسرائيليين، فيأخذ فاتورة مقاصة وتكون بنسب متفاوتة تتراوح ما بين 15% إلى 18%، وهذه الضريبة التي يدفعها التاجر الفلسطيني الى التاجر الاسرائيلي هي من حق الخزينة الفلسطينية ومن حق التاجر الفلسطيني، وبالعكس ايضًا  فإن التاجر الاسرائيلي الذي يشتري من التاجر الفلسطيني يصدر بحقه فاتورة مقاصة في نهاية الشهر، وفي النهاية يتم قياس بكم باع التجار الفلسطينيون للتجار الاسرائيليين والعكس، ويتم إجراء محاسبة وخصم لصالح اسرائيل، وبالتالي تكون هذه مبالغ المقاصة التي يجب ان تحوّل لخزينة السلطة من اسرائيل وهي مجموع ما دفع التجار الفلسطينيون من ضريبة القيمة المضافة على السلع المستوردة، وبالاتفاق فإن اسرائيل كمصاريف ادارية لها تجمّد هذه الاموال وتأخد 3% كـأجور ومصاريف تشغيلية. هذه تمامًا المقاصة بالاضافة الى الجمارك والضرائب على البضائع المستودة من الخارج، حيثُ أننا كسلطة فلسطينية ليس لدينا موانئ والمعابر كلها يسيطر عليها الجانب الاسرائيلي، وبالتالي يستورد التاجر الفلسطيني من الخارج عبر الموانئ الاسرائيلية مما يفرض ضرائب وجمارك على البضائع المستوردة عبر هذه الموانئ.


هل لديكم ارقام تقديرية لعدد التجار الذين لا يسلمون ورقة المقاصة للسلطة لكي تطالب اسرائيل بها وعن المخاسر المقدرة؟
مناطق السلطة الفلسطينية حاليا 60% منها تُعدّ مناطق (ج) ولا يوجد سيطرة امنية فلسطينية على هذه المناطق، وفيها مجموعة كبيرة من التجار والمشاغل، كما أنه لا سيطرة للسلطة الفلسطينية حتى على حدود الضفة الغربية، واي تاجر فلسطيني يُدخل البضائع واذا لم يبادر ويسلّم فاتورة المقاصة لدوائر الضريبة بالسلطة الفلسطينية واخفاها فإن المستفيد الوحيد من ذلك هو الخزينة الاسرائيلية، وهذه جريمة وطنية بامتياز. وحاليًا نحاول تعديل البروتوكول واعادة هيكلته بشكل تام لأنه اصبح باليًا ولا يخدم المرحلة، لكنه الشكل الاساسي والرسمي الذي تستند اليه العلاقات مع الاسرائيليين.


إلى أي درجة جعلت هذه الاتفاقية الاقتصاد الفلسطيني تابعًا للاقتصاد الاسرائيلي؟
اتفاقية باريس أوجّدت ارتباطا وثيقًا ودائمًا بين الاقتصاد الفلسطيني والاقتصاد الاسرائيلي، وجعلته تابعًا للاقتصاد الاسرائيلي لأنها أوجدت غلافًا حمركيًا موحّدًا، بمعنى أن السيطرة الجمركية اصبحت للجانب الاسرائيلي لعدم سيطرتنا على المعابر، مما يعني أن النسب الجمركية الاسرائيلية على البضائع المستوردة التي يخضع لها الاسرائيليون يخضع لها الفلسطينيون، والجانب الفلسطيني غير متحكِم بها.
وحتى في ضريبة القيمة المضافة فالجانب الفلسطيني لا يستطيع ان يرفعها او يخفّضها على الفلسطينيين الا بنسبة 2% فقط، على الرغم من أن مستوى الدخل للفلسطينيين متدنٍ نسبة لدخل الاسرائيليين، حيثُ أن الحد الادنى للاجور في فلسطين يبلغ 1400 شيكل، مقابل 4500 شيكل في إسرائيل، ولو نظرنا الى اسعار البضائع ما بين اسرائيل وفلسطين وبالذات السلع الاستهلاكية والخدمات الاساسية الاساسية كالكهرباء والمياه والمحروقات، والتي هي اساس الانتاج والصناعة، نجد ان الفلسطيني يدفع مثل الاسرائيلي رغم اختلاف الدخل والاقتصاد، وذلك له تأثير أيضًا على الانتاج الفلسطيني لأن ارتفاع سعر المواد الخام يعني انتاج سلعة ذات سعر مرتفع، وكذلك فإن الضريبة نفسها تُفرّض علينا، وبالتالي يفترض بالدولة ان تكون هي متحكمة بنسبة الضرائب وفقًا للاقتصاد وللدخل القومي. كذلك نحن مقيّدون بالاستيراد فبعض انواع السلع يجب ان يكون هناك موافقات عليها من الجانب الاسرائيلي بالاضافة الى العراقيل الاخرى مثل  الفحص الامني حتى انهم يضيقون الخناق على التاجر الفلسطيني لكي يبقى معتمِدًا على الاستيراد من الجانب الاسرائيلي .لذلك نعمل على التحرر من الغلاف الجمركي الموحّد، لكي يتناسب مع الوضع الاقتصادي الفلسطيني وطبيعة دخل الفرد والناتج القومي المحلي الذي يتناسب والمنظومة الاقتصادية.
وفي الآونة الاخيرة نجحنا كوزارة مالية وادارة جمارك بالانتساب كأعضاء الى منظمة الجمارك العالمية، ومن هنا الى نهاية الشهر نصبح عضوًا رسميًا في منظمة الجمارك العالمية، وهذا يؤدي الى ان يصبح لديك منظمة جمارك تذهب اليها من اجل ان يكون لديك استقلالية في الجمارك والضرائب بمعزل عن اسرائيل مما سيمكننا من تخفيض انواع معينة من الجمارك على السلع الاساسية والاستهلاكية.


