حـوار: وسام خليفة

شكّل تقديم السلطة الفلسطينية قرار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بدولة فلسطين إلى مجلس الأمن منعطفًا في ساحة الصراع السياسي والدبلوماسي الفلسطيني. ورغم قرار الفيتو الأمريكي، الذي كان متوقعًا، إلا ان القيادة الفلسطينية اصرّت على المضي بحربها القانونية والسياسية والتوجّه مرة جديدة لتقديم القرار ما دفع اسرائيل لفرض سلسلة عقوبات اخرها حجز اموال الضرائب المستحقة للسلطة. وللوقوف على أهم التحديات التي قد تواجه السلطة وسُبل مجابهة القيادة لرد الفعل الإسرائيلي كان لنا هذه المقابلة مع مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون القانونية الوزير حسن العوري.

 

ما الفائدة التي ستجنيها القيادة من توجهها لمجلس الامن مرة أخرى لتقديم قرار انهاء الاحتلال بعد رفضه في المرة السابقة؟

في غياب الفائدة من المفاوضات المباشرة، وفي غياب الخيارات الاخرى نظرًا للظروف الدولية والإقليمية الحالية، واخص بذلك الدول العربية، فنحن نواجه وضعًا سيئًا للغاية يُحتّم علينا ابقاء القضية حية على الارض وعلى الخريطة السياسية من خلال حراكنا السياسي والدبلوماسي خاصةً أننا بتنا نحظى بتأييد معظم دول العالم لنا ولقضيتنا في وجه عزل اسرائيل ومعاقبتها وأصبحت أمريكا مكروهة عالميًا لتصرفاتها ضد الفلسطينيين. لذا نحن نحاول من خلال مجلس الامن احراج امريكا وسنحاول مرة وراء مرة حتى تدرك أمريكا الخطأ الذي وقعت فيه نتيجة حمايتها للاحتلال الاسرائيلي، وسنواصل تقديم المشروع إلى أن تصبح امريكا غير قادرة على استخدام الفيتو.

 

لماذا مضت القيادة الفلسطينية في تقديمها لمشروع القرار الى مجلس الامن مع انها نُصِحت بالتروي حتى يدخل خمسة اعضاء جُدد للمجلس اصدقاء لفلسطين قد يغيّرون المعادلة؟

لا بدّ من الاشارة إلى أن مواقف الدول ليست ثابتة، وعلى سبيل المثال نحن كنا متأكدين من حصولنا على 9 أصوات، ونيجيريا حتى الدقائق الخمس الأخيرة كانت تتبنى تأييد المشروع، ولكن يبدو أنه قد تم تقديم رشوة لها أو كما يقول الشارع الفلسطيني إن هذه الرشوة على حساب دولة عربية. وكذلك الأمر بالنسبة للمرحلة القادمة فهناك ضمان لتسعة أصوات ولكن مواقف الدول تتغيّر حسب المصالح، فهناك دول تاريخيًا كانت معنا واليوم أصبحت ضدنا والعكس. ولكن الرأي العام الفلسطيني يشكّل احيانًا مشكلة بعدم منح القيادة الثقة التامة، فنحن مثلاً نُنتَقد على تأجيلنا التقدم لمحكمة الجنايات لكن لم يسأل احد لماذ؟ نحن كانت لدينا محاذير وتخوفات وأيضًا مسألة التوقيت مهمة جدًا. فأمريكا كانت تقول لنا لا داعي لمجلس الامن وستأخذون ما تريدون بالتفاهم، وكان الرئيس ايضا يحاول مساومة الامريكان لدفعهم لعدم التصويت، ولكن عندما رأى ان امريكا تمارس ضغوطًا سياسية واقتصادية وتخوض معركة سياسية لإفشال اكتمال النصاب، قدّم الطلب لمجلس الامن، لذا برأيي لا فرق بين نهاية العام 2014 أو بداية الـ2015، ونحن كنا ندرك أننا إن تأخّرنا فستضيع أصوات أخرى كما حصل مع نيجيريا، وهنا أنوّه إلى أن نيجيريا تستفيد من امريكا ماديًا ولكنها تستفيد بشكل كبير من العالم العربي والإسلامي ولو أنها أبلِغَت بأنها ستُعاقَب ان لم تصوت لما فعلت ما فعلت!

