اقتباس: "الأهم هو الوعي لحقنا ولمحافظتنا على كل ما يربطنا بفلسطينيتنا، ولنأخُذ ما تقوم به المنظمات اليهودية التي تدفع نحو 500 مليون شيكل كنموذج نستفيد منه نحنُ أنّ الحق لا يأتي سهلاً، بل يجب انتزاعه من الدولة ومِن المنظمات الدولية وبينها اليونسكو".

اقتباس: "كان على الجولة إشراك السكان المحليين في عسفيا والدالية بصنع القرار، وعليها استشارتهم في كل صغيرة وكبيرة، وفق القانون الدولي، لكن فعليًا لم يجرِ ذلك، رغم أنها خلال فتراتٍ متباعدة تعد المجالس بجلسة نقاش، لكنها تكون في العادة عابرة وقصيرة وغير مهنيّة"

بحثٌ جديد لطالب الدكتوراه في جامعة بيرن- سويسرا، الفلسطيني رامز عيد، وهو من مواليد بلدة عيلبون في منطقة الجليل الفلسطينية، الذي يدرّس في قسم علوم الانتربولوجيا للقانون (علم الإنسان)، ويتطرّق البحث إلى العلاقة بين الإنسان والمكان، خاصةً بِما يتعلّق بالمناطق الأثريّة التي أضافَتها منظمة "اليونسكو" العالمية، كمعلمٍ تاريخي عالمي.

في لقاءٍ أجرته مراسلتنا مع الباحث رامز عيد، تحدث عن أهمية البحث، وعن العلاقة الوثيقة بين المواطِن والمكان الذي عاشَ فيه وورثه عن آبائه وأجداده، كما تطرّق الباحث إلى الاتفاقيات الدولية التي تُبرمها اليونسكو مع الدول في العالم، ومِن بينها أيضًا ما أُبرم من اتفاقيات مع إسرائيل، وكيف يُمكن للفلسطينيين في الداخل أن يكون لهم تأثير عالمي، ومواجهة سياسة إسرائيل العنصرية من خلال التنظيم السكّاني والوصول إلى المنابر العالمية ومنها اليونسكو.

* كيف يُكون الفلسطينيُ مؤثرًا على الدولة في صنع القرار؟!

- الباحث  رامز عيد: "نحنُ نتحدث عن اتفاقيات تبرمها الدول مع منظمة اليونسكو، بعد أن يتم اختيار منطقة أثرية عالمية، والنموذج الذي سآخذه بعين الاعتبار هو منطقة الكرمل، حيثُ التزمت الدولة بإعطاء المواطنين حمايّة معيّنة وكان عليها أن تُشرك السكان المحليين والمقصود عسفيا والدالية الفلسطينيتين في موقع صنع القرار، بحيثُ تستشيرهم في كل صغيرة وكبيرة، وفق القانون الدولي، لكن فعليًا لم يجرِ ذلك، رغم أنها خلال فتراتٍ متباعدة تعد المجالس بجلسة نقاش، لكنها تكون في العادة عابرة وقصيرة وغير مهنيّة. الأمر الأهم أنّ إسرائيل لا تسير وفق ما يفرضه قانون اليونسكو".

* تتحدث في البحث عن العلاقة بين الإنسان والمكان الذي يعيش فيه، ما المقصود بذلك؟!

-"المقصود بفكرة الارتباط الوثيق بين الإنسان والمكان خاصةً في مناطق محميّة (الطبيعة) وواقعة تحت اتفاقيات اليونسكو، وهي بمثابة (مدينة تراثية عالمية)، هذه المناطق المعروفة بالمناطق البيوسفيريّة، ما يعني أنّ لها حماية للسكان وللمكان معًا، وهناك أهمية للتراث والعمارة واللغة والوجود الإنساني والمكاني معًا، وعليه فإنّ مصلحة الإنسان وتطوره لا تقل أهمية عن المكان نفسه، ويجب الاهتمام بمصلحة الإنسان وتطوره الطبيعي كبشري.

