حالة التوتر وتهديد (إسرائيل) لغزّة وحركة "حماس" بالويل والثبور بعد إطلاق ثلاثة صواريخ من القطاع باتجاه تل أبيب يوم الرابع عشر من آذار سرعان ما هدأت بعد تَنكُّر كل الفصائل الفلسطينية من المسؤولية عن إطلاقها وقبول (إسرائيل) تفسير حركة "حماس" عبر الوسيط المصري بأنَّ الصواريخ انطلقت بالخطأ وبالتالي تراجعت (إسرائيل) عن تهديدها .

قد تكون الرواية صحيحة، ولكن تبقى الشكوك قائمة حول ملابسات هذا التصعيد الذي لم يستغرق سوى ساعات، وإذا وضعنا هذا التصعيد في سياق تجارب سابقة من تصعيد عسكري كان مقصودًا وموجّهًا لخدمة أهداف سياسية آنية أو استراتيجية كما هو الحال مع كلِّ ما تُسمّى الحروب على غزّة بعد سيطرة "حماس" على القطاع، وقد سبق أن كتبنا وتحدّثنا مطوّلاً عن هذه الحروب والمواجهات بأنّها جزءٌ من صناعة دولة غزة وتكريس الانقسام، أيضًا إذا وضعنا هذا التصعيد الغامض والملتبس في سياق ما يجري من أحداث في قطاع غزة وخصوصًا خروج الناس في تظاهرات ضد حركة "حماس"، فإنَّ الأمر يثير القلق ويستدعي وقفة تفكير.

هذا التصعيد الذي وظَّفته (إسرائيل) وحركة "حماس" لتحقيق أهداف خاصة بكل منهما وبعضها مُتّفَق عليه يمكن قراءته بعيدًا عن الإعلام الرسمي، سواء الصادر عن (إسرائيل) أو عن حركة "حماس"، وهو إعلام عودنا على إخفاء الحقيقة، وملاحظاتنا عما جرى كما يلي:

- لا نستبعد أنَّ إحدى الجهات الفلسطينية الرافضة لاتفاق الهدنة بين قيادة "حماس" و(إسرائيل) تقف وراء إطلاق الصواريخ لإحساسها أنَّ الهدنة حققت مصلحة مشتركة لـ(إسرائيل) وقيادة "حماس" بينما لم تستفد منها القضية الفلسطينية كما تتعارض مع معتقداتها وسياساتها، والجهات المتحفّظة على الهدنة وسلوكيات قيادة حركة "حماس" كثيرة منها: حركة الجهاد الإسلامي والجبهتَان الشعبية والديمقراطية، وربما البعض من داخل حركة "حماس"، ولا نستبعد عملاء (إسرائيل) وهم كُثر للأسف.

انطلاقًا ممَّا سبق قد يكون إطلاق الصواريخ رسالة موجهة لقيادة حركة "حماس" والوسطاء أكثر ممَّا هي موجّهة لـ(إسرائيل).

- تصعيد (إسرائيل) وتهديدها بردٍّ قاسٍ أدى لتنكُّر الفصائل الفلسطينية من المسؤولية عن إطلاق الصواريخ وكأنَّ إطلاق الصواريخ أصبح رجسًا من عمل الشيطان وشكلاً من الخيانة الوطنية، بينما كانت الفصائل سابقًا تسارع إلى تبنّيها والترحيب بها حتى وإن لم تكن هي مطلقتها .

- أدَّت العملية التي جرت يوم الخميس إلى وقف المسيرات والفعاليات الفلسطينية على الحدود، والتي كان مخطّطًا لها يوم الجمعة، ونعتقدُ أنَّ هذا مُنجَز مشترك لكلِّ من (إسرائيل) وحركة "حماس" لأنَّه مُتَّفَق عليه مسبقًا في اتفاق الهدنة بين الطرفين، والذي تمَّ برعاية مصرية قطرية أممية .

- أدّى التصعيد للتغطية على المظاهرات التي اندلعت في أكثر من مكان في القطاع ضد حركة "حماس" بسبب مسؤوليتها عما آل إليه الحال من فقر وبطالة وفرضها للضرائب ولكل أشكال الجباية، بالإضافة إلى اعتقالها لكل مَن ينتقدها، وهي مظاهرات تمَّ قمعها بوحشية .

- التغطية على صفقة الهدنة بين "حماس" و(إسرائيل) بوساطة مصرية وقطرية وأممية والتي تمَّت بسرية وصمت، وستكشف الأيام خطورتها.

-كي وعي الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من خلال ترهيبه بأنَّ أيَّ صواريخ يتم إطلاقها من غزة سيُعرِّض القطاع لحرب مدمّرة.

- استمرار التركيز على العنف في قطاع غزة للتغطية على ما يجري في القدس والضفة عمومًا من اقتحامات للمسجد الأقصى وقطع المال عن السلطة الوطنية والتضييق عليها ومحاولة تصفيتها.

- قُلناها وسنكررها، قد تتمكن حركة حماس الاستحواذ والهيمنة على المجال السياسي في قطاع غزة وأنَّ تصبح الجهة الوحيدة المحتكِرة لقرار الحرب والسِّلم في كل ما يخص قطاع غزة سواء تعلق الأمر بالهدنة ووقف المقاومة أو بالضرائب والجباية الخ ، وقد تنجح باستقطاب مزيد من الدول للتعامل معها كسلطة واحدة ووحيدة في قطاع غزة.

- ولكن، ماذا بعد ذلك؟ هل ستقبل الفصائل الأخرى والشعب بشكل عام أن تستمر حركة "حماس" متفرِّدة بالسُّلطة لوحدها في القطاع وخصوصًا أنَّ نتائج حكمها للقطاع طوال ثلاثة عشر سنة كانت كارثية على أهالي القطاع وعلى القضية الوطنية بشكل عام؟ وما هو مستقبل القضية الفلسطينية بعد تكريس الانفصال؟ وهل يمكن أن ينتصر حزب ويخسر الشعب وتنهزم القضية الوطنية؟

لقد سبق أن حذَّرنا من فشل حوارات المصالحة ومن هدنة أو تهدئة خارج سياق التوافق الوطني لأنَّ هكذا هدنة ستشعل فتنة نرجو من الله أن ينجي شعبنا منها.