قدمت الإعلامية المصرية ريهام سعيد حلقة خاصة من برنامجها التلفزيوني "صبايا الخير" من الأراضي الفلسطينية، وبالتحديد من القدس والمسجد الأقصى، واشتملت الحلقة على وصف حي لطبيعة جدار الفصل العنصري، إلى جانب تغطية لتظاهرة شهدتها مدينة القدس رفضا لسياسة التهويد التي يتعرض لها المسجد الأقصى والمدينة المقدسة، حيث ظهرت الإعلامية المصرية وهي تهرول وسط المتظاهرين في شوارع القدس هربا من الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع الذي استخدمه جيش الاحتلال في تفريق التظاهرة.
غالبا ما تتناول الإعلامية المصرية قضايا مجتمعية في برنامجها التلفزيوني، وكثيرا ما صاحبتها ردود أفعال متباينة حول فحوى الموضوع وطريقة تناوله الإعلامية، وازدادت الانتقادات حدة يوم رصدت مواقع التواصل الاجتماعي بعض السقطات الإعلامية كما حصل في الحلقة التي تناولت فيها موضوع الجن، ولسنا هنا بمعرض الحديث حول المهنية التي تتمتع بها الإعلامية المصرية وبرنامجها التلفزيوني، بقدر ما يعنينا نقل البرنامج لبعض معاناة أهلنا في مدينة القدس، خاصة ان البرنامج يحظى بمشاهدة واسعة من قبل المجتمع المصري. 
كل ما نخشاه أن يلاحق البرنامج ومقدمته بتهمة التطبيع، وهي التهمة الجاهزة في صندوق مدعي مقاومة التطبيع، والحقيقة أن مفاهيم مقاومة التطبيع لدينا تداخلت في كثير من الأحيان واختفت معها المساحة الفاصلة بين التطبيع مع الاحتلال المرفوض جملة وتفصيلا، وبين مساندة الشعب الفلسطيني على أرض الواقع المطلوب توسيع أشكالها وتكريس منهجها.
ليس من المنطق في شيء أن يمثل التواجد العربي والاسلامي في تفاصيل المعاناة الفلسطينية شكلا من التطبيع، ما الذي جنته القضية الفلسطينية جراء المقاطعة العربية والاسلامية لزيارة المسجد الأقصى والتجول في البلدة القديمة ومشاركة الشعب الفلسطيني معاناته؟ أليس في ذلك تقاربا من حيث لا نعلم مع فلسفة سياسة التهويد التي تنتهجها حكومة الاحتلال في القدس؟ ألا تشكل السياسة الإسرائيلية المبنية على تضييق الخناق على قاطني القدس من الفلسطينيين إلى دفعهم لمغادرتها؟ ألا يمثل التواجد العربي والاسلامي في القدس دعما لصمود أهلها وتأكيدا على عروبتها واسلاميتها؟
ألسنا من ينادي دوما ان القدس خاصة وفلسطين عامة أرض وقف إسلامية وأن الدفاع عنها مهمة اسلامية وعربية بقدر ما هي فلسطينية؟ فلماذا نحاصر القدس بتهمة التطبيع ونترك أهلها يواجهون بمفردهم غطرسة الاحتلال الذي يسعى لاقتلاعهم منها؟ أليس من المفيد للقضية الفلسطينية أن يأتي العرب والمسلمون إلى القدس ويشاركون أهلها احتجاجاتهم ورفضهم لسياسة الاحتلال، ويكونوا عرضة مع أهلها لرصاص الاحتلال الحي وغازه المسيل للدموع؟.
لا شك أن الاختلاف الفلسطيني حول زيارة العرب والمسلمين إلى القدس، بين مؤيد له يرى فيه دعما للصمود الفلسطيني ومجابهة لسياسة التهويد الإسرائيلية، وبين من يرى في ذلك اعترافا بالاحتلال وإقرارا بالأمر الواقع، خلق هذا الالتباس في مفهوم التطبيع، يبقى أن نقول: ان ختم جواز السفر من قبل الاحتلال لا يمكن لنا فهمه على أنه تفريط بالحقوق الفلسطينية إذا ما قورن بالصمت وغياب الفعل العربي والاسلامي عما يحدث في القدس.