كيف حاولت السلطة حل الاشكاليات الاقتصادية الناتجة عن اتفاقية باريس ضمن انقطاع التواصل فيما بينها وبين الجانب الاسرائيلي؟
كانت هناك مساعٍ كثيرة لحل الاشكاليات المتعددة. أولاً، عبر التكيُّف مع هذه الاشكاليات، وثانيًا من خلال التمرد على بعض الاجراءات الاسرائيلية، وهذا ما حصل في الاونة الاخيرة،  كموضوع مقاطعة البضائع الاسرائيلية والاعتماد الفلسطيني على المنتج الوطني الفلسطيني او على الاستيراد المباشر من الخارج،  وتشجيع التاجر الفلسطيني على الاستيراد من الخارج سواء أكان من الدول العربية او الاوروبية او من كافة دول العالم رغم العراقيل الاسرائيلية التي تكبّل المستورِد الفلسطيني.
ولأفصّل في بعض النقاط أبدأ بأننا داخليًا عملنا على تشجيع المنتَج الوطني الفلسطيني باجراءات عديدة، وهناك قرارات للحكومة بهذا الاتجاه، حيث ان المنتج الوطني الفلسطيني في كل عطاءات السلطة الفلسطينية له افضلية 15% عن غيره من المنتجات الاسرائيلية او الـمُستورَدة، اي ان العطاء يرسي على المنتج الوطني اذا كان يزيد بالسعر عن اي منتج اخر حتى لو زاد السعر بقيمة اعلاها 15% .
أما الجانب الاخر الذي سعينا من خلاله لتقوية الاقتصاد فكان عبر استراتيجيات تعمل على تشجيع الاستثمار في فلسطين  خلال الثلاث سنوات التي مضت حيثُ اصدرنا اكثر من ثلاثة تعديلات على قانون تشجيع الاستثمار الذي وُضِع لتشجيع الاستثمار الفلسطيني من خلال تشجيع الفلسطيني الذي يعيش في الخارج على لاستثمار في فلسطين، وهو نوع من تقوية الاقتصاد الفلسطيني على الجانبين سواء في خطوط الانتاج والخدمات او في تشغيل الايدي العاملة في فلسطين، إذ ان  نسبة البطالة في فلسطين تبلغ تقريبًا 25% إلى 27%،  وبالتالي فكلما شجّعت المستثمرين داخليا او خارجيا فأنت تساعد في تشغيل الايدي العاملة وتخفّض نسبة البطالة، وهذا يحرك الاقتصاد الفلسطيني، وهذه جوانب اساسية تركز عليها السلطة في دعم المنتج الوطني وتهيئة بيئة خارجية مريحة للمستثمِر .


برأيكم هل نحن جاهزون لإلغاء هذه الاتفاقية؟ وفي حال تم ذلك ما هو البديل؟
الغاء هذه الاتفاقية مرتبط بوجود السلطة او عدم وجودها.  فوجود السلطة ينظم محدَّدين. اولا الموضوع السياسي الذي يرتبط باتفاقية اوسلو. وثانيًا الموضوع الاقتصادي المتمثّل بموضوع باريس من جانب السلطة الوطنية . فإذا قلتَ انك لا تعترف باوسلو او باتفاقية باريس بالتالي انت ذاهب الى حل السلطة الفلسطينية ولكن هل هذا هو خيار السياسي الفلسطيني الآن؟ على المستوى السياسي نحن ندرس هذه المسائل لكن الى متى سنظل مرتبطين مع اسرائيل في هذه الامور. الوضع السياسي مغلَق وقاتل في ظل مواصلة الاستيطان ومصادرة الاراضي والخروقات الامنية والحصار وعدم التقدم في الافق السياسي واحيانا حجز اموال المقاصة، وكل هذه الأمور طرحت تساؤلات على المستوى السياسي الفلسطيني، إلا أنه في حال قلنا أننا لا نريد بروتوكول باريس الاقتصادي فهذا يعني انه تصرف احادي الجانب قد تستغله اسرائيل في حصارنا بشكل اكبر، ولكن يبقى ذلك قرارًا سياسيًا مرتبطًا بكل مقايس المنظومة السياسية والاقتصادية .