نعلم جيدا معنى اشعال جبهة قمع واخضاع واذلال وتهديد وارهاب بوجه المثقفين الفلسطينيين، فنحن على يقين ان اسما فلسطينيا مبدعا وطنيا تسلط عليه الاضواء في ميادين الابداع الوطنية او العربية او العالمية, يعني انحسار مساحة العتمة الفكرية والثقافية عند الجماهير الفلسطينية, ويعني كذلك ضعف قدرة المعنيين بديمومة سيطرتهم على الغالبية العظمى من المواطنين بمفاهيمهم (المقولبة) والمقولبة للدين والحياة المعاصرة, المعادية لمنهج الديمقراطية, والانفتاح على العالم وحوار الثقافات, فهؤلاء معنيون بتكريس (مفاهيم الجماعة) كثقافة وطنية وهذا لن يحدث مادام في الفلسطينيين مثقف وطني حر واحد, فالفكرة النبيلة, المستلهمة من روح الثقافة الانسانية, المتكونة كالجواهر في قلب الجبال الصخرية, والمستخرجة عبر عقل الانسان المسالم المحب, ككنوز لاغناء وعي الانسان بقيمه وقيمته وحقوقه, واسباب ارتقائه وسموه.. الفكرة الحرة الانسانية النبيلة لا تفنى حتى لو سلطت عليها كل اسلحة الدمار الشامل !.
قبل اسابيع اعجبني تصدي مثقفين في غزة لمحاولة ارهابهم ببيان تهديد بالقضاء على حياتهم الفكرية والشخصية والبدنية حمل اسم داعش, فاصدروا بيانا اطلقوا فيه شرارة التحدي، فكان موقفهم مشرفا بحجم ايمانهم بكينونتهم الانسانية الخلاقة, التي لاتسمح لأحد باذلالها او اخضاعها او تخويفها او ارعابها, فالمثقف اساس بنيان المجتمع اذا تاثر بالعوامل او انزاح بارادته عن مكانه ومكانته الطبيعية, فان البنيان سينهار حتما مهما طالت عملية التشقق والانكسار.
"بامكانك السفر الان" هذا ما قالوه للدكتور الاديب عاطف ابو سيف, ليس اكراما لشخصه او ابداعه الادبي، وانما ( كرمال عيون ) القيادي احمد يوسف الذي تدخل لرفع حظر حماس على سفر ابو سيف من قطاع غزة, فسمحوا له ولكن بعد فوات الأوان، اي بعد الاعلان عن نتائج الجائزة وفوات موعد ندوته في اطار فعاليات معرض الكتاب.
منعه (قرار سياسي ) صدر من قيادة حماس بغزة من السفر عبر حاجز بيت حانون الى المملكة المغربية الشقيقة لعمل ندوة في معرض الكتاب الدولي بالمملكة المغربية الشقيقة حيث تشارك فلسطين كضيف شرف, ولحضور الاعلان عن جائزة البوكر العربية الدولية التي يشارك فيها ابو سيف برواية "حياة معلقة". 
فروايته وصلت الى النهائيات وكان متوقعا فوزه بالجائزة الاولى بعد ان صعدت الى القائمة المصغرة التي تضم ست روايات فقط، علما ان الجائزة تعتبر من اكبر التظاهرات الأدبية الثقافية للرواية العربية. 
راى النقاد ان وصول رواية حياة معلقة للروائي الفلسطيني عاطف ابو سيف الى نهائيات هذه الجائز مفخرة ادبية فلسطينية الى جانب افتخارنا بعمالقة ثقافة فلسطينيين في الادب والشعر والفنون.. ونرى نحن ان منع ابو سيف يعني ابقاء حياة الفلسطينيين في قطاع غزة معلقة بين حصارين : حصار الاحتلال وطوقه الخارجي, وحصار خصوم الثقافة والادب والعقل الانساني المبدع 
لو كانت قيادة حماس معنية بفك الحصار عن شعبنا في غزة فعلا, لما منعت الروائي ابو سيف وهو الفلسطيني الوحيد المشارك في هذه الجائزة من الوصول الى بيت حانون والمرور عبر الوطن, والوصول الى المغرب الشقيق, واكمال مهمته الانسانية الثقافية بمهمة وطنية, فلعل العالم يسمع من الاديب الخارج من الحصار فصول المعاناة الحقيقة من آثار العدوان الاسرائيلي, وجريمة الحرب ضد الانسانية التي شنتها دولة الاحتلال اسرائيل على شعبنا في القطاع, لكن ما يجب ان يعرفه الجميع, ان الخصومة مع الثقافة هي السبب الرئيس للانقسام, الخصومة مع ثقافة الانتماء الوطني الانساني, مع ثقافة الحرية والتقدم والتسامح والسلام والمحبة, ثقافة الديمقراطية, والحقوق والواجبات, فما حدث ان سلطة الأمر الواقع بغزة قد وضعت مسدسها على طاولة ( بوكر ) الرواية العربية الدولية ونجحت بتعطيل مسار الرواية الفلسطينية مؤقتا لكنها لن تنجح, بتعطيل الرواية الفلسطينية الام, رواية الوطن الواحد والشعب الواحد والامل والهدف الواحد, والمصير الواحد, والدولة الواحدة بقدسها ومقدساتها. رواية الانسان المبدع وهو اغلى ما نملك.