أنت في السجن السري الدموي الذي يسمى "سديه تيمان" الواقع بين بئر السبع والنقب، أنت لا تعرف أين أنت، معسكر للجيش الصهيوني أقيم فيه سجن لأسرى وأسيرات قطاع غزة، أقفاص مغلقة ومنتشرة في العراء، جرافات وسلاح وأسلاك مسيجة، أنت في مكان خارج الكرة الأرضية، لا قانون ولا عدالة ولا زيارات ولا رحمة، مختفي من الواقع تمامًا، تتعرض للتعذيب والدعس والإهانات والضرب ببساطير الجنود وهراواتهم والنهش من كلابهم المسعورة، أنت مقاتل غير شرعي وفق هذا القانون الصهيوني المختلق والذي لا مثيل له في منظومة العدالة الدولية، لا تمثيل قضائي لك، لا تهمة ولا محاكمة، ولا مدة محددة لاعتقالك، أنت الحي الميت الحاضر الغائب، المجرد من كل شيء، حتى من اسمك، إن مت سيلقون بجثتك في أي مكان في غزة، وإن بقيت حيًا لن تعود انسانًا كما كنت، ستخرج معاقًا أو مصابًا بالصرع، ومنذ السابع من أكتوبر 2023، أنت معتقل في هذا السجن المجهول، سجن البشاعة والقبح، غوانتنامو الصهيوني الجديد في المنطقة.


آلاف المعتقلين الغزيين رجالاً ونساء وأطفالاً وشبابًا اعتقلوا في هذا السجن السري، وهناك ضاعوا واختفوا، ولم تستطع أي مؤسسة حقوقية الحصول على أعدادهم وأسماءهم أو التمكن من زيارتهم ومعرفة ما يجري هناك، شهادات قليلة من بعض الأسرى الذين أفرج عنهم أو من تقارير عبرية كشفت عن حجم الدمار الإنساني الذي يتعرض له المعتقلون قتلاً وتعذيبًا وجنونًا لا يتصورها العقل البشري.
أنت في غوانتنامو الصهيوني الجديد، أنت في جهنم الصهيونية، كل أشكال النذالة والانحطاط الأخلاقي والبربري هناك، أنت جثة لا حياة لك في هذا المكان، كل شيء يموت ويذوي، يمتصونك من الوريد إلى الوريد، ينبشون جسدك قطعة قطعة، أنت غير موجود، محاصر بين جنود ومحققين مذعورين، غرائزهم العدوانية مستيقظة ومستمتعة بتعذيبك، الجلادون يحملون نشوات الانتقام والسياط والوحشية إلى جسدك، يشنون الغارات على جسمك، يشحذون أسلحتهم لينتصروا عليك كي ينتصروا على غزة أو جنين أو القدس، وعلى الجسد أن يتحطم كي تتحطم الإرادة، وعلى جسدك أن يتهدم كي تتهدم الذاكرة.
شاحنات عسكرية تقتاد المئات من الأسرى من قطاع غزة، عراة، مكبلين ومهانين ومضروبين ومعصوبي الأعين، يرسلون إلى غوانتنامو الجديد، وفي هذا المعسكر يظل المعتقلون مكبلين بأصفاد الحديد على مدار الساعة، تسلط عليهم الإنارة من أجل إرهاقهم ومنعهم من النوم، ينامون على الأرض، لا حمامات ولا مياه ولا وسائل نظافة، التجويع والطعام الرديء، لا ملابس ولا أغطية ولا علاج، وهناك تحتدم حرب التعذيب والضرب والتكسير والاهانات، حرب على الكرامة والإنسانية، حرب انتقامية سادية همجية لا مثيل لها في التاريخ المعاصر، هناك ارتكبت الجرائم والمذابح والاعدامات، من لم يمت في هذا السجن سيموت تحت قصف الصواريخ والقنابل، الموت في غزة يحاصر الجميع من الشمال إلى الجنوب، ومن جنين حتى رفح، روح ذئبية شيطانية ترتكب كل أنواع القتل والتعذيب والتشريد والابادة.


