لا يختلف أحد على أن الوضع القائم بيننا وبين إسرائيل فوق هذه الأرض المعروفة باسم فلسطين التاريخية قابل للانفجار الدموي في أي لحظة، والسبب أن الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يقودها نتنياهو ولا هدف له سوى أن يظل في مقعد رئيس الوزراء! هذه الحكومة الإسرائيلية أصبحت عاجزة تماما عن تقديم أية مبادرات، بل هي تتشبث بالقول لنا صباح مساء وعلى كافة الأصعدة، أنا أريد وأنتم عليكم أن تقبلوا ما أريد! وأنا لا أريد وعليكم أن تقبلوا ما لا أريده، وليس أمامكم خيارا آخر!
بطبيعة الحال، فإن ما تريده إسرائيل مستحيل أن يقبل به أحد، فلقد رضينا باثنين وعشرين بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية لتكون دولة لنا، وهذا ما تدعمه كل قرارات الشرعية الدولية، ولكن حكومة نتنياهو تقول إنه لا دولة فلسطينية على الإطلاق! وقبلنا بالمفاوضات أسلوبا للوصول إلى هدفنا الذي تدعمه القوانين والأعراف وقرارات الشرعية الدولية، ولكن إسرائيل تقول ان المفاوضات بالنسبة لها هي املاءات، واستمرار في سرقة الأرض وتهويد المقدسات، وتصعيد الاتهامات، وأنه لا حصانة على الإطلاق للسلطة الوطنية الفلسطينية، ولا حصانة للإنسان الفلسطيني، وأن أمن إسرائيل هو أول الكلام وآخر الكلام، وإذا لم يعجبكم فاذهبوا إلى الجحيم.
العقدة هنا أن هذا الكلام الإسرائيلي، وهذا السلوك الإسرائيلي، وهذا الفهم الإسرائيلي للأمور لا يمكن أن يقبله أحد، وأن إسرائيل تصعد الأمور إلى حد الاشتعال، ثم تقول لنا أنتم من اشعلتم النار وأن عليكم أن تدفعوا الثمن.
قبل أيام، قام سائق من القدس بحادث مروري عادي، يقع مثله وأسوأ منه في تل أبيب، ويمكن أن يحدث مثله أو أبشع منه ألف مرة في واشنطن أو نيويورك أو لندن أو باريس أو أي مكان في العالم، والحادث المروري وقع عندما انحرفت عجلة السيارة التي كان يقودها عبد الرحمن الشلودي، فاصدمت السيارة بعدد من المارة وماتت على إثرها رضيعة إسرائيلية، وحسب شهود عيان كانوا موجودين في المكان، فإن عبد الرحمن الشلودي كان يصرخ لحظة انحراف السيارة بأن عجلة القيادة أفلتت من يده، ولكن الشرطة الإسرائيلية أطلقت عليه النار على الفور وقتلته! ويا ليتها اكتفت بذلك، بل وصل الأمر بنتنياهو نفسه أنه اعتبر الحادث المروري بأنه إعلان حرب مشترك من السلطة الفلسطينية وحماس ضد إسرائيل، وانطلقت التهديدات والاتهامات ضد الرئيس وضد المقدسيين وضد الشعب الفلسطيني كله في الضفة.
لاحظوا هنا قتل المتهم على الفور حتى تموت الحقيقة معه، وهذا نفس ما حصل حين خطف الشبان الإسرائيليين الثلاثة في الثاني عشر من حزيران الماضي، واعتبر الحادث مبررا للحرب التي كلفتنا في القدس والضفة عشرات القتلى ومئات المعتقلين وعشرات البيوت المنسوفة ثم توسعت في غزة إلى قرابة خمسة عشر ألف بين قتيل وجريح وعشرات الآلاف البيوت المهدومة، وكانت حكومة نتنياهو قد أعلنت منذ البداية عن اثنين من الفلسطينيين اتهمتهما بعملية الخطف "القواسمي وأبو عيشة" وعندما وضعت الحرب أوزارها تم إلقاء القبض على المتهمين -وبالمصادفة - وتم أعدامهما فورا حتى تموت معهما الحقيقة.
المأزق في ذروته، فكيف سنجد حلا لهذا المأزق من دون أن تنفجر حرب جديدة قد يكون مسرحها هذه المرة القدس نفسها التي يتوعدها نتنياهو أو ربما عموم الضفة؟
هذا المأزق الدموي، هذا التصعيد الدموي، يصنعه نتنياهو على رأس حكومته التي اختارها على شاكلته لتخدم أهدافه ولم يفرضها عليه أحد، وهذه الحكومة تحمل كل الأطراف المسؤولية سواء الفلسطينيين أو حتى المجتمع الدولي ولا تحمل نفسها أي مسؤولية، وأكبر دليل على ذلك أن المفاوضات الأخيرة التي بدأناها فلسطينيا مع هذه الحكومة والتي بدأت في نهاية تموز من العالم الماضي وانتهت في نهاية اذار هذه السنة، شاركت فيها الحكومة الإسرائيلية برغبتها على أساس حل الدولتين، وعملت إسرائيل كل ما في وسعها لإفشال هذه المفاوضات ونجحت في ذلك بامتياز، وعلى ضوء فشل المفاوضات ذهبت القيادة الفلسطينية إلى بديل آخر، ليس الحرب، بل المجتمع الدولي، مجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وليس الصواريخ ولا الأحزمة الناسفة! واتضح أن حكومة نتنياهو والجوقة التي حولها لا تريد مفاوضات، ولا تريد مجتمع وقانون دولي، ولا تريد أي شيء سوى أن نسكت فقط، بل إن وزير الجيش قال علنا أن الدولة الفلسطينية لن تقوم أبدا! فهل هو غبي إلى حد أنه لا يعلم ماذا يعني ذلك؟ إنه يعرف بطبيعة الحال أن هذا السلوك الإسرائيلي سوف يؤدي إلى الانفجار الكبير، الانفجار الشامل، وإذا لم تكن هناك مبادرات مسؤولة وجدية ومقنعة فإن العنف سوف ينفجر لا محالة مهما كانت النتائج.
أما مسلسل التهم والتهديدات ضد الرئيس أبو مازن، بأنه شريك حماس، وأن حماس مثل داعش، وأن الأولوية بسحق داعش أو سحق إيران كما كان يقال قبل ظهور داعش، فهذا الكلام تافه وغبي ولا يصدقه أحد، وعندما حاول "كيري" وزير خارجية أميركا أن يربط بين استعصاء الحل الفلسطيني الإسرائيلي والإرهاب في المنطقة، فإن جوقة نتنياهو بدأت بالصراخ، فماذا تريدون بالضبط، وهل أنتم تصدقون أن الشعب الفلسطيني سيقول لكم نعم؟