في الاجتماع المنعقد في مقر الرئاسة مساء السبت، الموافق 23 آب عرض الرئيس ابو مازن برنامج مواجهة للاحتلال الاسرائيلي، بعد ان اعلن في كلمة مقتضبة مباشرة امام القيادة وللشعب عن وقف إطلاق النار، وهدنة مفتوحة. كما اكد ضرورة وقف سياسة الحروب الاسرائيلية كل سنتين حرب همجية على محافظات الجنوب، وربط ذلك بضرورة وضع حد لارهاب إسرائيل المنظم من خلال التوجه لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
في الاجتماع ذاته، طرح الرئيس محمود عباس رؤيته التكتيكية للمواجهة مع إسرائيل، ووضع على الطاولة ثلاثة مستويات للتحرك الوطني، اولا إعطاء الولايات المتحدة فترة اربعة اشهر لاقناع إسرائيل بالالتزام بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وان وافقت على ذلك، تتم العودة للمفاوضات لفترة زمنية محددة وقصيرة لوضع الترتيبات لانهاء الاحتلال الاسرائيلي، وترسيم الحدود بشكل نهائي بين فلسطين وإسرائيل. وان لم تنجح الادارة الاميركية، وهو الارجح، يتم التوجه للسيناريو الثاني، وهو التوجه تحت المظلة العربية لمجلس الامن للاعتراف بدولة فلسطين عضوا كاملا في الامم المتحدة، وإصدار قرار ملزم بانسحاب إسرائيل من اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة؛ وان استخدمت الولايات المتحدة الاميركية حق النقض (الفيتو) على مشروع القرار العربي، وحالت دون ذلك، وهو ايضا الاحتمال المتوقع في ضوء المعطيات الماثلة والمعروفة عن مواقف اميركا من الحقوق الوطنية الفلسطينية؛ يتم التوجه للسيناريو الثالث وهو الانضمام للمنظمات الدولية الـ (522) وملاحقة إسرائيل في المنابر والمحافل الاممية، حتى تتراجع عن خيار الاحتلال والعودة لجادة السلام؛ مع وقف كل اشكال التنسيق مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية.
هذه الرؤية البرنامجية تحتاج الى جهود فلسطينية عربية واممية مشتركة في كل سيناريو من السيناريوهات، مع ان السيناريو الاول والثاني من الصعب تصور تحقيقهما، وذلك لسببين الاول إسرائيلي، كون حكومة نتنياهو، لن تقبل من حيث المبدأ العودة لحدود الرابع من حزيران عام 1967، وهي ترفض عودة القدس الشرقية للدولة الفلسطينية، كما سترفض الانسحاب من الغور، وحدث ولا حرج عن عودة اللاجئين على اساس القرار الدولي 194. والثاني ان الولايات المتحدة، لن تمارس اي ضغط جدي على إسرائيل، اضف إلى انها تتساوق مع الرؤية الاسرائيلية إلى حد بعيد، كما انها ستبقى تناور من خلال المحافظة على وجود حركة حماس كشوكة في حلق الوحدة الوطنية، لعل وجودها في القطاع، وتعزيز دورها يمكن اميركا من استعادة زمام الامور في مصر، من خلال إسقاط نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وعودة جماعة الاخوان؛ اما السيناريو الثالث فهو السيناريو الممكن والقابل للتحقق. ولكنه يحتاج الى موقف عربي موحد، وضمان دعم حقيقي للموقف الفلسطيني على كل الصعد والمستويات، وخاصة بتأمين شبكة الامان والمظلة المالية لدعم موازنة دولة فلسطين، وهي (الدول العربية) قادرة على تحدي الموقف الاسرائيلي إن ارادت ذلك.
غير ان القيادة الفلسطينية مطالبة اولا بخلق مناخات فلسطينية عربية إيجابية، بعيدة عن المنغصات، ومتجاوزة عوامل الافتراق والخلاف مع الدول الشقيقة، وتكريس مبدأ "عدم التدخل في الشؤون العربية". وثانيا عقد قمة طارئة لترسيم السيناريو الفلسطيني، ووضع آليات عمل جدية وواضحة لتحقيق الخطوة الفلسطينية العربية ومستندة للاستخدام الامثل لاوراق القوة العربية في التصدي لسياسات الولايات المتحدة واسرائيل على حد سواء، ثالثا محاولة الاستعانة بكل من الاتحاد الاوروبي والاتحاد الروسي وكل الاقطاب الدولية كالصين واليابان والهند والبرازيل والارجنتين وغيرها ومنظمة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الاسلامي ومنظمة الوحدة الافريقية للضغط على اميركا واسرائيل لتجسيد خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67.
وفي حال فشل السيناريو الثالث، ولم يرتق العرب لمستوى المسؤولية وتلكأت القوى الدولية بالضغط على إسرائيل واميركا، على القيادة فتح الباب امام السناريوهات المختلفة دون استثناء. ولكن في كل الاحوال لا يجوز حل السلطة او تسليم المفاتيح لنتنياهو، الذي لن يكون جزءا من المشهد السياسي الاسرائيلي في المستقبل المنظور.