بيان حركة حماس، المقتضب، الذي أدان قتل المواطنين المصريين المسيحيين، هو خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح. وما زال الكثير المرتجى من هذه الحركة، داخلياً وخارجياً، لبناء جسور كثيرة. ذلك لأن المشكلة في العقلية المغلقة التي تغاضت عن المعطيات الإقليمية والدولية وتمسكت بمحاكاة نفسها. فالسماحة التي تحدث عنها بيان حماس ينبغي أن تكون موصولة بثقافة أو أن تنبثق عن محددات يجد الفلسطيني نفسه مضطراً للالتزام بها. فنحن شعب مظلوم ومحاصر واراضيه محتلة، وفقير يحتاج الى العون، ويتوجب على السياسات، بدل أن تفاقم حياته، أن تسعى لفتح الآفاق له، وحتى إن كان الحديث يتعلق بالمقاومة. فحتى المقاومة الوطنية ذات القضية العادلة، ستكون مستحيلة إن كان المجتمع يئن ويشقى وتصعب عليه ممارسة أبسط حقوقه. وفي حال انفتاح الآفاق، تكون أولى الواجبات حماية معنى المقاومة من الخلط والتشويه، لكي لا يحسبها الأقربون والأبعدون، على تيار الجماعات الإرهابية. بالتالي، لا بد من حسم الموقف، حيال كل ما يجري في الوطن العربي من أعمال قتل مارقة وحقيرة تخالف السماحة والوطنية. وإن كان الأقربون أولى بالمعروف، فلا بد من إدانة القتل في سيناء، وهو يعصف ببلد شقيق قدم شعبه آلاف الشهداء على طريق فلسطين. 
البيان الحمساوي الذي في الاتجاه الصحيح، تضمن إشارة كان الأجدر بحماس أن تتحاشاها، وحبذا لو كان البيان أوضح وأطول، لأن المصريين الأقباط لم يقاتلوا المسلمين بقيادة عمرو بن العاص عندما جاءهم فاتحاً، ولأن المسلمين الأوائل كانوا يتحلون بثقافة الدولة الجامعة لكل مواطنيها. وكانت الدولة، أياً كانت صيغتها، هي التي وفرت للإخوة المسيحيين، في الأوطان العربية، على امتداد السنين، الأمن والأمان وحقوق المواطنة. وليت حماس شرحت في بيانها الأسانيد الشرعية التي توضح للناس مدى الشطط والمروق في ممارسات داعش وأشباهها. تماماً مثلما شرح منظرو "القاعدة" رأيهم السلبي في جماعة "الإخوان" وكتبوا كثيراً ومراراً. فإن كانت الجماعة في مصر، قد أوقعت نفسها في مأزق الصراع مع الدولة، في الوقت الذي تضرب فيه السلفية الجهادية، فضيّعت الخيط الضروري الفاصل بينها وبين من يقتلون ويفجرون؛ فالأجدر بحماس، ومن واقع الخصوصية الفلسطينية واستثناءاتها، أن تتمسك بهذا الخيط الفاصل، وأن تتبرأ من أعمال الإرهاب في مصر.
ربما تكون الدولة المصرية، حسب علمنا، قد حسمت أمرها سلباً حيال حماس، وهذا أمر مؤلم لا يسرنا أن يطال فصيلاً فلسطينياً. فقد تأخرت حماس ولا زالت تستنكف عن تسجيل الخطوة الواجبة، وهي أن تمتنع عن أية إشارة مزعجة للدولة التي ارتبطت حياة قطاع غزة بها ممراً ومستقراً وطبابة وتعليماً وأعمالاً ووثائق قربى. فهي، كحركة لها قضية محددة، عندما كانت تحتاج الى الدولة السورية، التي تعاقب الإخواني بالإعدام بموجب الدستور، استثنت نفسها من عداء الجماعة للنظام، وأنشأت علاقات تعاون مع النظام، وافتتحت مقرات ومعسكرات وحظيت بحرية العمل في المخيمات الفلسطينية. كان الأجدر أن تفعل ذلك على صعيد العلاقات الداخلية، وعلى صعيد علاقاتها مع مصر، وأن تتحاشى الصراع والخصومة. 
نأمل أن يكون للبيان الحمساوي الذي يدين بشدة، قتل المواطنين المصريين في ليبيا، ما بعده من خطوات تُكرّس براءة فلسطين والفلسطينيين من كل قطرة دم تسفك في مصر الشقيقة وتسهم في عزل الخونة والمجرمين الذين أدخلوها في أتون هذا الإرهاب!