حوار: طارق حرب

الرياضة لغة العصر، حديث الناس، وسيلة الابطال لرفع علم بلدهم، ومخيمات الشتات في لبنان لا تختلف عن غيرها من بقاع الدنيا، فهي تزخر بالمواهب الرياضية، وتُنتِج الابطال الذين تفاخر بهم فلسطين أقرانها. خرجوا من بين ازقة المخيم، نافسوا اشقاءهم في لبنان في مختلف الرياضات من كرة القدم إلى رفع الاثقال، مروراً بالشطرنج والمصارعة الرومانية وكمال الاجسام والرياضات التراثية، ثم انطلقوا إلى المحافل العربية والدولية ليحصدوا الانجازات ويرفعوا علم فلسطين عالياً.

خلال لقائنا مع مسؤول المجلس الحركي للشباب والرياضة اللواء محمد زيداني أكّد ان العام الماضي كان  زاخراً بالأنشطة الرياضية على اختلافها داخل المخيمات، لكن ما تميّز به هو "الانجازات على مستوى الرياضات الفردية في المسابقات الخارجية. استطعنا ان نكون حاضرين في الرياضات التقليدية الشعبية وشاركنا في بطولة المغرب العربية وأحرزنا المركز الاول بين ست دولٍ مشاركة، وكان ميدان المبارزة مزيّناً بالكوفية الفلسطينية. كما شاركنا في بطولة الاندية العربية للشطرنج التي نُظّمت في بيروت، وحققنا نتائج مقبولة الى حد ما. أيضاً كانت لنا مشاركة بسبعة مصارعين  في الدورة العربية للمصارعة الرومانية في بيروت".

ويتابع "كذلك شاركنا في البطولة العربية للـ(كيك بوكس) في المغرب وأحرزنا فيها ثلاث ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية. وشاركنا في بطولة الاندية العربية للـ(تاي بوكسينغ) وضم الوفد الفلسطيني لاعبين من الشتات والوطن تحت اسم نادي القدس، واحرزنا ذهبية وبرونزيتين في البطولة التي شاركت فيها اندية من ست دول عربية. واستطاع ابن مخيم عين الحلوة خالد المقدح ان يحرز ذهبية في البطولة".

 

بناء البطل تكلفته اقل من بناء الفريق

هذه الانجازات على مستوى الرياضات الفردية التي يحققها لاعبون فلسطينيون من المخيمات الفلسطينية، لم تنسحب على الرياضات الجماعية. ويعزي زيداني ذلك إلى أن "بناء البطل تكلفته اقل من بناء الفريق، وبناء البطل احياناً قد يكون هواية لديه وتكون انت بجانبه عاملاً مساعدًا، تدعمه قليلاً ليبدأ خطواته الاولى على سلم البطولات والانجازات. بينما بناء الفريق يحتاج الى أموال وتدريب ومعسكرات ومدربين وإعداد".

ويضرب زيداني مثلاً من رياضة كرة القدم قائلاً: "نحن نمتلك خزانًا هائلاً من لاعبي كرة القدم لكن لبناء فريق تحتاج تجهيزات من ملابس ومعدات وملاعب وغيرها نعجز عن توفيرها امام حالة العجز المادي، لذا طالبنا بأن يكون هناك تمويل متوفّر بيَد المالية المركزية تستطيع استخدامه عندما نحتاج تجهيزات أو سفر أو خلافه".

 

موازناتنا اصبحت لا تسد الرمق

ولأن كرة القدم هي اللعبة الاكثر جماهيرية واستقطابًا للاعبين والشباب، كان لا بد من التطرق لموضوع هذه اللعبة التي تشهد تراجعاً ملحوظاً، بعد ان شهدت تقدماً عبر اقامة دوري فلسطيني يضمّ معظَم اندية المخيمات الفلسطينية، ليتوقف بعدها، من ثم تقتصر اللعبة على بعض الدورات داخل المناطق او المخيمات ومعظمها يُلعب على ملاعب صغيرة "ميني فوتبول". هذا الامر يعود إلى سببين حسب ما قاله اللواء زيداني. الاول هو انه "بعد تشكيل اتحاد كرة القدم اوعزنا إلى كل الاخوة في الاندية الحركية بالتقدُّم للانتساب الى الاتحاد، لكن الاتحاد خلال مشروعه الذي تقدّم به للأندية اشترط تسديد اشتراكات اللاعبين والغرامات وغيرها من الامور المالية، وهذا يرهق الاندية الرياضية، فأبلغناهم بوجوب وضع مستوى من التعاطي المالي بين الاندية والاتحاد، لكنهم رفضوا مبدأ التخفيض فلم تستطع الاندية الانتساب للاتحاد".

