وعد الكار

بين السلاسل الحجرية القديمة في الاراضي الزراعية في بلدة بتير غرب بيت لحم، يعبرُ المزارع السبعيني محمد أبو نعمة "أبو العبد" إلى أرضه الواقعة في اراضي 1948، عبر نفق صغير تحت خط سكة الحديد الرابطة بين القدس ويافا.

في هذه المرة يحمل أبو العبد ضيفاً جديداً إلى أرضه "اشتال زيتون" فهو يرى بأن زراعته للزيتون يثبت الأرض، ويقول: "زرعت الزيتون لكي يبقى أولادي متمسكين في الأرض، خاصة أنها تقع ضمن مناطق 48 والاسرائيليون يحاولون سرقتها بشتى الوسائل، ويحاربوننا بأرضنا ويضيقون علينا".

وبتنهيدة عاد أبو العبد إلى ذكرياته، قائلا: منذ أن كان عمري 15 عاماً وأنا أزرع الأرض وأحافظ عليها كباقي أهالي البلدة، وكان بالقرب من محطة القطار سوق الخضار حيث يأتي كل مزارع بمحاصيله لهذه المنطقة المركزية، حيث كان يأتي أهالي القرى المجاورة للتجارة وتبادل المحاصيل.

"عندما بنى الاحتلال جدار الفصل العنصري، الذي وصل إلى المناطق المجاورة كالولجة، وبيت جالا، انخنقت هذه الأراضي وفقد موقعها أهميته، واليوم لم يعد أحد يأتي بمحاصيله إلى هنا" يقول أبو العبد.

ويضيف: ان أهالي بتير استطاعوا الحفاظ على أرضهم على الرغم من وقوع جزء منها داخل الخط الأخضر وهو المنطقة الفلسطينية الوحيدة التي يدخلها أصحابها بلا تصاريح.

ويتابع: إن قلبي يحترق كلما سمعت عن أرض استولى عليها الاحتلال، فالأرض تعني الوطن، والهوية، وتراث الأجداد الغالي الذي لا يقدر بثمن، ورسالتي لكل الأجيال القادمة أن يتمسكوا بكل ذرة تراب، وأن لا يتنازلوا عنها، ووجود كل صاحب أرض في أرضه يحميها من طمع المحتل.

وعلى بعد أمتار من أرض أبو العبد، وبملاصقة سكة القطار هدم الاحتلال قبل أشهر قليلة استراحة مكونة من بعض الأخشاب لبيع العصائر والمشروبات الساخنة وزعم الاحتلال حينها أن الحجة تغيير معالم الطبيعة.

ويقول صاحب الأرض، الذي يشغل منصب نائب رئيس بلدية بتير أكرم بدر لـ"وفا": الهدف من إقامة الاستراحة استقطاب أكبر عدد من الزوار لينعموا بمشاهدة الوديان والمدرجات الزراعية التي تتبع نظام الري الروماني القديم، الذي يعتبر من أقدم أنظمة الري في العالم الذي لا زال موجوداً حتى يومنا هذا.

ويضيف: ان هذا السبب جعل "اليونسكو" تصنف بتير كمنطقة إرث عالمي، والاحتلال يجن جنونه عندما يرى الزوار من كل أنحاء العالم قد قدموا لزيارة بتير، ما جعلهم يهدمون الاستراحة ويستصدرون قرارا بعدم العمل في هذه الأرض نهائيا، لدرجة منعنا من إقامة جدران استنادية طبيعية لترتيب الأرض وإزالة آثار الهدم".

"ويتابع: إصرارنا على البقاء يقتلهم، فالبقاء سلاحنا الوحيد، على الرغم من كل محاولاتهم، فأكثر من 12 مزارع استشهدوا في هذه الأراضي دفاعا عنها".

ويشير الى محاولة الاحتلال منع المواطنين من دخول أراضيهم بفرض القيود، ففي العام 1988 طلب الاحتلال من أهالي بتير استصدار تصاريح من ما تسمى بـ"الإدارة المدنية" التابعة للاحتلال، للدخول للأراضي الواقعة في اراضي 1948، ولكن رفض المواطنون ذلك، وفي العام 2014 حاول الاحتلال تشييد حاجز وبوابات للدخول للأراضي بحجة الحفاظ على أمن القطار الذي يعبر من بتير خط يافا-القدس.

ويتابع: ان حنكة الأهالي دفعتهم قبل سنوات إلى الوقوف في طريق أي عثرة ممكن أن تسلب متراً من أرضهم، وذلك عبر وضع بوابة يشرف عليها حارس معين من البلدية يراقب دخول وخروج المزارعين إلى أراضيهم لدحض أي حجة لليهود، ومنعهم من إقامة جدار بحجة الحفاظ على الأمن، مؤكدا أن هدف الاحتلال الوحيد هو التهام المزيد من الأراضي ومنع وصول المزارعين من الوصول إليها.