أنت في غوانتنامو الصهيوني الجديد، تتغذى بمصاصة وتتغوط في حفاظةـ وتحبو على أربع، وعليك أن تنبح وتعوي وتزحف، وعليك أن تشتم نفسك والقادة والرموز الوطنية، وعليك أن تردد وبأعلى الصوت: شعب إسرائيل حي، أن تجثو وتنحني وتقبل العلم الإسرائيلي، وهناك ينهالون عليك ضربًا وتجريحًا وتقطيعًا، الأصفاد البلاستيكية نحرت يديك فتم بترها، وهناك اغتصبوك وشوهوا جسدك، وهناك مورس التعذيب الجنسي والاعتداءات الفاحشة بحق الأسيرات، العنف الصهيوني، الإرهاب والتطرف والفاشية والنازية الجديدة، كلها تنهال فوق جسدك يمزقون روحك وجسدك، تستهويهم لذة التدمير، شاذون متهيجون منحطون، وانت بحاجة إلى صرخة، وأنت بحاجة أن تسأل أين الضمير الإنساني؟ وأن إخفاء الكاميرا من مسرح الجريمة، لا ينفي أن الجريمة لا ترتكب، يا ليت أحدًا يأتي ليكتب عن أحلام إسرائيل الكبرى المتغولة في جسد ومعسكر وبركة دم.
السجان الصهيوني المتطرف ابن غفير حارس بوابات السجون يقول: لن أحاسب السجانين الذين قتلوا الأسير ثائر أبو عصب، ووفقًا لتعليماتي يتلقى الأسرى الفلسطينيون أشد الشروط صرامة، ثمانية أسرى مكبلي الأيدي في زنزانة مظلمة وأسرة حديدية، ومراحيض في حفرة في الأرض، نشيد هتكفا يعزف باستمرار في الخلفية، أمل أن يتم الرد على طلبي لإجراء مناقشة في مجلس الوزراء الإسرائيلي لإقرار قانون إعدام الأسرى، الشيء الوحيد الذي يجب إدخاله إلى غزة مئات الأطنان من متفجرات سلاح الجو، لا غرام واحد من المساعدات.
السجان الصهيوني ابن غفير حارس غونتنامو مستاء من العدد الكبير الذي تم اعتقاله من السكان المدنيين من داخل مستشفى الشفاء في قطاع غزة، فيسأل رئيس الأركان لماذا لم يتم قتل بعضهم؟ وبعد حين جرى قتل الطبيب عدنان البرش رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء والذي اعتقل وتعرض لتعذيب مميت، وشاهدنا الشاحنات العسكرية تحمل عشرات الشهداء من معتقل غوانتنامو الجديد وتلقي بجثثهم في قطاع غزة.


في غوانتنامو الصهيوني الجديد، يشن حلف الأطلسي حربًا على أجساد المعتقلين، لا يكفي تدمير غزة وارتكاب الفظائع والمجازر المهولة، يجب قتل الأفكار والمشاعر من الأجساد، لهذا كل اركان دولة الاحتلال وحلفائها يعملون في هذا المعسكر، يتجادلون حول انجع الوسائل التي تجعل غزة تختفي من العقول، كيف تموت الهوية والمقاومة والأحلام المشروعة للشعوب المضطهدة؟ أن يموت الماضي والحاضر والمستقبل، قتل القوة الروحية في معركة الفلسطيني في الدفاع عن انسانيته، قتل الجمال والقصيدة، اغتيال الرواية التي فازت بجائزة البوكر للرواية العربية للاسير باسم خندقجي، تحصين الأسوار أكثر، طحن الوعي الفلسطيني، محو التاريخ من الحدود والوجود.