 

عندما نقول رياضة نقول مال

السبب الثاني لتراجع كرة القدم يعود بحسب زيداني إلى الموضوع المادي والمالي موضحاً انه اليوم ليس بالإمكان تغطية الروزنامة السنوية لنشاطات كرة القدم، حيثُ يقول: "عندما نقول رياضة علينا ان نقول مال"، لكن لا يمكن ان نحقّق أي انجاز بدون مال. نحن لا نطلب المستحيل في ظل ما تتعرض له القيادة الفلسطينية والرئيس ابو مازن لكننا بحاجة الى ابسط الامور. نحن لم نجهّز انديتنا باللوازم منذ اربع سنوات، ونحن على مستوى الاندية لا نطلب سوى ما نسبته 10% مما يتم تخصيصه لأندية الوطن".

ويضيف زيداني "كانت الاندية تتلقى عددًا من المكافآت الحركية في المناطق، وهذه المكافآت تم شطبها لتكون موازنة للشباب والرياضة، وتم استبدالها وطرحها كموازنة تشغيلية، وبعد شهر تم تخفيض هذه الموازنة 50% ثم 49%. حتى أصبحنا امام موازنة تشغيلية لا تسمن ولا تغني من جوع!".

 

حرّمنا مبدأ الرعاية المالية

التعويض المالي عبر الذهاب نحو الرعاية (Sponsorship) ليس في قاموس المجلس الحركي للشباب والرياضة او الاتحادات الرياضية كما في قاموس زيداني نفسه مؤكداً "لم أتوجّه خلال السنوات الماضية التي كنتُ ومازلتُ فيها في موقع المسؤولية عن هذه الشريحة الى أي احد للرعاية وكنا نعتمد على موازناتنا، لأن هذا الامر يربك، ولأننا إذا فتحنا الامر وسمحنا لكل اتحاد بإيجاد الراعي المالي، فهذا سيضر بكرامة الكادر والاتحاد وُيحدِث خرقًا في جدار الامن والأمان للكادر، وحتى لا يقع احدهم في دائرة الاتهام حرّمنا هذا المبدأ حتى مستوى الاندية. قد يساعد احد ناديًا في بعض التجهيزات او اقامة دورة رياضية لكن لا يوجد مبدأ رعاية كاملة لنادي او اتحاد".

 

كرة القدم مناسبة للتلاقي اللبناني الفلسطيني

على الرغم من الضغط المالي والصعوبات المادية يؤكد اللواء زيداني "هناك 50 ناديًا حركيًا على جهوزية وتمتع بحضور جيّد وإن بنسب متفاوتة على صعيد كرة القدم، وكان العام الماضي مناسبة للتلاقي مع كل الاخوة اللبنانيين في كل مواقع لبنان، واكدنا على ان يكون التواصل عبر الاندية الحركية والمؤسسة الرياضية الفلسطينية، حيثُ أنه في كل منطقة هناك اندية متقدمة تستطيع ان تنقل المخيم والجوار اللبناني لأننا نؤمن بأن لغة الرياضة هي اجمل لغات العالم، وتمكنا ان نجول على العديد من القرى برياضيينا وان نكون حاضرين على كل الجغرافيا اللبنانية".

 

الكيك والتاي بوكس هي الرياضة الاكثر تطويراً وتقدماً في الوطن والشتات

يستشهد زيداني، الذي يتقلد اليوم منصب رئيس الاتحاد الفلسطيني للكيك والتاي بوكسينغ ونائب رئيس الاتحاد العربي للتاي بوكس، بكلام رئيس الجامعة الملكية المغربية، حين يقول كانت المواجهة سابقاً بيننا وبين الاردن وبين العراق، لكننا اليوم نواجه لاعبين فلسطينيين من الطراز الرفيع.