 

كيف تردون على وصف البعض لمشروع القرار بأنه لا يُلبي المطالب الفلسطينية؟

الاعتراض كان في فترة المشروع الفرنسي الذي تمّ سحبه واعتماد المشروع الفلسطيني الأصلي بدون تعديلات علمًا أن التعديلات التي كانت مطروحة جاءت بمبادرة فلسطينية ولم تكن في الجوهر، والبعض قال إن موضوع اللاجئين لم يتم ذكره، لكن ليس معنى ذلك ان حقهم أُسقِط أو أن القضايا التي لم تُذكَر منسية، فجوهر هذا المشروع بالذات هو انهاء الاحتلال ضمن اراضي العام 1967، ووضع سقف زمني لإنهائه في العام 2017، وبالمناسبة حق العودة حق فردي وشخصي لكل لاجئ فلسطيني اي أنه اذا لم يمنحني وكالة عدلية للتنازل عن حقه في العودة فأنا لا استطيع التنازل، برأيي عند زوال الاحتلال سيكون لنا حرية التصرف كفلسطينيين فيما نريد.

 

ما رأيكم بدعوة بعض القادة الاسرائيليين لإنهاء السُّلطة كرد على التوجّه لمجلس الأمن وتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟

اسرائيل قادرة على انهاء السُّلطة في اي وقت، فهي قادرة على احتلال المدن والمؤسسات والمقاطعة، واصلاً هناك العديد من المسؤولين الفلسطينيين ومن الشعب ينادون بإنهاء السُّلطة والرئيس بنفسه فكر في هذا الخيار. فالسُّلطة ليست هي الطموح الفلسطيني بعد كل التضحيات التي قُدّمت اذا لم تكن لدحر الاحتلال، لكن ان نحلَّ السُّلطة وندع ضابط التربية والتعليم يتحكم في مناهج اولادنا على سبيل المثال فهذه خيانة، وهناك جدل في الموضوع، هم قادرون على انهاء السلطة ولكن الموضوع ليس في صالحهم لذا لن يُقدموا على خطوة كهذه.

 

كيف ستحاربنا اسرائيل دوليًا وقضائيًا كرد على توقيع الرئيس لـ20 اتفاقية ومعاهدة دولية تساعد في ملاحقتها في القانون الدولي؟

ستكون حربها غير مباشرة لأن اسرائيل من خلال جيشها القانوني ستحاول عدم التوقيع على اتفاقيات تجرّمها أو تؤدي لملاحقة أحد قادتها في حال صدور مذكرة بحقه لمحاسبته على ما ارتكب من جرائم. واعتقد انهم سيحاولون من خلال مجلس الامن رفع قضايا علينا ليحيلها مجلس الامن للمحكمة الجنائية الدولية، ومن حقه فعل ذلك، وسيقدّمون أدلة للمدعي العام خلال التحقيقات تقول ان فلسطينيًا قام بجريمة لقلب الموضوع، ويصبح من حقهم ملاحقة ذاك الشخص حتى لو لم يشتكِ عليه احد كحق عامٍ دولي، وسيرفعون قضايا ضدنا وضد فصائل المقاومة في قطاع غزة امام المحكمة الجنائية، وسيهددون بمقاضاة الرئيس ولكن ذلك لا يهمنا على الاطلاق لان الرئيس لم يرتكب اي جرم حسب ميثاق روما، لذا فستكون هناك معركة قانونية وسننتظر قرار المحكمة.

 

هدّدت اسرائيل بملاحقة الرئيس محمود عباس قضائيا ردًا على توقيعه على المعاهدات والاتفاقات. ما الذي تستطيع فعله وعلى ماذا ستقاضيه؟

لقد انضممنا للمحكمة الجنائية الدولية ووقعنا على اتفاق روما وهذا يعني اننا نلتزم بنظام هذه المحكمة ونتعاون معها سواء كنا مشتكين او مُشتكىً علينا وهناك محاذير حقيقية موجودة وحذّرنا منها سابقا بأن المحاكم قد تطال فلسطينيين لأن المحاكم لا تعمل وفق العواطف، لذا فمن حيث المبدأ يجوز ان يكون هناك فلسطينيون مُشتكىً عليهم لا سيما أن عناصر المحاكم دول وهي بالتالي تخضع لنفوذ الدول القوية.

