تقرير: زهران معالي

مبان توسعت أفقيا وعموديا واستطالت باتجاهات متعددة متصلة بشبكة طرق حديثة، وغرباء زرعوا الحقول وغرسوا كروم العنب، وربوا قطعان الأغنام، ومرحوا بما استولوا عليه من موارد المياه الطبيعية.

تلك المشاهد التي تتصاعد أعلى جبل الشيخ بلال أو الجبل الكبير التابع لأراضي قرى سالم وعزموط ودير الحطب شرق نابلس، ويتباهى بها مستوطنو مستوطنة "ألون موريه" المقامة أعلى الجبل بفيديوهات تملأ مواقع الانترنت، فلم يكتف الغرباء بسرقة الأرض فقط، بل وأسلوب الحياة أيضا.

كل تلك المشاهد التي ميزت حياة الفلاحين في تلك القرى قبل إقامة المستوطنة عام 1980 وسرقها المستوطنون، تلاشت رويدا رويدا مع كل طوبة جديدة تستوطن المكان وكل حَمَل يولد في حظائر تبنى هناك، فهندسة الاستيطان العدائية خطفت قمة جبل الشيخ بلال وما حوله وغيرت وجه المكان وقلبه، فلا زيتونة للفلسطينيين تزرع هناك ولا مكان لرعي أغنامهم في "الأرض المعدومة" منذ ما يقارب 39 عاما.

نهاية شهر ديسمبر عام 1979، حدقت عيون سكان القرى الثلاث للسماء يترقبون عدة طائرات إسرائيلية سيطر هدير محركاتها على هدوء المنطقة، تتدلى منها كرفانات كبيرة حطت على قمة جبل الشيخ بلال، كبرت اليوم وتسمنت وباتت عمارات ضخمة، وفق ما يوضح رئيس مجلس قروي عزموط السابق وائل علاونة.

ويعني اسم "ألون موريه" باللغة العربية "المعلم الكبير"، وكانت المستوطنة أقيمت في البداية داخل معسكر لجيش الاحتلال الإسرائيلي في أواخر عام 1978؛ وذلك بتركز 25 عائلة من حركة "غوش أمونيم" بالقرب من قرية روجيب، لكن بعد مقاومة فلسطينية وعربية وعالمية واسعة عام 1979، قررت حكومة الاحتلال، نقل المستوطنة إلى منطقة الجبل الكبير أو جبل الشيخ بلال.

ويشير علاونة إلى أن قرية عزموط تتوزع على 13 حوضا بمساحة 13 ألف دونم مربع، سيطر الاحتلال على حوض 6 باعتباره أراضي دولة وأقام عليه المستوطنة، ويحرم أهالي القرية من الدخول لثلاثة أحواض أخرى إلا بتنسيق مسبق لعدة أيام للحراثة وقطف الزيتون، فيما يمنع قطعيا الدخول لأحواض 1و2و3 وتعتبر أرضا معدومة.

وما ينطبق على قرية عزموط، تتجرعه قريتا سالم ودير الحطب كذلك.

وبلغ عدد سكان قرية عزموط 3440 نسمة، ودير الحطب 2,838، وسالم 6,266 نسمة، وفق التعداد السكاني للعام 2017.

واضطر أهالي قرية عزموط للتوجه للبناء العمودي أو السكن في المدينة، نظرا لتواجد المستوطنة وانحسار المساحات التي يتمكن أهالي القرية من البناء فيه، حيث تتوزع أراضي القرية بين ثلاثة آلاف دونم واقعة ضمن المنطقة المصنفة "ب" و10 آلاف دونم واقعة ضمن المنطقة المصنفة "ج" وفق اتفاقية أوسلو، وتمنع سلطات الاحتلال المواطنين من البناء فيها، يؤكد علاونة.

ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن الاحتلال الإسرائيلي، يستغل بشكل مباشر حوالي 2,642 ألف دونم من الأراضي المصنفة "ج"، وتشكل ما نسبته 76.3% من مجمل المساحة المصنفة "ج"، والتي تبلغ مساحتها 3,375 ألف دونم.

وينوه إلى أن المناطق التي يدخلها أهالي القرية بتنسيق أو يمنعون من الدخول إليها تتجاوز خمسة آلاف دونم.

ذاته رئيس المجلس السابق يملك 50 دونما في الأرض المعدومة، ولا يسمح له منذ أكثر من 30 عاما من الوصول إليها بقرار احتلالي. "لا يوجد أحد في القرية لا يملك أراضا في المنطقة المحرمة على أصحابها" يؤكد علاونة.

وتضم المستوطنة مقام الشيخ بلال بن رباح المقام على مساحة 10 دونمات وقف إسلامي ويطل على الأغوار الفلسطينية والأردنية، ويستغل كمزار سياحي للمستوطنين اليوم بعد أن كان يشكل مقصد أهالي القرى الثلاث لذبح النذور وإقامة الحفلات الدينية والاجتماعية.