الباحث الفلسطيني رامز عيد يربط المناطق البيوسفيريّة بالقوى الكولونياليّة التي مرّت عبر تاريخٍ مرّ عليه آلاف أو مئات السنين، واعتبرت الطبيعة (المكان) أهم مِن الإنسان، لذلك قامت ببناء فجوة وشرخ كبيريْن بين الإنسان والمكان، حيثُ منعت الإنسان الاقتراب تمامًا من الطبيعة، الأمر الذي أفرز غربةً وبعدًا عن الأرض، ففي مرحلة معيّنة شعر البشر أنّ الطبيعة أهم منهم، لكن الأبحاث التي جرت في السنوات الأخيرة، أثبتت الحاجة إلى التواصل بين الإنسان والطبيعة، وأنّ هذا الترابط سيعزّز قيمة المكان والحفاظ عليه، ويجري ذلك من خلال إشراك الجمهور بشكلٍ ديمقراطي، عندها يُعطي الإنسان أكثر لأرضه ويحافظ عليها ويحميها، وعليه فإنّ التوجه الذي اهتم به اليونسكو هو التفاعل بين الإنسان والطبيعة ومُشاركة الإنسان في القرار يُساهِم في الحفاظ على الأماكن الأثريّة وعلى تعزيز البقاء والحفاظ على الهويّة المحليّة".

*ما هي أهميّة وجود جسم مثل اليونسكو، وكيف يمكن الاستفادة منه؟

- على المستوى المادي تقريبًا لا يوجد استفادة، لكن على مستوى تحصيل الحقوق فإنّ الوصول إلى اليونسكو أمرٌ مهم جدًا، ومثال على ذلك ما أنجزه سكان قرية "بتير" قرب بيت لحم قبل عامٍ، حيثُ منعت السلطة الفلسطينيّة إسرائيل مِن بناء الجدار في المنطقة، خاصةً أنّ المنطقة معترف بها كمعلمٍ تاريخي مميّز بفضل الخصوصيّة والجماليّة التي تتمتع بِها القرية، فالأراضي الزراعيّة مبنيّة على شكل مدرجات زراعية تُسقى من عيون ماء طبيعيّة، هذا المعلم التاريخي ساهَمَ في إنجاح مقاومَة عنصريّة إسرائيل، لا بالسلاح وإنما بالمنطق وإثارة الموضوع عالميًا، وهكذا نجح السكّان بالضغط على إسرائيل وإخافتها عالميًا، فأوقفت مشروعها الاستيطانيّ، عالميًا وفي المحاكم الإسرائيلية أيضًا.

* "الكرمل مشروع تصدٍ في مواجهة مصادرة أراضيها"

يقول الباحث عيد: "اليونسكو فُرصة أمام الفلسطينيين، وتحديدًا مواطني عسفيا والدالية، وهناك أهمية للمُطالبة بإشراكهم في الأمور المرتبطة بالأرض، والبيوت التي لم تحصل على رُخص بناء، إضافة إلى مشكلة الأراضي الزراعيّة الموجودة في المحميّات الطبيعيّة، ومشكلة تربية المواشي في المنطقة، والتي كانت ممنوعة طوال سنوات، لكن مؤخرًا اكتشفت إسرائيل أنها أضرّت بالمكان بسبب إهمالها للسكان. وباتَ على إسرائيل ضرورة مشاركة الناس، من خلال تمثيلٍ قوي وفعّال، إلى درجة التصويت في مسألة إدارة المنطقة، وعلى المجلس المحلي أن يأخذ دوره كما يجب للوصول إلى اليونسكو، نظرًا لأهمية المنطقة (بيوسفيريّة).

