هناك وقت وجهد كبير يتم هدره على فهم وتحليل التناقضات والخلافات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، بين بايدن ونتنياهو، وعلى فهم التناقضات والخلافات الداخلية في إسرائيل ذاتها. والملاحظ أنه ليس العامة من يبالغ في مضغ ولوك الأخبار المتعلقة بهذه التناقضات، ولكن أيضًا المعلقين والمحللين السياسيين، بالإضافة إلى عدد لا بأس به من القادة السياسيين، على سبيل المثال خطابات نصر الله، وخاصة خطابه الأخير هو عبارة عن نشرة أخبار من الصحافة الإسرائيلية. بالطبع لكل من هؤلاء أسبابه وأهدافه، الناس العاديون يبحثون عن أمل بين سطور أخبار التناقضات، ومحللي شاشات التلفزة، فهذه مهنتهم، التي في اغلبها تدخل في لعبة القنوات من حيث أجنداتها أو أنها بحاجة لمن يملأ ساعات البث الطويلة. إن القادة السياسيين من العرب والعجم ومن حولهم فهم بالأساس إما يريدون تغطية غياب فعلهم، أو أنهم يبيعون للجمهور وهم صناعة النصر عبر التركيز على التناقضات لعلها تكون من يوقف الحرب، وبعدها يسارعون لاعلان نصر لم يصنعوه بذراعهم.
وقبل أن نذهب لوضوح التاريخ؛  لفهم الحاضر وما يلفه من ضباب، لا بد من تأكيد أهمية كبيرة لمن يعمل بالسياسة والاعلام، وحتى الإنسان العادي، أن يلاحظ التناقضات والخلافات والاختلافات بين الأطراف التي تقف في الخندق المعادي، بالنسبة للسياسيين هذا امر من اجل استخدام هذه التناقضات وبناء المواقف والسياسات التكتيكية، والعمل بمهارة وذكاء من أجل تعميقها بقدر ما يكون ذاك مفيدًا، في الحالة الفلسطينية أن تقود فعلاً لوقف الحرب.


هناك حاجة لمعرفة طبيعة العلاقة بين الصهيونية كفكرة ومشروع والامبريالية في الحقبة التاريخية التي تأسست فيها الصهيونية وتبلورت، وقبل كل شيء ربما علينا أن نتذكر أن الصهيونية ذاتها هي منتج أوروبي، بمعنى أن هذه الحركة ورغم أنها تأسست بهدف ايجاد حل للمسألة اليهودية التي استفحلت في أوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأنها حملت نفس المزايا الفكرية المنتشرة هناك، العلمانية، والقومية والعرق، وإحياء أو إنشاء قومية وشعب عبر العودة للتاريخ واللغة والدين، في وقت تفشت فيه النظريات العنصرية للعرق النقي.
قبل عشر سنوات صدر في إسرائيل كتاب في غاية الاهمية عنوانه "الصهيونية والامبراطوريات" والفكرة الرئيس للكتاب هي أن الحركة الصهيونية الوليدة في نهاية القرن التاسع عشر  كانت تدرك أن أهدافها لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تبني إحدى الإمبراطوريات الكبرى لها، وبالمقابل اكتشفت الامبرياليات أهمية الصهيونية في تحقيق أطماعها في الشرق، فالتحالف هو تحالف عضوي يكاد لا ينفصل. وإسرائيل بعد تأسيسها كانت تدرك أنها لن تبقى في الشرق الأوسط دون تحالف قوي، أو حتى رعاية تامة من دولة عظمى صاحبة القرار الأقوى على الساحة الدولية، بالمقابل ترى الولايات المتحدة والغرب وأوروبا عمومًا أن إسرائيل من الناحية الثقافية هي أصل وجذر حضارتها، وأنها تمثل القلعة في خط المواجهة الأول مع هذا الشرق المختلف أو الذي يمثل الآخر.


زعيم التيار التصحيحي اليميني في الحركة الصهيونية جابوتنسكي قال مخاطبًا أوروبا "إسرائيل ستكون امتدادكم الطبيعي، إنها قلعتكم الأمامية". هناك بعد ثقافي وحضاري، وبعد بنيوي واستشراقي، بالإضافة إلى الحاجة الدائمة لحل المسألة اليهودية عبر وجود دولة إسرائيل، والحاجات اللاهوتية المتعلقة بالمسيحية الصهيونية، وارتباط الوجود اليهودي في فلسطين للتحضير لمجيء المسيح المنتظر.
هناك خلافات وفوراق وهي بالتأكيد موجودة، لكنها لن تصل إلى درجة التخلي عن إسرائيل وضمان أمنها وتفوقها على جيرانها، من هنا لم تنجح حتى الان الجهود لوقف الحرب، فالعلاقة بين إسرائيل والدول الامبريالية علاقة عضوية، والفوارق والاختلافات ما هي إلا خلافات سياسية وفكرية داخل الحالة الامبريالية ذاتها، بمعنى كما هي الاختلافات ببين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، أو بين معسكر غانتس- لابيد من جهة والليكود والصهيونية الدينية في إسرائيل. والخلاف له اعتبارات وتفاصيل معقدة تحتاج الى مقال مختلف، ولكن أحد أسباب الخلاف هو سمعة إسرائيل الأخلاقية، وكونها دولة ديمقراطية. فهذان الاعتباران قد سقطا تمامًا في حرب الإبادة البشعة والوحشية في قطاع غزة.