وفيما يتعلق بسيادة الرئيس محمود عباس لا يمكن لإسرائيل ان تجد دليلاً واحدًا على تورُّطه في اعمال تدخل ضمن الجرائم المصنّفة من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وعلى العكس من ذلك، فالمؤسسة العسكرية الاسرائيلية المنظّمة التي تُفعّل آلتها العسكرية في لحم ابناء الشعب الفلسطيني تتبع لأوامر حكومتها التي تقرر ضرب الفلسطينيين وهذه اعمال حرب مصنّفة من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وهذا له نتائج، فيجب ان نربط النتيجة الكارثية مع المتسبب فيها، وما يحصل على ارض فلسطين من شمالها الى جنوبها لا يجرّم الرئيس محمود عباس لأن الامن ليس بيده بل بيد الاسرائيليين. اما فيما يتعلّق بالشراكة مع التنظيمات الفلسطينية في غزة نعم هناك شراكة، ولكن ليس للرئيس اي علاقة بمطلقي الصواريخ، ومن الناحية القضائية لا يجرّم القضاء شراكة الرئيس مع حماس سياسيًا في حكومة الوفاق الوطني المكلّفة، وهم يعرفون بأن الرئيس وصف الصواريخ في الماضي بالعبثية فكيف يجرمونه على انه يعطي الاوامر لإطلاق الصواريخ؟! وهذا هو مجرد كلام سياسي اعلامي ولا فائدة منه امام القضاء.

 

ماذا يعني الانضمام للاتفاقيات التي وقع عليها الرئيس وكيف ستفيدنا كفلسطينيين؟

كل اتفاقية ومعاهدة دُرِست من حيث الفائدة لنا كفلسطينيين وما علينا من التزامات تجاهها وخرجنا بنتيجة ان من مصلحتنا الانضمام لهذه الاتفاقيات. فنحن نسوّق انفسنا في العالم على اننا دولة وان على العالم ان يتعامل معنا كدولة مما يملي علينا الاندماج مع العالم ككيان سياسي. فمثلاً عندما نتحدث عن نُصرة المرأة اليست جزءًا من هذا العالم؟. وكمثال اخر نحن نحتاج للتعامل مع العالم لتبادل المجرمين والفارين من العدالة كالذين يسرقون المال الفلسطينيي ويفرون فلماذا لا ننضم لمعاهدة قادرة على احضارهم لنا لمعاقبتهم في فلسطين؟!. وبالتالي هذه الاتفاقيات وضعت لتخدم العالم ونحن جزء من هذا العالم وهي ايضا هدف سياسي لنا يتمثّل برفع علم فلسطين على كل الهيئات الدولية مثل اليونيسكو وغيرها.

 

هل السُّلطة مستعدة لكافة الردود الاسرائيلية خاصة انها تتعامل مع عدو يحترف المماطلة؟

هذا العدو ليس اذكى منا ونحن لسنا اقل منه عقولاً. نحن لدينا القانونيون الفلسطينيون والعرب والاجانب المتضامنون معنا وموقفنا القانوني دائمًا اقوى من موقف اسرائيل لأننا نقع تحت احتلال. قوة اسرائيل تكمن بسلاحها العسكري والنفوذ الامريكي، ولكن عندما نتحدّث عن القانون، فنحن الاقوى اذا قمنا بالاستعداد التام من خلال الكفاءات القانونية. انا افترض انه لو كان هناك محكمة محايدة ستجد الفلسطيني يتفوق على الاسرائيلي خاصةً أن لدينا جهات توثّق الجرائم الاسرائيلية بالصوت والصورة ووفق ما يتطلّب نظام المحكمة وبشكل علمي ومنهجي هناك اراء مهنية وطبية موجودة لدينا وجاهزة، ونحن على اتم الاستعداد، ولكن تبقى الاشارة الى أن اسرائيل قد تُفلِت من العقاب بحكم كون اداة هذه المحكمة هي الدول والنفوذ الاسرائيلي قد يمنع تطبيق عدة أمور، انما قانونًا نحن الاقوى.

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي