إسراء غوراني

منذ مطلع العام الحالي، تصاعدت حمّى الاستيطان في غالبية مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة، خاصة مع تولي حكومة نتنياهو الحالية، حيث لوحظت زيادة كبيرة في المصادقة على بناء وحدات استيطانية جديدة، وتزامن ذلك مع تصاعد انتهاكات المستوطنين على الأرض.

وتعد الأغوار الفلسطينية من المناطق المستهدفة باستمرار بأعمال الاستيطان والانتهاكات الاستيطانية، وعلى الرغم من أن توسعة الاستيطان في الأغوار لم تسقط أبدا من سلم أولويات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إلا أن قراءة أعمال الحكومة الإسرائيلية الحالية وممارسات المستوطنين على الأرض تشير إلى سعي هذه الحكومة لتحقيق قفزات واضحة في هذا المجال.

تمتد الأغوار الفلسطينية على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية من قرية عين جدي في الجنوب قرب البحر الميت، حتى منطقة عين البيضا ملامسة منطقة بيسان في الشمال، بمسافة تقدر بـ120 كم وبعرض يتراوح ما بين (5–20 كم) حسب اقتراب أو بعد السلاسل الجبلية من نهر الأردن، وبذلك تشكل الأغوار الفلسطينية 28% من مساحة الضفة الغربية، بمساحة تقدر بنحو 1600 كيلو متر مربع، ويعيش فيها أكثر من 65 ألف فلسطيني، وفقا لدراسة بحثية صادرة عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية.

والمتابع لما يجري يوميا في الأغوار يرى أن الاستيطان في المنطقة يتجه نحو مراحل أكثر خطورة، تتمثل في عمل حثيث وخطوات فعلية ترمي في النهاية لربط مستوطنات الأغوار ببعضها البعض بما يؤدي إلى لعزل وشرذمة التجمعات الفلسطينية في المنطقة، بل يشكل خطرا على التواجد الفلسطيني فيها.

في هذا السياق، يوضح الباحث في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي في حديثه، أنه خلال العام الحالي ومنذ تولي حكومة نتنياهو الأخيرة مهامها، يلاحظ تسارع كبير في الأعمال والانتهاكات التي ينفذها المستوطنون على الأرض، حيث يعملون على الاستيلاء بشكل متسارع على مساحات واسعة من الأراضي عبر تسييجها، خاصة في الأغوار الشمالية والوسطى بما يتكامل مع المخططات الحكومية.

ويكمن خطر أعمال التسييج التي تجري مؤخرا، وفقا لموقدي، بدورها في الاستيلاء على أراض جديدة تقع أصلا خارج نطاق المستوطنات، وهذه الأراضي في غالبيتها أراض رعوية، كما أن جزءا منها مملوك للمواطنين، وهذه الأراضي وقعت بشكل كامل الآن في قبضة المستوطنين الذين سيعملون من خلالها على خلق تواصل بين المستوطنات المتباعدة، بما يمهد لإنشاء تكتل استيطاني ضخم على حساب التجمعات السكانية الفلسطينية التي باتت متباعدة ومتشرذمة ومفصولة عن بعضها.

وأضاف: "علمنا من مصادر حقوقية إسرائيلية أن الخطوة المقبلة بعد تسييج الأراضي والاستيلاء عليها، هي شق طرق وتعبيدها بين هذه الأراضي وبين المستوطنات، وخلق بنية تحتية متقدمة تربطها، وهذا يعني بداية مرحلة جديدة من الاستيطان في المنطقة، وسيكون له تبعات ضارة ومدمرة للقطاع الزراعي والثروة الحيوانية والوجود الفلسطيني بأكمله".

تجدر الإشارة هنا، إلى أنه مخطط المليون مستوطن، والذي يشمل رفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية خاصة في شمالها، إلى مليون مستوطن، وإقامة مدن ومناطق صناعية وشق طرق.

ويعد سعي الاحتلال لخلق ترابط استيطاني وإيجاد تكتل يضم كافة المستوطنات في الأغوار ليس أمرا جديدا، وبدأ التخطيط له منذ فترة طويلة، لكن السنوات القليلة الماضية شهدت تحركات فعلية من المستوطنين بهذا الخصوص، من خلال إقامة عدة بؤر استيطانية رعوية في مناطق متفرقة من الأغوار خاصة الشمالية، وهذه البؤر يمكن ربطها لاحقا بالمستوطنات القائمة.

وظهرت أوائل البؤر الاستيطانية الرعوية عام 2016 في منطقة الحمة بالأغوار الشمالية، وتلتها خلال السنوات اللاحقة عدة بؤر، علما أن البؤر الرعوية تظهر بكثرة مؤخرا ليس فقط في مناطق الأغوار وإنما أيضا في المناطق المطلة عليها وهي المناطق المعروفة باسم (شفا الغور).

ويؤكد موقدي أن الباحثين وثقوا خلال السنوات السبعة الماضية إقامة 13 بؤرة استيطانية رعوية في مناطق الأغوار كاملة (الشمالية والوسطى والجنوبية)، وفي المناطق المطلة على الأغوار، حيث يستولي المستوطنون من خلالها على آلاف الدونمات من المراعي، ويمنعون الفلسطينيين من الاقتراب منها.