ولو كان بمقدور الجمهور أن يتنظم ويتوجه لليونسكو، وهو مسار يأخذ وقتًا، المهم هو الضغط على الدولة والمطالبة بإجراء لجنة للفحص، علّ إسرائيل تتراجع عن موقفها وتجاهلها للسكان، خاصةً أنّ إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقيات المُبرمة مع اليونسكو.

وما يجري في الكرمل هي مشكلة كبيرة، فهناك إهمال وظلم وتبدو بلدتاعسفيا ودالية الكرمل الفلسطينيتين كأنهما محاصرتان في سجنٍ كبير (سياج)، منع سكان المكان من دخول المكان والزراعة في بعض مناطقها، وتربية المواشي، حتى اختنق المواطنون وضاقت بهم الطبيعة وضاقوا بها، مِن هنا يجب حالاً البدء بالتنظيم بين السكان لإيصال شكواهم إلى منابر الأمم المتحدة عبر اليونسكو، ثم اكتشفت إسرائيل مؤخرًا فشلها في الدمج بين الإنسان والطبيعة، حيثُ ظهر هذا الأمر عندما اندلع الحريق الكبير في الكرمل، وبدأت الدولة بعضّ إصابعها، ولوم نفسها، أنها لم تسمح للمواطنين بدخول المناطق الحرشية في الكرمل، وكان بمقدور السكان أن يمنعوا أو يخففوا من الحريق، ناهيك عن قيام المسؤولين عن حماية الطبيعة بزراعة أشجارٍ غير ملائمة لمناخ البلاد، ما ساهم بإحداث أضرارٍ كبيرة واتساع رقعة الحريق، ليكتشفوا بعد ذلك أنّ استيراد أفكار غريبة وخارجية ليست الحل الأفضل، بل قد تكون سببًا في خسارة المكان. وأنا سأساعدهم في تحريك القضية عالميًا، بالاستناد إلى رؤساء مجالس وأناس مهتمين، يشاركون في الاحتجاجات، لتحصيل حقوق المواطنين باستعادة أراضيهم ووضعهم على رأس سُلم التغيير، والتأثير في قراراتهم المصيرية المرتبطة بحقهم في الوجود والحياة".

* هل بات الفلسطينيون جاهزين للذهاب إلى اليونسكو؟!

يقول الباحث رامز عيد: "إنّ مسألة الذهاب إلى اليونسكو تحتاج إلى سنتين أو ثلاثة، والمطلوب خلال ذلك تنظيم محلي بين أهالي المنطقة، من خلال جلساتٍ دورية وبحث المشاكل في المنطقة وخصوصيّة المكان، والتراث والتاريخ، وبعد النقاش والجدال، تطلب اليونسكو توثيقًا لما تحمله المنطقة من تراثٍ وحضارة، ويتم إصداره في كتابٍ، ثم تستمر المشاركة الجماهيريّة، وبعدها تحضر لجنة من اليونسكو لتقديم ملاحظاتها وتوصياتها، وإذا كان المكان مُلائمًا فيمكن لليونسكو أن توافق دون الرجوع إلى الدولة".

يضيف الباحث عيد: "لدي فكرة مستقبليّة مرتبطة بمنطقة حوض البطوف، وهي منطقة جميلة ولها خصوصيّة بيئية قرويّة غاية في الجمالية إضافة إلى كون الأراضي زراعية بعلية، ولها تاريخٌ طويل وتحمل تراثًا جميلاً، وِمن أجل إكسابها بعدًا عالميًا، علينا إقامة لجنة مشتركة وطاقم معني بمتابعة الموضوع، وبتوثيق تاريخ المنطقة والتراث واللغة والحضارة وحتى القصص الشعبية الموجودة، إضافة إلى الاهتمام بالأمور البيئية، رغبةً في الحفاظ على المنطقة وحمايتها، لكن ليس على حساب المواطنين، بل هم جزءٌ من الديناميكية المستقبلية".