ويتابع زيداني القول: "اليوم الاتحاد الفلسطيني في حال تقدم سريع، والعرب اصبحوا يتابعون اخبار اللاعبين الفلسطينيين قبل المباريات لمعرفة قدراتهم قبل المواجهة. بدورنا نحاول ان نبتعد عن الاضواء خلال التمارين او الافصاح عن اللاعبين المشاركين، حتى لا يتم الاستفادة من بعض ثغرات اللاعبين".

 لعبة التاي بوكس تتقدم بشكل كبير وملفت على مستوى الوطن والشتات وفق ما أكد زيداني "فهي لعبة الشجعان والقوة، لكنها ايضاً لعبة الاخلاق والاحترام والطاعة". ويضيف كانت فلسطين الدولة الثانية بعد لبنان في تأسيس الاتحاد العربي، وكنا من بين ثلاث دول عربية اسهمتا بتأسيس الاتحاد الدولي.

نشعر بتطور هذه اللعبة وبطبيعة الحال نحتاج الى امكانيات. وقّعنا مع الاتحاد الليبي للّعبة بروتوكول تعاون لتبادل الخبرات مع الاخوة الليبيين وتبادل الزيارات ونقل التجربة الفلسطينية الى ليبيا وبالعكس. الاتحاد الليبي استعد لشراء حلبة وتزويدها للاتحاد الفلسطيني خصوصاً لمخيمات لبنان، وهنا لابد من توجيه شكر باسم المخيمات، لرئيس الاتحاد الليبي محمد الزروق على هذه اللفتة الكريمة.

وبطبيعة الحال فنحن نشارك في الدورات وورش العمل الخاصة باللعبة، واخر مشاركاتنا كانت بوفد لا يقل عن عشرين لاعبًا ومدربًا من الوطن وتمكّنا من تطوير لعبة التاي بوكس عبر دورة تدريب مدربين في اللعبة ولاعبين في الاردن.

 

العام الحالي سيكون مميزاً لأنها ذكرى اليوبيل الذهبي لفتح

لا يبتعد اللواء زيداني عن الحقيقة، حين يقول: "الوضع الرياضي قبل سنوات كان يختلف وكان افضل وكانت الامكانيات أكثر والامر نعزيه للضغط المالي على القيادة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني". لكنه في الوقت ذاته يؤكد ان الذكرى الخمسين لانطلاقة حركة "فتح" ستشهد نشاطات رياضية وروزنامة تشمل كافة المناطق في لبنان ينظمها المجلس الحركي للشباب والرياضة".

فعلى صعيد كرة القدم ستكون دورات كرة قدم في كل مناطق لبنان، هناك أيضاً نشاطات مركزية لكل الاتحادات للشطرنج وكرة الطاولة والمصارعة الرومانية ورفع الاثقال، الرياضات التقليدية وكرة السلة.

ويشدد زيداني على ان "هذا العام سيكون مختلفاً ومتميزاً لان المؤامرة تكبر على القيادة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، لذلك نسعى الى حالة من الريادة والتطوير على مستوى الرياضة الفلسطينية لرفع العلم الفلسطيني، وسيكون كأس الانطلاقة كأس اليوبيل الذهبي للطلقة الاولى في الاول من كانون اكثر تألقاً".

 

عندما نبني رياضة نبنيها ملتزمة

في ختام لقائه يتوجّه زيداني لكل الرياضيين الفلسطينيين ولكل الشعب الفلسطيني قائلاً:  "نحن عندما نبني رياضة نبنيها ملتزمة في إطار الكل الوطني الفلسطيني. الرياضة هي التزام وخلق وتطوير. سيكون العام القادم بإذن الله محطة لدفع اللاعب الفلسطيني نحو التقدم على صعيد الالعاب الفردية والجماعية، وسنسعى مع كل الحريصين لأن يكون الرياضي الفلسطيني حالة متقدمة وشريحة متقدمة من شرائح شعبنا الفلسطيني".

ويوجه رسالته الاخيرة عبر مجلة القدس الى كل من يهمه الامر، "حتى لا تتلاشى هذه الشريحة أمام اعيننا يجب ان نعمد إلى تطويرها لأن الرياضة تبعد الشباب الفلسطيني عن كل آفات المجتمع ولغتها أجمل لغات العالم مخاطبة".

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي