يكسر المثقّف الشّجاع جدار الصّمت الّذي بناه السّلطان ويقول كلمته الجريئة وهو يعي أنّه سيدفع مهرها الغالي، ويغرّد المثقف الأصيل خارج السّرب رافضًا أن يكون خروفًا في قطيع الوالي، ويرفض المثقف الحقيقيّ أن يكون سانشو السّلطان، حامل حقيبته وحادي حاشيته. هذا ما فعله الكاتب الفرنسيّ الكبير جان بول سارتر عندما كتب "عارنا في الجزائر" مخالفًا موقف حكومة بلاده الاستعماريّة الّتي كانت تحتلّ الجزائر وتقمع شعبها، مدّعيةً أنّها جزء من فرنسا الأم.
موقف سارتر الشّجاع يقودنا الى التّساؤل: أين سارتر الاسرائيليّ الّذي يشاهد ما يحدث يوميًّا في المناطق الفلسطينيّة المحتلّة من قتلٍ واعتقالٍ وتعذيب واهانة وهدم بيوت واغتيال أشجار وسرقة أراضٍ؟ أين المثقف الاسرائيليّ الشّجاع الّذي يسمع تحريض نتنياهو على عشرين بالمئة من سكّان الدّولة ويحتضن أيتام كهانا؟ أين سارتر الاسرائيليّ الّذي سيكتب: عارنا في القدس أو عارنا في الخليل أو عارنا في غزّة؟
صادرت حكومة إسرائيل من القاموس السّياسيّ لمواطنيها كلمات "احتلال وسلام ودولة فلسطينيّة" وشنّت حربًا شعواء على كلّ من يلفظها متّهمةً ايّاه بالخيانة. وتصاعدت موجات العنصريّة ضدّ العرب بعد أن شرعنت الحكومة قوانين عديدة تفوح منها رائحة كريهة بينما تغاضت عن موبقات المستوطنين بل شجّعتها.
تنبّأ المفكّر الاسرائيليّ يشعياهو ليبوفيتش قبل خمسين عامًا بأنّ الاحتلال سيفسد المجتمع الاسرائيليّ ويؤدّي الى انتشار العنف فيه والرّشوة والفاشيّة والمخدّرات.
إنّ صمت المجتمع الاسرائيليّ عمّا يحدث في هذه الأيّام قد يؤدّي الى يأس البعض مع أنّ هذا الصّمت ليس دليلًا على الموافقة والرّضا، ولكنّ تفاؤلي يدعني "أرى خلل الرّماد وميض نار" فقد كانت مذيعة التلفاز أشرات كوطلر جريئة جدًّا عندما وصفت جنود الاحتلال الّذين مارسوا العنف والوحشيّة على شبّانٍ فلسطينيّين بالحيوانات المفترسّة كما أنّ الفنّانة روتم سيلع وجّهت نقدًا شجاعًا من خلال حسابها على انستغرام الّذي يتابعه 824 ألف انسان عندما كتبت: "تجلس الوزيرة ميري ريغف مقابل الصحافيّة رينا متسلياح وتقول إنّ على الجمهور الانتباه والحذر من انتخاب غانتس لأنًه سيضطّر لاقامة حكومة من العرب. تسمعها متسلياح وتصمت بدلًا من أن تسألها: وما المشكلة مع العرب؟ يوجد مواطنون عرب في الدّولة. متى يستوعب أحد في هذه الحكومة أنّ جميع النّاس متساوون وأنّ الدّولة يجب أن تكون لجميع المواطنين". وغضب نتنياهو وردّ عليها بأنّ إسرائيل هي دولة اليهود فقط، الّا أن الممثلة العالميّة جال غدوت انبرت لتأييد روتم سيلع والدّفاع عنها.
إنّ أصواتًا مثل أصوات كوطلر وسيلع وغدوت هي جذوات في صحراء المجتمع الاسرائيليّ اليمينيّ تبشّر بما سيأتي فلا بدّ من أن يظهر كاتبٌ شجاع مثل سارتر يبشّر بقدوم جنرال مثل شارل ديغول الّذي قال لشعبه بأن الجزّائر للجزائريّين وعلى فرنسا الانسحاب منها. وفعل ذلك!