هتافات الغضب الشعبي، ضدّ الجوع والقهر والانقسام البغيض، التي ملأت شوارع قطاع غزّة المكلوم يومَي الخميس والجمعة الماضيين، هي بالنسبة لـ"حماس" أعمال شغب تحرّكها سلطة رام الله!! وهتاف الجماهير البليغ ضد سلطة القمع الحمساوية في دير البلح (برّا يا "حماس" برّا) هو وبغطرسة الجهل الحمساوية ذاتها، هدف هذا الشغب الذي تقوده "أجهزة أمن عباس" كما كتب بالنص القيادي الحمساوي طاهر النونو على صفحته في "الفيسبوك"!!!

لـ"حماس" أن تغالط نفسها والواقع كما تريد، ولها أن تتوهّم مخارجَ لها في أقاويل الخديعة والكذب كما تشتهي، ولها أن تمضي في أوامر يحيى السنوار وإسماعيل هنية، في تصعيد أشد عمليات القمع والتنكيل، وبالنص "الضرب بيد من حديد" لمواجهة جماهير "بدنا نعيش" في عموم قطاع غزة المكلوم!! لـ"حماس" أن تمضي في هذه الدروب، دروب الهرب والنكران، غير أنَّ الحقائق ومعطيات الواقع لن تسعفها في المحصلة، ما يحدث الآن في قطاع غزة المكلوم، هو نتاج لما ارتكبت "حماس" من انقلاب، وانقسام، وهرولة خلف أوهام المشروع الإخواني البغيض، مثلما هو نتاج الأموال الخبيثة التي تسيلها (إسرائيل) لـ"حماس" لتبقي على سلطتها الانفصالية - هكذا أعلن نتنياهو - وقبل ذلك وبعد كل ذلك، هو نتاج سياسة البلطجة، وفرض الضرائب التي لا يعرفها ولن يعرفها أي قانون، وعمليات الاستحواذ اللصوصية على حصص الكهرباء، والسولار، وتبرّعات المواد العينية، وتجارة الأنفاق التي جعلت من قيادات "حماس"، أمراء حرب بكلِّ ما في الكلمة من معنى. ما يحدث في غزة الآن هو نتاج التلاعب بمصائر الناس، والمتاجرة بدمائهم، تحت شعارات "المقاومة" التي باتت تعتذر لـ(إسرائيل) عن صواريخها (!!!) بعد فشل هذه الصواريخ في التغطية على حراك الغضب الشعبي العارم ضد الجوع والقهر والانقسام!

والحقيقة إذا كان ثمّة شغب في غزّة، فهو شغب "حماس"، شغب صواريخها التي لم ولن تسعفها فيما تريد من حرف للبوصلة، وخداع للناس والواقع والحقيقة، نعم هو شغب الانقلاب الحمساوي، شغب الأوهام الإخوانية التي استبدلت الوطنية بالصراف الآلي!!! وهو شغب القمع والتنكيل الذي طال جماهير "بدنا نعيش" على اختلاف هُويّاتهم وأسمائهم، أفرادًا وعائلات، نساء ورجالاً، فتية وأطفالاً، صحفيين وأطباء ومحامين، وحتى طواقم من منظمات حقوق الإنسان في غزّة، الشغب الذي دفع بالمواطن أحمد أبو طاحون أن يحرق نفسه وسط جباليا، بعد قيام ميليشيا "حماس" بطرده من منزله، لعدم قدرته على دفع إيجاره، وبعد مشاركته في تظاهرات "بدنا نعيش".

لا شغب في غزة الآن سوى شغب "حماس"، ودحر هذا الشغب لن يكون بأنصاف الحلول ولا بتسويات عفا الله عما سلف، دحر هذا الشغب وإلى الأبد لن يكون بغير دحر الانقلاب الحمساوي بمخرجاته القبيحة جميعها، وهذا ما يتطلَّب موقفًا وطنيًّا واحدًا موحّدًا، لا يجامل ولا يناور ولا يساوم، ومطالب الغضب الغزي بحياة كريمة وآمنة، هي من ابرز الأولويات الوطنية في اللحظة الراهنة.

حراك "بدنا نعيش" هو حراك الكرامة الوطنية والإنسانية سوية، وهذا يعني أنّه ليس حراكًا حزبيًّا، وإنَّما هو موقف الأغلبيات المقهورة في مطلع غضبتها الذي هو أول الغيث.. وأول الغيث كما نعرف قطر ثُمَّ ينهمر.