كلما واجهت إسرائيل السؤال الرئيس أو الاختيار الرئيس عن حقيقتها، فإنها تفشل فشلًا ذريعًا في إخفاء حقيقتها، هل هي تفضل أن تكون الدولة القائمة على أساس قانوني شرعي، أم أنها الوجود العدواني القائم على الأكذوبة والخرافة والحديد والنار واستغلال الثغرات الواسعة في نظام الشرعية الدولية؟
المفروض أن إسرائيل قامت على أساس القرار الدولي رقم 181 العام 1947، ولكنها خانت هذا القرار منذ اللحظة الأولى لوجوده، فقد حصلت على أرض أكثر مما يتيح لها القرار، وطردت شعبنا في غالبيته وحولتنا إلى شعب من اللاجئين، واعتبرت استمرار وجوده خطأ فادحًا، أحاطت وجودها بتحالفات دولية مع بقايا الدول الاستعمارية الآخذة في الاندثار ومع الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تتهيأ للقدوم إلى المنطقة تحت شعار ملء الفراغ، وإجمالًا كانت إسرائيل تستبدل القانون الدولي والشرعية الدولية بقوانين العصابة، ما تنجح في اغتصابه يصبح هو الحق المطلق، وما لا يمكن اغتصابه يصبح مهددًا بانتظار الفرصة المناسبة.
قد يقول قائل، وما هي الغرابة، كل الدول الكبرى على هذا الطريق؟ ولكن العالم وفي سنوات إنشاء إسرائيل عانى من حربين عالميتين، ومن استخدام القنابل الذرية، ومن صراعات حامية خطيرة، وإسرائيل ظلت آمنة نسبيًا.
وليس من قبيل الصدفة أنه في الأسبوع الرابع والثلاثين للمظاهرات الإسرائيلية المطالبة بطرد نتنياهو كان حليفه النوعي دونالد ترامب يفلت من الإدانة في محاكمته الثانية، ويهدد أن برنامجه السياسي بدأ للتو ومعروف أن برنامج ترامب بخصوص القضية الفلسطينية هو من صياغة نتنياهو، فكيف يمكن أن تكون المواجهة؟
اعتقد أن الشعب الفلسطيني وعلى رأسه قيادته الشرعية، لن يسمح لمشاريع الاستيطان أن تمر، وأن المواجهة ستكون صعبة، وفلسطينيًا لا خيار لنا سوى تصعيد المواجهة بكل ما نملك، لأن القوى الكبرى والشرعية الدولية لديها مشاكلها العويصة، وهذا هو الأمل الذي أضاء عبر التفاهمات الفلسطينية المدعومة عربيًا والمرحب بها دوليًا، فنحن نتهيأ بأفضل الطرق، واكثرها شرعية لمواجهة الشر لأنه لا يوجد شر أعظم من الاستيطان الموسوم بالإرهاب اليهودي هذا الإرهاب الذي يقوم به، ويصنعه كل مستوطن، فالمستوطنون هم الشر الأكثر سوءا في هذه الإسرائيل السوداء ومواجهة الاستيطان ومجموعاته الإرهابية المتعدد هو الأولوية الأولى، لأن الاستيطان معناه نفي الإنسان الفلسطيني، وانكار الحق الفلسطيني بالمطلق، فأهلاً بالعقول الشجاعة والسواعد الشجاعة، وأهلًا بوحدتنا الوطنية التي تتكسر على جسمها الصلب كل أسلحة الأعداء.