وأكملت سلطات الاحتلال الطوق على القرى الثلاث عام 1996، عندما شقت شارعا استعماريا التفافيا بعرض حوالي 20 مترًا ليصل إلى مستوطنة "ألون موري" ويربطها مع مستوطنة "ايتمار" ومعسكر حوارة؛ ويطوقها من الجنوب والشرق والشمال؛ وعزل معظم أراضيها وقطع أوصالها، ومنع أصحاب الأغنام من الرعي في المنطقة.

وتعتبر الاجراءات الاسرائيلية أحد أهم أسباب عدم استغلال الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، وتشكل المناطق المصنفة (ج) حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، التي ما زالت تقع تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة، الأمر الذي أدى الى حرمان الكثير من المزارعين من الوصول الى أراضيهم وزراعتها أو العناية بالمساحات المزروعة فيها ما أدى الى هلاك معظم المزروعات في هذه المناطق، إضافة الى تجريف المزروعات واقتلاع الأشجار.

نور الدين تيسير (48 عاما)، أحد المزارعين التي خسرت عائلته 25% من أرضها المكونة من 146 دونما لصالح الطريق الاستيطاني، قال: الطريق قسمت أرضنا قسمين، لا ندخلها إلا بتنسيق، وكل قسم مقسم لأقسام حتى وقت التنسيق.

ويستذكر تيسير عمل والده وجده في الأرض، قائلا: قبل تواجد المستوطنة، كانت الأرض تزخر بآلاف أشجار الزيتون من النوع التركي والأمريكي واليوناني، أكثر من عشرين نوعا، لكن لم يعد يتواجد فيها اليوم إلا البلدي فقط، والأخرى ماتت نتيجة عدم العناية واعتداءات المستوطنين.

ويصف السلاسل الحجرية التي بنتها عائلته والمغطاة بكروم العنب باللوحة الهندسية التي اختفت ملامحها، "فلا تين ولا عنب ولا لوز في الأرض، كلها ماتت وقطعت باعتداءات المستوطنين".

"كانت الأرض تنتج قرابة 10 آلاف طن من الزيت سنويا لكن هذا الموسم لم تنتج سوى 3 أطنان، نتيجة عدم العناية بالأرض، وسرقة المستوطنين المحصول".. يتابع الرجل.

ويضيف تيسير: "تشعر بالقهر فقط كلما زرت الأرض، المستوطن يزرع ويربي الأغنام قد أخدوا حياتنا كلها، فيما لا يسمح لنا الاحتلال سوى 10 أيام فقط لقطف الزيتون و3 لحراثتها من 365 يوم فقط نستطيع الدخول لأرضنا".

ولم يغرس تيسير منذ أكثر من 20 عاما غرسة زيتونة واحدة في أرض العائلة، متسائلا: إذا كانت زيتونة عمرها أكثر من 60 عاما لا أستطيع الاعتناء بها، كيف تنمو أغراس صغيرة تحتاج للري باستمرار؟.

وأقام المستوطنون في "ألون موريه" كنيسًا وروضة أطفال ودار حضانة، ومدرسة محلية، وعيادة طبية وسوقًا تجارياً، وتضم مؤسستان تعليميتان تعملان في المستوطنة هما: مدرسة تأهيل المعلمين والحاخامات ومعهد "ملكات هسدية" الذي يعمل من أجل تعميق الارتباط الديني مع الأرض والقيم.

ويرجع الدكتور عمر حلمو الذي تملك عائلته 100 دونم بالأرض المحرمة، بذاكرته إلى طفولته، قائلا: لنا الكثير من الذكريات في أراضينا حيث تربينا فيها نساعد أهلنا في جمع محاصيلها الشتوية والصيفية، كنا نرعى أغنامنا وأبقارنا فيها بعد اليوم المدرسي؛ فكنا نذهب إليها ونعود وقتما شئنا وحتى في الليل، أما الآن فقد حرمنا من زيارتها إلا في مواعيد يحددها الاحتلال.

"كانت أرضنا تضم قرابة أربعة آلاف شجرة زيتون زرعها أجدادي في الفترة بين (1930-1940)، لكن اعتداءات المستوطنين قضت على أكثر من ألف منها، وقطع الشارع الاستيطاني أوصالها"، يؤكد حلمو.

وتعد مستوطنة "ألون موري" من المستوطنات السكنية الصناعية؛ ففي عام 1980 بدأت سلطات الاحتلال بإقامة منطقة صناعية تابعة للمستوطنة، تضم العديد من المصانع، كمصنع الطناجر، ومصنع الصفائح المعدنية التي تستخدم في تصفيح الدبابات، ومصنع لقطع الغيار العسكرية، ومصنع للأواني المعدنية، ومصنع لإنتاج المبيدات الحشرية، ومصنع إلكتروني ومركز لبيع الحاسوب، ومصنع للنسيج، ومصنع للأدوات الكهربائية.

وبلغت مساحة مناطق النفوذ في المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية 541.5 كيلو متر مربع كما هو الحال في نهاية العام 2018، وتمثل ما نسبته حوالي 9.6% من مساحة الضفة الغربية، فيما تمثل المساحات المستولى عليها لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب العسكري حوالي 18% من مساحة الضفة الغربية، ما يحرم المزارعين والرعاة الفلسطينيين من الوصول إلى مزارعهم ومراعيهم.