يتابع عيد: "من هنا يأتي دور اليونسكو في نشر الثقافة والتعليم والتربية العالميّة والمساهمة في نشر مبدأ الاستدامة بالحفاظ على الطبيعة والثقافة والحضارة المحليّة،حيثُ أظهرت الأبحاث الأكاديمية أنّ الاستدامة لها علاقة بالديمقراطيّة القويّة، فعندما يكون هنالك ديمقراطيّة – حقيقيّة وقويّة تبدأ من المستوى المحلي بالمشاركة والإجابة على أسئلة المواطنين، يصبح المواطنون جزءًا من المنظومة الموجودة وتتعزز العلاقة بالطبيعة وبالبقاء والانتماء والحفاظ على الوطن".

ويشدّد على ضرورة التنظّم محليًا في لجنة قوية أو جمعية أو منظمّة تتابع أي مسألة مرتبطة بهدم التراث، والتصدي لها ومواجهة المعتدين على خصوصياتنا الثقافية، وعلى إهمال الدولة لحقوقنا وحضارتنا ولغتنا، خاصةً أنّها تنبش عن كل ما هو  يهودي وتحاول طمس معالمنا الأثرية التي تؤكِد على وجودنا منذ آلاف السنين في المكان، قبل النكبة والدمار الذي أحدثه الاحتلال. لذا يجب على المنظمة التي ستقام أن تتواصل مع المنظمات العالمية التي تتدخّل وقت الحاجة، والمساعدة في التوثيق، وعلينا كشعبٍ يحافظ على جذوره أن يهتم بمسألتي التوثيق وبناء متحف محلي، فيه كل ما هو مرتبط بالتراث والمفاهيم الاجتماعية التي تختفي والقِيم الملموسة والتفاصيل الصغيرة للمجسمات الباقية من حضارتنا وتاريخنا.

كما طالَب عيد بضرورة الاهتمام بالقرى المهجّرة، والبحث الأثري الجدي في هذا والإرث لاكتشاف الحضارات السابقة ما قبل النكبة، حتى يوثّق الوجود الفلسطيني في هذه الأرض قبل أن يختفي بفعل الممارسات اليهودية العنصرية التي تحاول محو كل ما هو مرتبط بالوجود الفلسطيني في المكان.

جزيرة مايوركا – نموذجًا يمكن الاستفادة منه

حكومة تحدثَ الباحث عيد عن بحثه واطلاعه بالتفاصيل على ما جرى في جزيرة مايوركا في إسبانيا، وهي واحدة من أجمل المناطق الجبلية في العالم، وكانت الحكومة الإسبانية تحاوِل فرض اللغة الاسبانية على مواطني جزيرة مايوركا، ولغتهم (كتلان)، لكنهم واجهوا هذه المحاولات بالتوجه إلى اليونسكو، مطالبين بضرورة حفاظهم على لغتهم وتراثهم وحضارتهم التي تمتد إلى مئات السنين، هذه التجربة التي يمكن الاستفادة منها فلسطينيًا، وإحراز مكاسب سياسيّة وثقافيّة.

مقولة أخيرة!

يقول الباحث رامز عيد: المقاومة تكون بتعزيز الثقافة المحليّة والحفاظ على التاريخ، ونقل قصتنا التاريخيّة، فقصتنا طويلة عمرها أكثر من عمر النكبة، ولنا خصوصيتنا التي لا نتنازل عنها بسهولة، ما يعزّز من هويتنا ويحمي وجودنا، واستمرارنا التاريخ، ونقله إلى الأجيال القادمة، لكن الأهم هو الوعي لحقنا ولمحافظتنا على كل ما يربطنا بفلسطينيتنا، ولنأخُذ ما تقوم به المنظمات اليهودية التي تدفع نحو 500 مليون شيكل، وهذا نموذج يمكن أن نستفيد نحنُ، فالحق لا يكون بسهولة، بل يجب انتزاعه من الدولة ومِن المنظمات الدولية وبينها اليونسكو".

غادة أسعد