هستيريًا الاعتقالات مازالت مستمرة، الهوس والخوف الصهيوني دفعهم إلى اعتقال الآلاف من كل فئات الشعب الفلسطيني، وتراهم يعربدون في السجون، التعذيب والاذلال والعزل وتجريد الاسرى من كل مقومات الحياة الإنسانية، القمع الوحشي وقتل الاسرى، كأنهم يدركون أن هذا الاحتلال لن يبقى إلى الأبد، سيغادرون هذه الأرض وخلفهم أكوام من الرماد البشري، ولهذا ينبشون في المقابر والعظام، يبحثون عن أسطورة أخرى مخادعة بعد أن سقطوا من النظام العالمي والأخلاقي والإنساني، وتهاوت الأكاذيب والاقنعة، تشريعات ومحاكم وصواريخ وفيديوهات وصور واقتحامات ومداهمات وفتاوي دينية وخطابات تحريضية وعنصرية، وما زالوا في المعسكر، سجانين متنمرين، لم تنتج عبقريتهم سوى الشر المطلق والغيتو، هوية يهودية متماهية مع الهوية النازية.
أنت في غوانتنامو الصهيوني الجديد، يجرونك على الأرض، يضربونك على رأسك، يرقصون على إيقاع جسدك المعذب، يظنون أنهم يتماسكون داخليًا ويتغلبون على فزعهم بانهيار جسدك، يزداد الرفس والتنكيل ويتصاعد، لا طمأنينة ولا أمان ما دمت تتنفس، كل العالم يتجند ويحتشد الآن ضد الجرائم الإسرائيلية، فيصبون وحشيتهم فوق جسدك، هم بحاجة إلى كسر فولاذ الروح الفلسطينية ليتغلبوا على هشاشة تكوينهم وعجزهم عن شطب الحقيقة الفلسطينية.
أنت في سجن غوانتنامو الصهيوني الجديد، يتبولون في فمك إذا طلبت ماء، يستخدمونك درعًا بشرية أو لعبة للتعذيب والتسلية، يجردونك من ملابسك، يغتصبونك بعصا أو قنينة، بصاق وشتائم قذرة، يقفزون فوق ظهرك وينتشون، إن خرجت من هذا السجن تخرج هرمًا، ملامحك تغيرت، عيونك غائرة وعظامك بارزة، كدمات وجروح تملأ جسدك، نزيف نفسي لا يتوقف، في غوانتنامو الصهيوني تتجلى فلسفة العصور البدائية، افتراس البشر وتقويض أرواحهم واجسادهم والعبث بهاـ تقويض كل النظريات الحديثة عن تطور ورقي البشرية والعلوم والحضارات والديمقراطيات واحترام كرامة الإنسان، غابات مظلمة ووجوه ليست بشرية، وأحسب أن فنون الغرب المتوحش وانظمته وابداعاته وقذارته وضعت كل خبرتها في هذا السجن، بلباس صهيوني وخوذة أميركية.


سيدي الصدى: أرجوك حدثني عن الخلاص من السجن قبل أن تحدثني عن السلام الموعود، الوطن كله يختفي قسرًا في هذا السجن، أعمار مهدورة وبلد تتحطم أضلاعه في كينونة الإنسان، حدثني عن الحرية أولاً ولا تحدثني عن القانون الدولي والشرعية الدولية، جميعها صناعة الانظمة الامبريالية، من صاغ القانون الدولي هم أنفسهم الذين بنوا هذا السجن وجدرانه وقوانينه وزنازينه وقبوره العميقة.
سيدي الصدى: أرجوك حدثني عن الحرية أولاً وفك قيد المؤبدات والموت من حولي، أزل شبح المستوطنة المنغرزة في لحمي وأرضي وألف حاجز حول مدينتي، أعطني الحياة فكرًا ولغة وثقافة ومقاومة، أرضًا وسماء، أنقذني وعيًا وروحًا فهناك فرق بين الحرية والدولة.
سيدي الصدى: غوانتنامو الصهيوني الجديد يحتجز المجتمع الفلسطيني برمته وحق تقرير المصير، هكذا يرتسم البلد ويخطط له، سجونًا واسيجة وعبيدًا يديرون شؤون العبيد، أخ يا سيدي الصدى لو تدري قيمة الشرف عندما يداس ويمتهن، لخرجت من صداك وأسندت نفسك إلى نفسك كما قال محمود درويش: ولا يذهب صوت الضحايا سدى.