في كثير من الأحيان تعمينا التفاصيل الصغيرة والهامشية عن الإنجاز الأهم، وفي مثل تجربة الانتخابات الفلسطينية الحالية فهي تؤسس لنظام سياسي ديمقراطي تعددي، ولمجرد إجراء هذه الانتخابات بهذا العدد الكبير من القوائم، هو دليل على أجواء الحرية والديمقراطية السائدة،  وهذا من وجهة نظري الإنجاز الأهم، ومن دون شك أن الفضل فيه يعود إلى حركة فتح والقيادة الوطنية التي تدير دفة الأمور، لأنها وفي ظل أصعب الظروف الموضوعية تصر على إجراء الانتخابات والخروج من عنق زجاجة الانقسام، وجمود النظام السياسي الفلسطيني.
على المواطن الفلسطيني ألا يخاف من كثرة القوائم الانتخابية، أو أن يعتقد أن كثرتها هو شكل من أشكال الفوضى السياسية، أن هذا العدد الكبير للقوائم هو نتيجة طبيعية بعد حالة الجمود لعملية الانتخابات منذ آخر انتخابات تشريعية جرت عام 2006.  صحيح أن هناك قوائم عديدة لا يمكن التمييز بين برامجها، وتتشابه في توجهاتها، ما قد يصعب على المواطن الاختيار، ولكن المضي قدمًا في التجربة الديمقراطية. وإجراء انتخابات بشكل منتظم كل أربع سنوات سيدرك الجميع أن المصلحة هي في تشكيل إئتلافات وتحالفات أوسع ولها البرامج والتوجهات السياسية والاجتماعية نفسها. 
المهم هو أن تتاح الفرصة لمن يشاء ترشيح نفسه دون أية قيود، وهذا يحصل الآن، وهو أمر صحي وديمقراطي، ولكن وفي سياق هذه التعددية هناك أمر أكثر أهمية وهو أن يشارك كافة من يحق لهم التصويت في هذه العميلة الديمقراطية، وأن يدرك المواطن أن صوته مهم جدًا لأن ذلك سبيله الأهم ليشارك في صناعة القرار السياسي، والقرارات الأخرى التي تتعلق بشؤون حياته ومستقبله. وصوت المواطن هو حق ومسؤولية، وأن عليه أن يفكر جيدًا بكيف ولمن يصوت لكي يكون صوته أكثر تأثيرًا، وأن يكون لديه القدرة في تخيل كيف ستكون عليه الأمور في اليوم التالي للانتخابات، وأن لا يكون صوته سببًا في وأد هذه التجربة الديمقراطية، لأن المهم أن نؤسس عبر هذه الانتخابات لنظام سياسي فلسطيني ديمقراطي وتعددي.
صحيح أن الطريق الديمقراطي ليست معبدة بالورود، لكنها هي الطريق الأفضل، ولا بديل لها  في  ضمان التداول السلمي للسلطة، وفي ضمان المشاركة الشعبية  في صنع القرار. والطريق الديمقراطي هي وحدها التي تقود إلى بناء دولة حديثة، دولة القانون والحريات والمؤسسات، دولة كل مواطنيها.. كما يجب ألا يغيب عن بالنا ونحن نصوت أننا نؤسس لدولتنا الفلسطينية  المستقلة، والتي طالما قلنا إننا نريدها دولة ديمقراطية.
علينا ألا نحبط مما نعتقد أنه فوضى سياسية، بل العكس أن نشعر بالفخر لأننا نصنع تاريخا، تاريخا مشرفا فنحن نقوم بتدعيم ركائز دولتنا الفلسطينية، وركائز نظام سياسي ديمقراطي، وسيذكر المؤرخون هذه الانتخابات، بأنها جرت في لحظة تاريخية صعبة، وأن الشعب الفلسطيني تحدى المستحيل بهدف إنهاء الانقسام وبناء مؤسسات دولته بطريقة ديمقراطية  وأن كل ذلك جرى على يد حركة فتح وفي زمن الرئيس محمود عباس، أما التفاصيل الأخرى التي قد تزعجنا الآن فهي أمور هامشية تجري في إطار القيام بعمل وإنجاز كبير، ولن يذكرها التاريخ.