وفي دراسة أعدها الباحث فراس حنني لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني أن "منطقة الأغوار كانت هدفا للاحتلال والاستيطان منذ 1967، فقد زرع مجموعة كبيرة من المستوطنات ومعسكرات التدريب، وهذا يندرج تحت سياسة ممنهجة ترمي إلى إفراغ هذه المنطقة من سكانها استكمالا لمخطط ضم الأغوار، والعمل على تهويد هذه المنطقة من خلال سلسلة من المشاريع الاستيطانية التي بدأت منذ احتلال الضفة عام 1967، إذ تبلور إجماع لدى قادة دولة الاحتلال بضم القدس والأغوار، وخاصة ما عرف بمشروع "آلون" الذي بدأت إسرائيل بتنفيذه أواخر الستينات عبر بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات على طول نهر الأردن، وصلت حتى نهاية عام 2018 إلى 36 مستوطنة، يعيش فيها أكثر من 7500 مستوطن".

وتتزامن أعمال التسييج والاستيلاء على الأراضي وإقامة البؤر التي يقوم بها المستوطنون مع أعمال تنفذها سلطات الاحتلال مؤخرا على نطاق أكبر في الأغوار، ومن هذه المشاريع مشروع إقامة مدرسة دينية ومجمع خدمات استيطاني ينفذه "مجلس المستوطنات" على أراضي خربة الفارسية في الأغوار الشمالية، ويستولي على مساحات واسعة منها، ويجري العمل في المشروع منذ حوالي عام ونصف.

ويؤكد موقدي أن هذا المشروع له دور خطير في مجال ربط المستوطنات، فبعد إتمام بناء المدرسة الدينية، من المتوقع أنها ستستقطب طلابا من كافة مستوطنات الأغوار، ما يعني أنه سيتم ربطها بطرق مع هذا المشروع، وبالإضافة لدورها في الربط الفعلي للمستوطنات، فإن لها هدفا آخر وهو خلق وجود ديني وربط ايديولوجي للمستوطنين في المنطقة، وبالتالي ربط الواقع الجغرافي الاستيطاني في المنطقة بالواقع الديني.

بدوره، أوضح مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) سهيل خليلية أن الأعمال الاستيطانية في الضفة تشهد تسارعا كبيرا منذ تولي حكومة نتنياهو مهامها مع بدايات العام الحالي، وتمثل ذلك في العديد من الأمور، ومنها ارتفاع وتيرة المصادقة على المخططات الاستيطانية وبناء الوحدات الجديدة.

وما يؤكد هذا التسارع، وفقا لخليلية، أن عام 2022 شهد مصادقة على إقامة 12 ألف وحدة استيطانية، لكن خلال فترة النصف الأول من العام الحالي تمت المصادقة على 13 ألف وحدة.

وشدد خليلية على أن جميع حكومات الاحتلال هي حكومات مهتمة بالاستيطان وتوليه أهمية كبيرة، لكن الحكومة الأخيرة تعمل على أجندة واضحة لتصعيد البناء الاستيطاني وتحقيق تقدم واضح فيه.

وحول تبعات تفويض حكومة الاحتلال، قبل حوالي شهرين، لرئيس حزب "الصهوينية الدينية" ووزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش صلاحيات متعلقة بإدارة أعمال الاستيطان، أكد خليلية أن الصلاحيات المعطاة لسموتريتش تخوله الموافقة النهائية على المخططات الاستيطانية، وهذا فتح المجال لتسريع المصادقة على البناء الاستيطاني واختصار العديد من المراحل التي كانت تتبع سابقا لذلك.

وأضاف: أن خطورة الأمر تكمن أيضا في أن سموتريتش لا يعطي فقط مصادقات على البناء الاستيطاني الجديد، بل ينفذ مصادقات بأثر رجعي لبناء استيطاني موجود فعلا داخل المستوطنات لكنه لم يكن حاصلا على الموافقات، كما أنه يخطو خطوات لشرعنة البؤر الموجودة.

وحول خصوصية منطقة الأغوار، نوه خليلية إلى أن الاحتلال يوليها أهمية كبيرة، وهي موضوعة ضمن ما يسمى "الأولوية الوطنية" الإسرائيلية، وأي أعمال بناء أو توسع فيها تحظى بدعم كبير من الحكومة، وهذا يفسر أعمال الاستيلاء على الأراضي التي تنفذها حكومة الاحتلال في المنطقة تحت مسميات مختلفة.

وأوضح أن كل الانتهاكات المتصاعدة التي تقوم بها سلطات الاحتلال في المنطقة تشير إلى أن الأغوار ستتم محاصرتها بشكل أكبر، والوضع يتجه فيها للأسوأ، وخاصة مع تزامن إجراءات حكومة الاحتلال مع قوة وممارسات المستوطنين على الأرض، والذين ينفذون اعتداءات يومية ومتصاعدة على المواطنين وممتلكاتهم ويضيقون عليهم، وتصاعد قوة مجلس المستوطنات على الأرض من خلال مشاركته في تقديم إخطارات الهدم للمنشآت، ودوره في الاستيلاء على الجرارات والمعدات الزراعية وصهاريج نقل المياه ومنعها من العمل في المنطقة.

وأضاف: "ممارسات المستوطنين في الأغوار تأتي في ظل ظروف مواتية على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، من خلال تشجيع وزراء من داخل الحكومة للمستوطنين على العنف ضد الفلسطينيين، وكذلك في ظروف مواتية على الصعيد الدولي والإقليمي والانشغال بقضايا كبرى، وبالتالي سرعة تنفيذ المخططات الاستيطانية".